رؤية – مستقبل الإسلام بأوروبا بين الشباب والكهول

يرتبط النهوض بأعباء جديدة لمستقبل المسلمين في أوروبا بجيل الشبيبة المغيب حتى الآن عن مواقع التوجيه والإدارة

43
الشباب وصناعة الحياة

ــــــــــ

المحتوى:
تسارع الأحداث يوجب التصرف
الخلل الأكبر في أرضية الاندماج
كهولة التنظيمات الإسلامية وقياداتها
الحرص على سلامة العمل
خطورة افتراق الجيلين

الحديث عن العلاقة بين جيل الشبيبة والجيل الأكبر سنا من المسلمين في أوروبا، وعلى وجه التحديد الناشطين إسلاميا منهم، حديث ذو شجون، وقد يثير حساسيات غير مقصودة، أو انطباعات لا أصل لها، لا سيما وأن علاقة كاتب هذه السطور مع العمل الإسلامي في أوروبا قديمة، كانت اندماجية واقتصرت منذ فترة ومع التفرغ للكتابة على التواصل، وقد يقال – وهذا صحيح – إنه كثيرا ما دعا إلى “ثورة الشبيبة” على من هم أكبر سنا في توجيه العمل، إنما كان المقصود على الدوام هو ثورة الشبيبة على أنفسهم أولا، حيثما وجدوا، بالارتفاع إلى مستوى حاجة الإسلام والمسلمين وحاجة العمل الإسلامي، فهذا ما يؤهل للقيادة، وليس الثورة العشوائية الاعتباطية بطبيعة الحال، وما يسري على الساحة الإسلامية في أوروبا، يسري على البلدان الإسلامية نفسها بصورة أشد ضرورة وإلحاحا.

تسارع الأحداث يوجب التصرف
رغم التردد المبدئي في الكتابة تزامنت مؤخرا ثلاثة أحداث في بريطانيا وألمانيا وأسبانيا لتدفع إلى طرح السؤال الآن (٢٠٠٩م) عن مستقبل الإسلام في أوروبا مجددا، وإلى التأمل فيه عبر منظور العلاقة بين جيلين من المسلمين، وهذه الأحداث هي:
١- الإعلان البريطاني يوم ٢٤ / ٣ / ٢٠٠٩م عن “استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب” والتصريح بمخاوف عدد من المسؤولين عن التنظيمات الإسلامية من مزيد من التشدد تجاه المسلمين في بريطانيا تحت ستار تشريعات قانونية وإجراءات إدارية شبيهة بما عرف تحت عنوان القوانين الاستثنائية بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون عام ٢٠٠١م.
٢- حملة مداهمات واتهامات جديدة في ولاية بافاريا الألمانية، كُشف عنها يوم ١٩ / ٣ / ٢٠٠٩م واستهدفت سبعة من الناشطين إسلاميا من منظمات إسلامية معروفة، وانطوت على تصعيد نوعية الاتهامات ومضامينها بالمقارنة مع ما كان في حملات سابقة.
٣- مرور الذكرى السنوية الخامسة لحادثة تفجير القطارات الإرهابية في مدريد يوم ١١ / ٣ / ٢٠٠٤م، واقتران ذلك بتبني جهات رسميةٍ طباعةَ كتاب وتوزيعه حول التسامح ومعارضة “الإرهاب”، وكان من وراء إعداده في صيغةِ مجموعةِ صورٍ وكلمات بأقلام أطفال المسلمين بعد الحادثة مباشرة، عدد من الشبيبة المسلمة في مدريد، تميزوا بالوعي والمثابرة، كما يشير احتفالهم بطباعة الكتاب وتوزيعه عام ٢٠٠٩م.

الخلل الأكبر في أرضية الاندماج
سؤال طالما تكرر طرحه: ما الذي ينبغي على المسلمين في أوروبا صنعه على طريق اندماج إيجابي يجمع بين جناح المواطنة في الدول التي يعيشون فيها وباتوا جزءا من واقعها ومستقبل مجتمعاتها، وجناح الحفاظ على تميزهم بالهوية الإسلامية وهو ما لا يمكن -دون تحقيقه- أن يسري مفعول “حرية المعتقد” على أرض الواقع؟… قبل محاولة الإجابة مجددا على هذا السؤال وفق معطيات قائمة حاليا، يحسن النظر في معالم الأرضية السياسية والإعلامية التي يتحرك عليها الوجود الإسلامي في أوروبا، فهي التي تبين تلك المعطيات لتحديد العلاقة بين “سلوك الطريق” و”العقبات”.
ولا نزال نرصد تناقضا كبيرا في السياسات والممارسات الصادرة عن قطاع لا بأس به من المسؤولين في أوروبا، من الميادين السياسية والإعلامية والفكرية، ما بين دعوات الاندماج والتسامح وإزالة الأحكام المسبقة والحوار وما شابه ذلك، وبين مواقف وإجراءات عملية صادرة عن المخاوف أولا، والتي قد تكون مشروعة أحيانا بمنظور أحداث بعينها كعمليات التفجير في مدريد ولندن عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥م، ولكن لا يمكن أن تكون مقبولة عندما تتخذ شكل تعميم الشبهات والاتهامات، بدلا من التمييز الدقيق بين الغالبية الكبرى للمسلمين في أوروبا وبين نسبة محدودة تميل إلى العنف غير المشروع أو تؤيده، ناهيك عن أن ممارسته لا تصدر إلا عن نسبة محدودة أيضا من هذه الفئة المناصرة له، فهي لا تمثل شيئا يذكر بالمقارنة مع عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا. ونقف فيما يلي عند بعض الأمثلة:

بريطانيا: في بريطانيا حيث صدرت “الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب”، نجد فيها تفصيلا واسعا يتناول “الملاحقة لمن يمارس الإرهاب، والوقاية بمنع التطرف، والحماية للحدود والمواقع المحتمل استهدافها، والاستعداد لمواجهة أنواع جديدة من مصادر الخطر، إضافة إلى ما يسمى تجفيف منابع التمويل، وإلى مزيد من الجهود العسكرية الخارجية كما في أفغانستان، ونعلم أن كثيرا من ذلك بات ذريعة لصنع ما لا تتحدث عنه العناوين، كالتضييق على جمعيات خيرية، وأنشطة إسلامية مشروعة، والخلط بين “إرهاب” ومقاومة، ولكن علاوة على ذلك لا نجد في هذه القائمة الطويلة المعلنة رسميا، ما يمكن اعتباره استئنافا أو تطويرا أو “استراتيجية” تنطلق من بذور أخرى كان قد سبق التأكيد عليها، وفيها بعض الإيجابيات، وقد صدرت أيضا عن جهات رسمية وغير رسمية في حينه، كالانفتاح الإيجابي الذي كان يمثله بصورة خاصة الأمير البريطاني تشارلس.
لا غرابة إذن أن تنتشر الشكوك في أوساط المسلمين تجاه التصريحات الصادرة بين وقت وآخر حول تسامح وحوار واندماج، أو على حد تعبير محمد شفيق باسم “مؤسسة رمضان” الشبابية الإسلامية في بريطانيا معقبا على مواقف رسمية في حينه: (الحكومة ماهرة جدا في صياغة ما تعلن عنه، ولكن لا يصدر الكثير عنها عند الوصول إلى التنفيذ بصورة جوهرية… وحكومة بلير أقدمت على كثير من التشريعات القانونية التي تنطوي على التمييز ضد المسلمين، كما أن ما فعلته في العراق وأفغانستان زاد من وطأة الإرهاب) ولا يبدو من “الاستراتيجية الجديدة” لحكومة براون بعد بلير أنها قد خرجت عن هذا الخط العام عموما.

فرنسا: المسلمون يدركون ما يوجد من ثغرات في صفوفهم، ويريدون – كما في فرنسا – الوصول إلى إعداد أفضل لأئمة المساجد والمصليات، كا يقول ولد لعروسي مدير مكتبة معهد العالم العربي بباريس، منتقدا تعامل الحكومة مع الجزائر لإرسال من ترى الحكومة الجزائرية إرسالهم وأغلبهم لا يؤدي الغرض على الوجه الأمثل، ولكن تكمن المشكلة الأهم في وضع عام هو السائد، وهو أن (الغرب اليوم ينظر إلينا نظرة استفزازية وكأننا غنيمة مريضة يجوز الاستحواذ عليها) على حد تعبير فضل السيد حسين رايس، المحاضر في مسجد باريس. وليس مجهولا أن حظر الحجاب على بنات المدارس المسلمات ما زال مستمرا، وأن ملاحقة أئمة المساجد وخطب الجمعة فيها ما زالت قائمة، وأن مواجهة ثورات الغضب الاجتماعي في بعض الأوساط التي ترتفع فيها نسبة المسلمين وتعاني من التهميش والبطالة وسواها، لم تخرج من البوابة الأمنية إلى البوابة الاجتماعية والثقافية.

ألمانيا: في ألمانيا كان من أقوال د. آلبريخت ماجن، رئيس لجنة اندماج الأقليات في فرانكفورت: (لا نحاول اقتلاع الناس من جذورهم بل نريد نشر الإدراك أننا نعيش في مجتمع متعدد الثقافات)… كما يؤكد د. فيرنر شيفاور، من جامعة فرانكفورت (قيام بعض قطاعات الإعلام الغربي بدور كبير لإلصاق “تهمة الإرهاب” بالمسلمين) ويعزو إلى ذلك زيادة عزلة المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني، ولكن سيان كم تتكرر أقوال من هذا القبيل، لا ينقطع سيلُ المقالات الإعلامية التحريضية، ومنها ما يطالب بوقف بعض المحاولات الجزئية في اتجاه الاندماج، بغض النظر عن تقويمها تفصيليا، كما هو الحال مع ما يسمى “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” برعاية وزير الداخلية الألماني فولفجانج شويبلي، وهذا التحريض دائم الحضور، دون مناسبة تستدعيه مباشرة، ولكن يبلغ مداه بعد حادثة من قبيل حملة الاتهامات والمداهمات الصادرة عن النيابة العامة في ميونيخ، ويحدث هنا – كمثال – ما لا يحدث غالبا إلا عندما يرتبط الأمر بالإسلام والمسلمين، وهو استباق الإدانات الإعلامية للبعد الزمني الشاسع ما بين توجيه الاتهام، وبين ظهور الحصيلة، فتؤدي الإدانات مهمة التحريض لعدة سنوات، ولا يفيد بعد ذلك كثيرا أن تنتهي الاتهامات إلى التبرئة أمام القضاء كما كان مرارا في حالات مشابهة سابقة.

آرمين لاشيت، وزير شؤون الاندماج في ولاية رينانيا الشمالية وستفاليا الألمانية يؤكد أهمية أن يكون لدى المهاجرين فرص تعليمية ومهنية متكافئة مع سواهم، ويعتبر ذلك شرطا أساسيا للاندماج، ولكن لا نكاد نرصد شيئا يستحق الذكر على هذا الصعيد في السنوات الماضية، رغم تأكيد شبيه ذلك رسميا فيما عُرف بقمة الاندماج الداخلية التي عقدتها المستشارة الألمانية ميركل في منتصف عام ٢٠٠٦م.

الاتحاد الأوروبي عموما: باختصار، لا تزال الهوة الفاصلة بين القول والعمل على مستوى السياسات الرسمية والممارسات الإعلامية في الدول الأوروبية كبيرة جدا، فما سبق أمثلة تسري على بقية بلدان الاتحاد. ومن الناحية النظرية نجد مبادرات إيجابية مثلا فيما يسمى “دليل شؤون الاندماج” الصادر بنسخته الأولى قبل ٥ أعوام عن مفوضية الاتحاد الأوروبي، ولكن لا يوجد على أرض الواقع ما يشير إلى وضع المقترحات العديدة فيه موضع التنفيذ، لا سيما وهو يؤكد أن (الاندماج لا يتحقق عبر طريق في اتجاه واحد فقط، بل ينبغي أن تكون المجتمعات الأوروبية على استعداد لاحتضان المهاجرين أيضا) ويبين تبعا لذلك الكثير مما ينبغي صنعه – ولم يُصنع – على أصعدة الخدمات والسكن والقطاع الاقتصادي وغيره.

كهولة التنظيمات الإسلامية وقياداتها
لا شك أن استمرار التطور السلبي يمكن أن يؤدي في مرحلة ما إلى تصعيد المواجهات بدلا من الاندماج، كما أنه لا يمكن أن يمثل أرضية إيجابية يتحرك عليها المسلمون في أوروبا، الذين يراد منهم أن يحملوا قسطا من مسؤوليتهم في اتجاه الاندماج الإيجابي، وقد صدرت الآن (٢٠٠٩م) نتائج دراسة قامت بها مؤسسة “كاريتاس” الخيرية الكنسية، وفوجئ القائمون عليها بنتيجة من بين نتائجها تقول، إن العقبة الأكبر في وجه الاندماج هي عقبة “البيئة الاجتماعية” أكثر من أصول الانتماءات الأجنبية للمهاجرين من جيل سابق. وعنصر المفاجأة كامن في انتشار التصور الموهوم أن المسلمين لا يمكن أن يندمجوا في المجتمعات الأوروبية لمجرد أنهم مسلمون، أي بسبب انتمائهم، وليس بسبب الظروف المحيطة بهم!
لا ينفي ما سبق وجود عقبات ذاتية كبيرة على صعيد المسلمين، ونقف في هذه الرؤية التحليلية عند إحداها فقط، وترتبط بأوضاع “العمل الإسلامي”، وقبل الخوض فيها يفيد التأكيد مسبقا:
إن المراكز والاتحادات والجمعيات وسوى ذلك من التنظيمات الإسلامية التي أنشئت قبل عقود، قدمت خدمات جلّى لوجود الإسلام والمسلمين في أوروبا، والتفصيل فيها يطول ويبتعد بهذه السطور عن غايتها الأصلية، إنما يأتي هذا التمهيد – قبل ذكر السلبيات – دفعا لبعض الحساسيات المعروفة، وذكر السلبيات يثير الوهم كما لو لم تكن توجد إيجابيات، وليس هذا صحيحا.

يمكن الاكتفاء بصدد بعض السلبيات المقصودة بتعداد بعض العناوين الأساسية:
١- البنية الهيكلية لمعظم التنظيمات القائمة بنية بلغت مرحلة الكهولة إن لم نقل الشيخوخة، وقد قامت تحت تأثير ظروف زمنية وموضوعية تختلف اختلافا جذريا عما هو سائد اليوم.
٢- من ذلك على وجه التخصيص غلبة طابع “تنظيم جاليات وافدة” مع ما يعنيه ذلك من تأثير الأساليب والوسائل وطرق التفكير والتعامل الوافدة مع الوافدين من مواطنهم الأصلية، بينما أصبح أكثر من ثلثي المسلمين في أوروبا من الفئات المستوطنة، بإقامة دائمة أو عبر اكتساب الجنسية، أو نتيجة الولادة في أوروبا، أو باعتناق الإسلام بمعدلات متزايدة من جانب ذوي الأصول الأوروبية.
٣- أغلب المسؤولين (أي القيادات) في العمل الإسلامي في أوروبا، من مراكز وروابط، يسري عليهم ما يسري عليها من حيث الوصول إلى مرحلة الكهولة وتجاوزها، ومن حيث غلبة “فكر الوافدين” عليهم، بينما نجد أن السواد الأعظم من المسلمين المترددين على المساجد والمصليات والمراكز الإسلامية هم من جيل الشبيبة، وهم في سن العطاء المطلوب، ويتمتعون بميزات أخرى عديدة، بدءا باستيعاب المجتمع الذي ولدوا ونشؤوا فيه، وطرق تفكيره وأساليب التعامل معه والتأثير عليه، انتهاء باستيعابهم الأكبر لوسائل العصر الحديثة وقدرتهم على توظيفها لتحقيق الأهداف المرجوة.
٤- إن التركيز على التميز الانتمائي الإسلامي كما مارسته التنظيمات الإسلامية في عقود ماضية كان ضرورة، لا سيما في مواجهة ما غلب على المجتمعات الأوروبية والإسلامية آنذاك وتمثل في تيارات رافضة للدين ومعادية له، ويختلف الوضع الآن من حيث ارتفاع نسبة المتأثرين في تصوراتهم وواقع حياتهم بالصحوة الإسلامية، كما يختلف بارتفاع نسبة المعرفة بالإسلام في الغرب رغم المظاهر العدائية والتحريضية. واستمرار التميز مطلوب، ولكن دون أن يفقد ضوابطه، كيلا يتحوّل إلى تقوقع وعزلة، أو يدعم مظاهرهما المنتشرة حتى الآن، فيصبح عقبة في طريق الاندماج الإيجابي بشقي “المواطنة الأوروبية والانتماء الإسلامي” معا في الوقت الحاضر.
٥- ممارسة التنظيمات الإسلامية للدعوة إلى الإيمان والأخلاق والعبادات في حقبة ماضية كانت ضرورية للغاية، وقد حققت كثيرا من أهدافها، ولا تنقطع الحاجة إليها الآن وفي المستقبل أيضا، إنما الحاجة في الوقت الحاضر كبيرة وماسة وحيوية إلى ما يرتبط بميادين أخرى عملية، بدءا بقضايا حضانة الأطفال والتدريس، وعلاقة أولياء أمور التلامذة المسلمين بالمسؤولين في المدارس والدوائر الرسمية، وعلاقة الطلبة والطالبات بزملائهم من غير المسلمين وبطواقم التدريس في الجامعات، مرورا بقضايا الأسرة والمجتمع، وتنمية المواهب والتخصصات، والتعامل مع النقابات وأرباب العمل، والتأثير على المستويات الفكرية والأدبية والفنية والإعلامية، انتهاء بالتفاعل مع التيارات والأحزاب السياسية ومراكز القوى المؤثرة على صناعة القرار التشريعي القانوني وسواه.

الحرص على سلامة العمل
هذه صورة موجزة غاية الإيجاز تؤكد أن من المعضلات المستعصية على طريق بناء مستقبل أفضل للوجود الإسلامي في أوروبا، معضلة كامنة في السؤال: هل يمكن لتنظيمات بلغت سن الكهولة مع قياداتها، أن تنهض بأعباء جديدة ترتبط ارتباطا مباشرا بجيل الشبيبة، المغيب عن مواقع القيادة والتوجيه والإدارة، إلا قليلا؟
لا يكفي جوابا على ذلك ما يؤكده كثير من المسؤولين عن العمل الإسلامي أنهم لا يتشبثون بمواقعهم القيادية، ويريدون أن يستلم الشباب مهامهم، ويدعون إلى ذلك علنا، ويشجعونهم على ذلك!
الجواب واضح في أمرين:
أولهما واقع قائم يقول إن هذه “الرغبة” لم تتحقق حتى الآن على وجه التعميم، فيوجد إذن خلل ما يحتاج إلى إصلاح..
والأمر الثاني أن الرغبة مقيدة برغبة أخرى، تصدر غالبا عن الحرص على سلامة طريق العمل وفق ما نشأ عليه، ومثل هذا الحرص يعني الحيلولة واقعيا دون تطور جيل قيادي شاب جديد للعمل، ينهض بالمهمة وفق تصوراته هو، وليس وفق ما “يقال له” تحت عناوين إيجابية المبنى سلبية التطبيق، مثل إرشاد الشباب وتوجيههم وتوعيتهم وما شابه ذلك، ومن يقول ذلك يغفل أنه كان من جيل الشبيبة وتحرك وفق تصوراته الذاتية قبل عقود، وكانت تنقصه المعرفة والخبرة، فأصاب وأخطأ، وتقدم وتأخر، ولكن الحصيلة العامة مع توافر الإخلاص وتوفيق الله تعالى، كانت إيجابية، وهذا -وليس الخوف المبالغ فيه على العمل الإسلامي واستمراريته وصواب طريقه- هو ما ينبغي تثبيته كمعيار لعملية انتقال المسؤولية -أو نقلها- إلى جيل الشبيبة.

خطورة افتراق الجيلين
المثال الوارد في بداية الحديث عن نشاط شبيبة مسلمة في مدريد بأسبانيا واعتمادا على متابعته ومعايشة جانب منه ومتابعة أمثلة أخرى عديدة في ألمانيا وسواها، تبدو لكاتب هذه السطور معالم أزمة قادمة على صعيد العلاقة بين الجيلين المشار إليهما من المسلمين في أوروبا، يمكن تلخيصها فيما يلي:
كثيرون من قيادات العمل الإسلامي في أوروبا، أصبحت أعمارهم، كما أصبح تاريخهم في العمل الإسلامي في العقود الماضية، من أسباب انخفاض القدرة الفعلية على العطاء، وعلى التفاعل مع الأحداث المستجدة، وعلى التحرك السريع والصائب المؤثر على أرضية جديدة لوجود الإسلام والمسلمين في أوروبا، وكذلك على التعامل مع وسائل العصر المتقدمة المتطورة بسرعة كبيرة وتوظيفها على النحو الأمثل، وإنّ تنحيهم عن مواقع المسؤولية والقيادة، يمكن أن يؤدي بجيل الشبيبة في قيادة العمل مكانهم، ومع ابتكار أشكال جديدة له، إلى الاعتماد على مشورتهم، والرجوع إليهم في كثير من الأمور التي يحتاج فيها إلى الموعطة والمعرفة والخبرة. أما أن يكون “التنحي” بالأسلوب المرفوض المعروف عن القيادات السياسية للأنظمة في البلدان الإسلامية، أي إما موتا أو عزلا، وهو ما ينتقده العاملون للإسلام باستمرار، فيعني إما القطيعة بين جيلين يحتاجان إلى بعضهما بعضا، أو غياب الجيل الأكبر سنا عن الساحة آجلا أو عاجلا، وبالتالي افتقادهم مصدرا للنصيحة والمعرفة والخبرة. ولا يُقبل ذلك ما دامت الغاية طلب مرضاة الله تعالى، من خلال ما يحقق مصلحة الإسلام والمسلمين على أفضل وجه ممكن.

نبيل شبيب