رؤية – القيادة والزعامة الإسلامية الحقة

الزعامة تولد ولادة طبيعية، في محاضن الإيمان والاستقامة، والعلم والعمل، والعبادة والجهاد، والصبر والمصابرة

56

مقدمة

روسيا.. إيران.. تركيا.. السعودية.. الدول الغربية.. الميليشيات الطائفية المستوردة.. الجميع تحرك وما يزال يتحرك على مختلف المستويات من أجل إيجاد وضع في سورية، يتأرجح ما بين استمرار الاقتتال في نطاق مشروع تقسيم واقعي، وبين فرض وضع من الأوضاع الهشة بدعوى الحفاظ على "دولة" فقدت مؤسساتها الحقيقية، على أرض غارقة بدماء شهدائها وأنين مصابيها، ولا يزال واجبا على أصحاب العلاقة من السوريين أنفسهم أن يعملوا لإيجاد قيادة جماعية بدلا من التمزق والاقتتال، وبدلا من أن يزعم كل طرف أنه على حق بما اصطنع من زعامة يصفها بالإسلامية.

إن مسار التغيير بدأ بغض النظر عن مصير المواجهات الميدانية المباشرة، وما يزال الواجب المفروض مطروحا بإلحاح، لا سيما على العلماء وقادة الفصائل وأصحاب الكلمة المؤثرة عليهم، وهذا ما تريد الخواطر التالية التنويه إليه، عبر إعادة نشرها في مداد القلم في هذه الإصدارة، وكانت قد نشرت في سبع حلقات منفصلة من قبل، بذرتها الأولى مقال مطول في إصدارة سابقة من مداد القلم من يوم (١٣/ ٦ /٢٠٠٠م).

 

(١) واجب جليل وقصور خطير

الطرف الوحيد الذي لا يكاد يتحرك إلا قليلا على مستوى متطلبات الثورة وقيادتها، خوفا، أو جهلا، أو استصغارا من شأن نفسه، هم الذين تطلع إليهم شعب سورية طويلا، وما يزال يعتبرهم المسؤولين عن إنقاذ الوطن وأهله.

من هؤلاء من يرى أن "مال الممولين" قيد يستحيل كسره، ومنهم من يرى أن "فرقة المجاهدين" عقبة لا يمكن تجاوزها، ومنهم من اعتاد على "سرعة السلحفاة" التي لا تصلح حتى في فترات الاستقرار ناهيك عن عصر ثورات وتغيير وأعاصير مضادة للإرادة الشعبية.. ومنهم من يرى أن أي خطوة لا تحظى بمباركة (ملغومة حتما) من جانب القوى الدولية أو بعضها والقوى الإقليمية أو بعضها خطوة مكتوب عليها الإخفاق مسبقا، وكأن النجاح مضمون لو حصلت.. رغم أنها ملغومة.

وجميعهم ما يزال يعلل القصور بطول فترة القحط على صعيد العمل السياسي والعمل الجماعي لعدة عقود، ولا يعنون بذلك أنفسهم بقدر ما يرون أن هذا ما يجعل "الناس" لا تنقاد لهم، غافلين عن أن أولئك "الناس" صنعوا ثورة من تحت أنقاض القحط، وغافلين عن أن "موّال الذرائع" هذا لم يعد يصلح بعد عدة سنوات داميات.. فكأنهم يعيشون في فلك آخر خارج فلك الثورة وأحداثها.

إن من يتحدث بهذا اللسان ينتظر أن تزول العقبات -ولن تزول- من تلقاء نفسها، وأن تتبدل الأوضاع -ولن تتبدل- دون جهد مشترك لتبديلها، وأن يتم بناء المستقبل بعد أن "يسمح" لهم ببنائه.. أي أن يسمح أولئك الذين لا يريدون لسورية وشعبها، ولا حتى لعامة العرب والمسلمين والأسرة البشرية أن تنشأ دعائم بناء المستقبل خارج نطاق سيطرتهم الحالية بقوة السلاح، وهيمنتهم العالمية بقوة المال.

ليس هذا منطق ثورة شعبية تغييرية" وليس من يتحدث بهذا اللسان مؤهلا لقيادة أو زعامة لثورة تغييرية، لا سيما من ينتسب إلى مسار الدعوة الإسلامية التي ولدت في بطحاء مكة.. لتصنع التغيير "عالميا" رغم العقبات والعراقيل وضعف الإمكانات الذاتية، ولم تنتظر أن تسمح لها بذلك "القوى الدولية والإقليمية" آنذاك، ومن يأخذ بهذه المقولة اليوم، لا يتكلم متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنع آنذاك مع صحبه رضوان الله عليهم أجمعين.

 

(٢) ليس الضعف عذرا

إن الزعامات أو القيادات أو "حملة المسؤوليات الكبيرة".. أنواع عديدة، حسب ميادينها، فهي سياسية واقتصادية وعسكرية وحزبية وطلابية ومالية وعلمية وفكرية، وهي ناجحة وفاشلة، مستقيمة ومنحرفة، عادلة وظالمة.. وهي أيضا من حيث وصفها موضوعيا: "إسلامية" و"غير إسلامية"، والحديث هنا حول ما شاع وصفه بزعامات وقيادات إسلامية تحديدا، ويفرضه الجدل المتواصل حول "الزعامة والقيادة إسلاميا" وحول من يزعم العمل باسمها وقد أصبح هذه الأيام في قلب عصر الثورات التغييرية بلا حدود.. فلا يفيد الجدل بلا نتيجة بدلا من العمل من منطلق التحدي والتغيير، مع التخطيط والتفكير، ومع بذل "المستطاع" كما يبذل عامة الثوار.

وما دمنا نتحدث عن "القيادة والزعامة" الإسلامية.. وعمن يتحدث باسمها أو يعتذر عن أداء أعبائها، فلنذكر ما يعنيه ذلك وفق قول الله عز وجل في سورة الأنفال:

{واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون}.

ولنذكر أنها الآية التي تأتي (بعد) قول الله عز وجل:

{واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}

ولنذكر أيضا أنها الآية التي تأتي (قبل) قول الله عز وجل:

{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}.

 

(٣) الكفاءة فرض إسلامي

لا يدور الحديث عن "زعامة" دون كفاءة موضوعية.. ولكن نتحدث عن "الشطر الثاني" من هذا الزعامة، وهو ما تصنعه "قيم ومعايير إيجابية أو سلبية"، تجعل من الزعيم.. أو القائد.. أو المسؤول.. عادلا أو ظالما، هذا مع التأكيد أنه ليس "زعيما" أصلا إن افتقر إلى عنصر الكفاءة، أي المؤهلات المتعلقة بأداء المطلوب من الموقع القيادي الذي يشغله، وفق متطلبات موضوعية متعددة ومختلفة بين ميدان وآخر.

الواقع أن "الكفاءة" بهذا المعنى" هي في صميم مواصفات "القوة" و"العلم"، عندما نتحدث عن "القوي الأمين" أو "الحفيظ العليم".. باعتبارها من أركان الزعامة والقيادة وحمل المسؤولية من منطلق إسلامي، ولكن لا يدور الحديث هنا عن "الزعامة وشروطها" عموما، بل هو حديث "إضافي"، وليس سهلا عند طرحه "بالقلم" بين يدي من يخوضون بأنفسهم وأرواحهم ميادين المواجهة مع الظالمين هذه الأيام..

هو الحديث عن جوانب تكمن وراء انزلاق كثير ممن يتصدرون مواقع "الزعامة والقيادة" حاليا إلى ممارستها وفق مفاهيم مقلوبة رأسا على عقب، ليست مستمدة من الوعي المعرفي الإسلامي، وإن اعتبروا أنفسهم على رأس من يمثلون الإسلام والمسلمين، ومنهم من يقدمون أرواحهم من هذا المنطلق، إنما لا يتحقق مقتضى "إعلاء كلمة الله" بوسيلة القتال أو قيادة المقاتلين عندما توضع ممارسة السيطرة مكان "عنصر القوة" وعندما يصبح "التشبث بالقيادة" بديلا عن الأمانة بدعوى "الخشية" على مصير المعركة الجارية، هذا ناهيك عن أن يصبح "الشرع" عندهم متحققا عبر تنصيب من "يفتي" لهم بما يريدون، أو يقضي لهم بما يحبون، أو يخشى من قرارهم بعزله إن خالفهم أو إن حكم في نزاع على غير ما يشتهون.. وهكذا.

 

(٤) القيادة الجماعية شرط النصر

عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم ينشأ من بعده "فراغ سياسي أو عسكري" كما يقع هذه الأيام كلّما غاب زعيم ما عن الساحة، مهما صغر شأنه وهو يحسب نفسه كبيرا، بل إنّ الدولة التي أسّسها محمد صلى الله عليه وسلّم على بقعة صغيرة من الأرض في المدينة المنورة، مضت بمن بعده لتدفع الدولتين الكبريين في عصرها ذات اليمين وذات الشمال، ولتمتدّ بحدودها وبمبادئها ومنهجها فتشمل سائر أصقاع المعمورة المعروفة في ذلك العصر.. خلال أقل من قرن واحد.

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مستحيلا سدّ الفراغ الذي خلّفه محمد "النبي" صلى الله عليه وسلم، فقد كان خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله تعالى عليهم وسلامه أجمعين، أما القائد العسكري والزعيم السياسي ورئيس الدولة -إذا أردنا استخدام تعابير معاصرة في وصف بعض جوانب حياته صلى الله عليه وسلم- فقد كان يوجد حوله أثناء حياته جمع كريم وكبير من الصحابة، القادة الزعماء الأكفاء، الصالحين لرئاسة دول، القادرين بدرجات متفاوتة على حمل الأعباء الجسيمة، وكانوا معه أثناء حياته وممارسته مهام القيادة والزعامة والرئاسة، ولا يخطر في بال عاقل أنهم كانوا "زعامات منافسة" له، ولا يخطر في بال عاقل أيضا أنّ مكانته صلى الله عليه وسلم قد تأثرت سلبا بوجود ذلك العدد الكبير من الشخصيات الفذة حوله، أو أنّها تأثّرت سلبا من مواقف من قبيل القرار في قضية الأسرى، أو قصة المجادلة، أو تأبير النخل، أو المشورة في أحد، فما كان يصدر من اجتهادات ومواقف عمّن حوله، كان رفدا للبناء الذي يقيمه، حتى وإن نزل الوحي بغير ما قال به اجتهاده البشري.

لقد انقلبت المفاهيم في عصرنا هذا رأسا على عقب، حتى على صعيد من يعتبرون أنفسهم متمسكين بالنهج النبوي الإسلامي، وبات تبجيل "الزعامة" وتكريمها يتناسب طردا مع مدى انفرادها في الساحة وبصناعة القرار، وبالأمر والنهي، حتى ولو كان ذلك بتغييب سواها بوسائل مشروعة وغير مشروعة، حتى بات "الإنجاز الكبير" وفق تلك المفاهيم المقلوبة، أن يُحدِث غيابٌ محتم لزعامة ما، بالموت -والموت حق- فراغا لا يسدّه أحد، وما ذلك في واقع الأمر سوى نتيجة من النتائج الخطيرة لتغييب كلّ من يمكن أن يسدّ الفراغ أثناء وجود تلك الزعامة على قيد الحياة.

 

(٥) غياب الإنجازات يوجب تبديل القيادة

إن الزعامة الانفرادية لا تخلّف إنجازات حقيقية، ولكن حتى لو خلّفت إنجازات ما، كان مصير تلك الإنجازات في الأعمّ الأغلب الانهيار والضياع عقب غيابها، فتضيع بذلك قيمة وجود تلك الزعامة نفسها في فترة من فترات التاريخ، فكأنّها لم تكن من قبل، سيّان هل كانت إنجازاتها إيجابية أم سلبية.. هذا لو زعمنا أن "الزمن الضائع" لا قيمة له في حياة الأمم.

إنّ الزعامة الأكبر والأحقّ بالتكريم هي تلك التي تستطيع البقاء في موقع الزعامة عن جدارة تصنعها إنجازاتها، وهذا رغم وجود عشرات الزعماء حولها، وليست تلك التي لا تسـتطيع البروز على السطح إلا إذا غاب هؤلاء، أو سبقت تصفيتهم، أو قضي عليهم وهم أحياء، بتكميم الأفواه وهدر الطاقات، فأدنى درجات فنّ الزعامة الحقيقية هو التمتّع بالقدرة المتفوّقة على منافسيها عبر توظيف كلّ طاقة متوفرة، لأفضل غاية مرجوّة، بأقلّ خسارة ممكنة.

ليست الزعامة التي تستحق التكريم تلك التي تعيش أو يبدو أنها تعيش عبر تقديس منجزاتها مهما صغرت، وتجاهل أخطائها مهما عظمت، لا سيما في عصرنا هذا، بعد أن أصبح يقال بالإنجاز لمجرّد الوقوع في هزيمة أصغر ممّا وقع فيه آخرون، ومجرد الامتناع عن "الإسراع" في التقهقر عن حقوق وأهداف مشروعة كسرعة آخرين، بل وعبر المقارنة فيما هو أكثر مدعاة للاستغراب والذهول -السيطرة بقبضة ‎حديدية.. وليس بقوة العدل- بدلا من المقارنة بين انتصارات علمية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سوى ذلك من ميادين الحياة البشرية.

حتى المنجزات في هذه الميادين، إنّما يستحق المساهم في صنعها التقدير والتبجيل، عندما يكون من صنف الزعامات التي ترى تحقيق المنجزات مهما عظمت جزءا من واجب حملت المسؤولية عنه، وترى قصورها عنه جريمة، وأداءها له سبيل نجاة ممّا يعنيه ثقل الأمانة، عندما يرتقي إلى مستوى الإحساس بالمسؤولية عن شاة تعثر على شاطئ دجلة، فآنذاك تجد الزعامة الجديرة بالتقدير في تقويم أخطائها هدية، وفي تذكيرها بالواجب ما يستدعي حمد الله أنّ في الأمّة وعيا وبصيرة، وجرأة على قول الحق فلا تُخشى فيه لومة لائم.

 

(٦) القيادة مسؤولية وليست "منّة"

إنّ الأمة تحيا بكثرة زعمائها لا بندرتهم، ما دام كلّ منهم ينظر إلى المنصب على أنّه مسؤولية وأمانة، فلا يتكالبون على مناصب ولا يتنازعون على سلطة، وإن خادعوا أنفسهم وسواهم بالقول إنهم يتسابقون على "حمل الأمانة".. فالله أعلم بما في القلوب، ولا يعني ذلك أبدا القبول بالتهرب من المسؤولية وحمل الأمانة.

ليس "حملها" هو العنصر الحاسم، بل هو "حملها عن جدارة واستحقاق وكفاءة.. ورضى من يتصدون لقيادتهم"، فآنذاك يكون الجميع أحرص ما يكونون على رفد قائدهم بما لديهم من طاقات، ويكن هو حريصا على كثرة الآراء والاجتهادات للوصول من بينها إلى الرأي الصائب، وإلى توظيف الطاقات التي يحمل المسؤولية عنها (بما في ذلك الأنفس‎.. والأموال.. والأوقات.. وأشكال معاناة) توظيفا قويما في خدمة الواجب.

آنذاك لا يحجر على رأي يخالفه، ولا يوظف القضاء للتخلّص من خصومه، ولا يطرد من العلماء من ينصحه ويقومه بل يطرد من قد يأتيه "متسولا" على أعتابه، ثمّ لا يرى مثل ذلك القائد في امتناعه عن تلك الموبقات وأمثالها "منّة" على سواه، فهيهات تكبر زعامة من الزعامات إذا رأت في كل حقّ تعطيه لأصحاب الحقوق عطاء منها وكأنها تملك الحقوق وأصحابها، والملك كل الملك لله وحده، وهيهات أن تكبر إذا رأت في كل واجب تؤدّيه صدقة منها على الناس وعلى التاريخ، كما لو أنّ وجودها في موقع صناعة القرار وتنفيذه قد كان لغرض آخر سوى أداء ذلك الواجب.

 

(٧) زعامة.. بقدر الرضاء عنها

ليست الزعامة الحقّة صفة مكتسبة تصنعها دورة من الدورات التعليمية والتأهيلية، وإن ساعدت على ذلك، وليست بالوصول إليها عبر انتزاعها انتزاعا اعتمادا على القوة وعبر السيطرة على مناصب.. ذاك ما يصنع التسلّط، أمّا الزعامة فتولد ولادة طبيعية، في محاضن الإيمان والاستقامة، والعلم والعمل، والعبادة والجهاد، والصبر والمصابرة، واليقين الدائم بأنّ فوق كل ذي علم عليما، وفوق كل ذي جبروت جبّارا، وفوق كل صاحب قرار في الأرض ربّا قهّارا، الأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه.

وذاك الصنف من الزعماء هو الذي يمكن أن يغيّر ما نحن فيه، فيسمو به إلى القمة التي أرادها الإسلام لهذه الأمة، ويستعيد الكرامة التي تنتظر أهلها ورجالها وزعماءها، ما بين جنوب الفيليبين والقدس، وبين الشاشان والجولان، ولن يكون لها أهلاً إلا جيل من الكرام الأحرار بزعامة كرام أحرار، وهؤلاء هم القادرون أيضا على صنع المنجزات في عالم التحرر والتغيير، وعوالم العلم والتقنية، والتطوير والتنمية، وفي ميادين الفقر والمرض والأمية والتخلّف، بالعودة من جديد إلى معادلة أداء الواجب أولا، فهو الطريق الأقصر والأضمن لاستعادة الحقوق، وهو الطريق الواجب والممكن لصناعة الإنسان، المؤمن العالم، الواعي العامل، المجاهد المصابر، الخبير المنتج، فلا ينزلق إلى طريق الفساد.. لأنّه يخشى الله والحساب، سواء كان زعيما أم لم يكن، وكان في منصب رفيع أم لم يكن، وسواء ظنّ أنه آمنٌ من الحساب في الحياة الدنيا أم لم يظنّ، فنصب عينيه على الدوام الرهبة الوازعة المانعة التي تصنعها المشاهد القرآنية من يوم الحساب الأعظم بين يدي الديّان.. هذا دون الغفلة عن أهمية وجود مثل ذلك الزعيم وسط قوم على استعداد لمواجهته إذا انحرف، ومحاسبته إذا أخطأ، وتبديله إذا عجز أو ظلم.

أولئك الزعماء في المناصب وخارج المناصب.. هم الذين يسيرون على نهج الصحابة أيام المقاطعة القرشية في شعاب مكة، ليكون منهم الفاتحون لأرض كسرى وقيصر الحاملون لرايات الهداية حتى سواحل بحر الظلمات وبحر الخزر، ويسيرون على نهج بلال وهو ينادي في المحنة أحد أحد، لتصبح بعد بضع سنوات شعار النصر في موقعة بدر الكبرى، وعلى نهج عمر يرقّ قلبه لأيات من سورة طه فيصبح بالإيمان الفاروق العادل.

وإنّ في الأمة الإسلامية الآن، في هذا العصر، ومن وراء كل ما يبدو مثيرا لإحباط وقنوط، ألف سبب وسبب موضوعي للاستبشار بتحقيق وعد الله، بالتمكين لدينه في الأرض، ففي كل مكان، بذور خير، كالحبّة التي تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، ولا بد أن ينجلي ضباب الضجيج والصخب عاجلا أو آجلا، وأن يظهر ما صنع ويصنع الإسلام لأمته وللبشرية جمعاء، فأمّا الزبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، والعاقبة للمتقين.

نبيل شبيب