سنة ١٩٧٣م انتصار أم هزيمة؟

معايير النصر والهزيمة وتغييب عامل العقيدة

خواطر – سباق التطبيع وطريق التحرير

0 322
٦:٢٥ دقيقة

خواطر 

“الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى” قاعدة سارية المفعول إلى اليوم منذ مطالع القرن التاسع عشر الميلادي وهي للكاتب الأشهر من سواه عن الحروب كارل فون كلاوسفيتش / Carl von Clausewitz وتعني هذه العبارة تلقائيا أن كل حرب تعني التطلع إلى تحقيق هدف أو أهداف سياسية من جانب كل طرف يشارك فيها، وبالتالي يتحقق النصر بقدر ما يتحقق ذلك كليا أو جزئيا.

وإذا حررنا تعبير النصر من الجانب السياسي فلا ريب أن جنود مصر والضباط القياديين الأقرب إليهم، كما كان سعد الدين الشاذلي رحمه الله، حققوا نصرا عسكريا ومعنويا باختراقهم ما عرف قبل حرب ١٩٧٣م بخط بارلييف، أي التحصينات الضخمة التي أقامها الإسرائيليون على جانب سيناء من قناة السويس، ويسري شبيه ذلك بصدد النصر على الأيام الأولى، من الحرب في جبهة الجولان السورية.

إنما المقصود هنا هو الهدف السياسي المرتبط بالحرب تاريخيا، وهنا لا بد من الحديث عن مسؤولية القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية آنذاك، وكان الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. واتضح منذ اليوم السابع عشر من الحرب ما يريده منها، عندما قال إنها من أجل السلام، ثم ترجم ذلك في السنوات التالية، حتى وصل إلى اتفاقيات كامب ديفيد سنة ١٩٧٨م وإلى ما حمل عنوان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية سنة ١٩٧٩م.

في هذه الأثناء لم يبق من الإعداد المعنوي العقدي للقوات المصرية شيء يذكر، وهو ما كان يجري التعبير عنه بأن الجنود تجاوزوا القناة صائمين مكبرين منتصرين، وفي هذه الأثناء لا نكاد نجد ذكرا حتى لتسمية الحرب بأنها كانت حرب العاشر من رمضان، وهذا ناهيك عن تغييب العقيدة العسكرية الوطنية إلى جانب تغييب مفعول العقيدة الدينية.

علاوة على ذلك، مر على حرب ١٩٧٣م خمسون سنة فهل تحققت أهداف سياسية كريمة، على مستوى التضحية بالجنود والثروات وعلى مستوى ما كان من وعود من قبيل الإغراءات بمعيشة مرفهة في ظل اقتصاد متقدم؟ أم أن الهدف السياسي السلبي الذي تحقق كان مقصودا من البداية، وهو تأمين الحدود الجنوبية للكيان الإسرائيلي بتجريد سيناء من السلاح الثقيل وتقييد إرادة الدولة المصرية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية؟

٠ ٠ ٠

في كتابين صدرا مباشرة بعد اتفاقيات كامب ديفيد وبعد المعاهدة كانت حصيلة الدراسة المتعمقة لهذا وذاك هي ما خطه قلم كاتب هذه السطور آنذاك، وفي الحصيلة تكرر ذكره مرة أخرى بعد ٣٣ سنة في أحد المقالات (انظر: رؤية – حرب العبور بعد جيل العبور) وهو:

(إن الأطراف الثلاثة التي أجرت المفاوضات، كانت على أرض الواقع طرفا واحدا، أما أصحاب الحق الشرعيون في صناعة القرار، لا سيما من مصر وفلسطين، فكانوا مغيبين، وكل من تجرأ من المسؤولين المصريين أنفسهم على محاولة أخذ بعض مصالح الشعوب بعين الاعتبار، كان مصيره الإقالة، والإقصاء عن آليات صناعة القرار).

قيل الكثير أيام السادات عن دور مصر القادم في عهد السلام، وعن الرفاه القادم في ظل السلام، ومع مرور السنين في عهد السادات ومن بعده، تحول هذا الدور إلى العجز عن دفع مخاطر جديدة كتلك عند منابع النيل، وإلى الإسهام في ضغوط على أطراف عربية أخرى على طريق التطبيع والتركيع، دون أن يجد أهل فلسطين سلاما وأمانا، ودون أن يجد أهل مصر مأوى وطعاما وكرامة. وتحول هذا الدور إلى الإسهام أو على الأقل إلى العجز عن منع حروب عدوانية تالية، بينما أصبحت مصر نفسها عرضة للابتزاز حتى عن طريق واردات القمح الأمريكي وسواها، وساحة لمناورات عسكرية تخدم أغراضا عدوانية جديدة.  

لا أجد فيما يمكن أن أضيفه هنا سوى أن الأوضاع ازدادت سوءا مع مرور أكثر من ثلاثين سنة في عهد مبارك وزهاء عشرة سنوات من عهد السيسي، الذي أعلن هذه الأيام أنه يريد زيادتها بولاية ثالثة عن طريق انتخابات صورية تبقيه حتى ٢٠٣٠م؛ وربما تتكرر خلالها لعبة تعديل الدستور لإضافة المزيد من سنوات التخلف والهزائم والقمع. زادت الأوضاع سوءا ويبقى الأمل المعقود على جيل جديد برؤاه وعمله وعطائه، ليحقق النصر في مصر وفلسطين وسورية وكل مكان، وليحقق ما يعنيه النصر علما وبحثا وتخطيطا وإنتاجا ورقيا.

وأستودعكم الله وأستودعه أهل مصر وسورية وفلسطين خاصة وأهلنا وجنس الإنسان عموما ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب