عبث أمريكي بسورية؟

سياسات مدروسة وإخراج مدروس

رأي – إذا استقر تعاملنا مع بعضنا كما ينبغي يتقلص مفعول العداء الخارجي أو ينكشف

118
٥:٠٥

رأي (نشر يوم ٩ / ١ / ٢٠١٣م، في جريدة أوراق الشام الثورية)

لا يزال فريق من السوريين يبحث عن تعامل نزيه مع قضيتهم عبر الدولة الأمريكية، ويشيعون استحالة التوصل إلى الأمن والعدل من دون ذلك. هذا رغم أن العبث السياسي الأمريكي لم ينقطع تحت عناوين متعددة لتعامل الدولة الكبرى عالميا، مع قضية سورية وسواها من قضايانا، وهو عبث يستدعي الأسف على من يصدقه من داخل نطاقنا، كما يستدعي التلاقي على عمل جاد وأسس ثابتة لتحقيق أهداف جليلة.

والجدير بالذكر أن العبث السياسي الأمريكي ليس عبثيا، بل هو سياسة مدروسة بإخراج مدروس، ضمن أدوار تعبر عنها السلطة التنفيذية تارة والسلطة التشريعية أخرى، وفي الحالتين لا يتم اتخاذ خطوات فاعلة ضد استبداد أو إجرام يضير شعوبنا وينتهك سيادتها على أرضها وعلى صناعة القرار في بلادنا وقضايانا.

إن الدعم والعداء عنصران خارجيان، يحضران ويغيبان، ويصدقان ويكذبان، بينما السؤال الحاسم للتعامل معهما هو: كيف أوظف أي موقف أو عمل أو كلام، سواء كان داعما أو معاديا أو مدعيا الحياد بين المجرم والضحية، توظيفا يخدم القضية التي أعمل لها، وسورية هنا مثال على قضايانا وتطلعات شعوبنا عموما، فخلال الثورة الشعبية في سورية ظهر العبث الأمريكي بأبشع صوره في حكايات الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما من الحزب الديمقراطي الأمريكي، ثم تكرر في حكايات الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب من الحزب الجمهوري الأمريكي، ثم لم يتبدل سوى الاسم في حكايات الرئيس الأمريكي بايدن من الحزب الديمقراطي مجددا.

(الدليل على ذلك لاحقا، أي في عهد ترامب ثم بايدن: ما زال المسلسل يتكرر، حلقة بعد حلقة، من قبل التعامل الأرعن مع مجزرة الكيمياوي في غوطة دمشق وخط أوباما الملون بحمرة الدماء، مرورا بلحظة الضربة الثلاثية تحت عنوان صفقة القرن في عهد ترامب، انتهاء بتوزيع الأدوار بين بايدن والكونجرس لدغدغة مشاعر من لا يزالون يربطون مشاعرهم بالسياسات الأمريكية).

كل رئيس أمريكي يفكر بنفسه، ومنصبه، وحزبه، وناخبيه، ودولته، واقتصادها، وأمنها، وهيمنتها، وحلفائها، ولا يصدر عنه أي قرار أو تصرف خارج نطاق هذه المحدّدات وأشباهها، وليس هذا عيبا إلا من حيث الكذب عبر رفع رايات دعم الديمقراطية والحقوق الإنسانية عالميا، ولكن العيب الأكبر منه هو من نصيب من يحملون همّ قضاياهم لتقرير المصير باسم الشعوب، وهم يركضون وراء سراب أجنبي، أمريكي أو غير أمريكي، ولو أنفقوا على مسار التقارب مع الآخر ضمن نطاق شعوبنا وقضايانا وبلادنا معشار ما ينفقون من جهود وطاقات هناك، لتغير كثير من أحوالنا التي يقال إنها دخلت في طريق مسدودة؛ ولئن صح ذلك، علام نحبس أنفسنا في هذا النطاق باسم واقعية عرجاء تصنّف الثقة بالآخر الدولي فوق الثقة بالنفس وببعضنا بعضا، مع ما يمكن أن يفجره ذلك من طاقات للتغيير؟

*  *  *

إن ما يبدو للناظر كأنه عبث سياسي بقضايانا ليس فيه من العبث إلا ما يرتبط برداءة الإخراج من جانب رئيس دولة لديها ما لديها من أدوات الفكر والتخطيط والإخراج، ولكن الأهم من ذلك هو جوهر ذلك العبث، وجوهره من حيث المضمون أنّه جزء “عضوي” من السياسات الأمريكية، على تقلب الرؤساء وتتابع الانتخابات. وإن محور مسارنا كما ينبغي أن يكون، وسيكون بقدر ما نسعى إليه، هو ما نتلاقى عليه من رؤية وتخطيط، وتنفيذ ومراجعات، وصبر ومصابرة، وتنسيق وتعاون، وآنذاك يمكن أن نؤثر في مسارات قضايانا عبر التعامل مع سوانا من قوى إقليمية ودولية.

وأستودعكم الله، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب