لبنان بين المساندة والهيمنة
المقاومة المفروضة والهيمنة المرفوضة
رأي – لا ينبغي اتخاذ موقف الحياد السلبي مع ترك الساحة مفتوحة لصراع دامٍ بين هيمنة وهيمنة
رأي
قبل النظر فيما يجري على أرض لبنان وموقعه من تداعيات طوفان الأقصى، ينبغي الخروج من نفق أوهام متراكمة، منها على سبيل المثال:
أولا- وهم تصور قاصر أن زوال نتنياهو يكفي لنهاية الجولة الدائرة حاليا في أكناف الأرض المباركة وحول مستقبل المنطقة؛ فهذا تصور يتناقض مع حقيقة أن النكبة الكارثية بدأت قبل وجود نتنياهو، وكانت مساراتها تبني في كل مرحلة على ما سبق صنعه في مرحلة سابقة، سيان من يشغل منصب الزعامة في الكيان الصهيوني الاستيطاني، وهل يحمل اسم بن غوريون أم بيجن أم رابين أم شارون أم نتنياهو أم سواهم.
لا جدوى إذن من ربط تصوراتنا وتطلعاتنا المشروعة بفتات المتغيرات في تقلب الزعامة الصهيونية.
ثانيا- وهم منحرف يصور الكيان الصهيوني كيانا قائما بذاته يدير بشخوصه العدوانية جولات الاستعمار الاستيطاني في القلب من المنطقة العربية والإسلامية، فكأنه لم يكن من بداية المخاض به هو الثكنة المتفرعة مباشرة عن الاستعمار الغربي التقليدي، أو كأن مفعول ذلك غاب في مرحلة ما عن صناعة القرار العدواني في فلسطين وما حولها، من عهد بونابرت الفرنسي إلى عهد بلفور البريطاني إلى عهود ترومان وريجان وترامب وبايدن الأمريكيين، وقد ارتبط جميع ذلك بالحروب والتشريد والهيمنة.
إذن.. مهما جنحت الاتجاهات ذات اليمين وذات الشمال بالقوى الدولية المعادية، لا جدوى من ربط أي أمل بأسماء زعمائها وتبدل توجهاتهم الرسمية من دون السياسات الكبرى المتوارثة لديهم.
ثالثا- وهم آخر مرتبط بغفلة عن حقيقة المقاومة الفلسطينية كما لو أنها مجرد ذراع من أذرع سياسات الهيمنة الإيرانية وممارسات السلطة القائمة في إيران منذ ١٩٧٩م، بينما عرفت إيران الهيمنة أيام شاه إيران، شرطي الخليج، وكانت فلسطين قد شهدت قبل ١٩٧٩م ولادة العمل الفدائي المقاوم ونشأة ما نشأ من تجمعات ومنظمات لممارسته.
لا جدوى إذن من التضليل بصدد هوية المقاومة، المشروعة بكل المقاييس، وحتمية أن تستمر وتتوالد مرة بعد مرة، سواء وجد طرف إيراني مهيمن في المنطقة أم لم يوجد.
* * *
إن الحرب العدوانية الاستيطانية التوسعية في فلسطين، امتدت من قبل إلى لبنان وتمتد مجددا إليه، مثلما امتدت إلى الجولان وشرق الأردن وسيناء ووصلت حتى العراق، وقد تمتد إلى المزيد من الأجزاء المبعثرة في المنطقة العربية الممزقة، ما بقي التمزق سائدا وما بقي التخلف منتشرا، بكل أشكاله وميادينه.
إن الصدام الحالي في لبنان ينطوي فيما ينطوي عليه على جانب مشروع، هو مساندة المقاومة في فلسطين ضد الهيمنة الصهيونية الغربية، وينطوي أيضا على صدام بين مطامع الهيمنة بجناحيها، الصهيوني الغربي والإيراني الإقليمي.
لهذا ليس سهلا تحديد الموقف الواجب اتخاذه، إنما يمكن رؤية بعض المعالم المبدئية له؛ فلا ينبغي اضمحلال التأثير عبر موقف حياد سلبي، مع ترك الساحة مفتوحة لصراع دامٍ بين هيمنة وهيمنة، وذلك على حساب حاضر المنطقة ومستقبلها؛ كما لا ينبغي في الوقت نفسه تضييع البوصلة عبر الانغماس في حلبة الصراع دون التمييز الدقيق بين مشروعية المقاومة من أجل التحرير ومشروعية دعمها، وبين مخاطر الانزلاق إلى خدمة مطامع الهيمنة لصالح أي طرف مهما كان شأنه.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب