رؤية – أهمية "استراتيجية" التغيير الثورية

الآن.. يحمل المخططون والمفكرون والسياسيون والمنظرون مسؤولية كبرى بجميع المعايير، أن يقدموا ما لديهم من أجل استراتيجية ثورة التغيير الشعبية في سورية

38

من المستجدات ساعة كتابة هذه السطور (٢٠/٣ /٢٠١٥م):

اللمسات الأخيرة للاتفاق النووي، الظهور الاستعراضي للوجود الإيراني في العراق، الانسحاب من قاعدة جوية أمريكية في اليمن تزامنا مع شحنات أسلحة إيرانية وحشد حوثي هجومي جديد. علاوة على مسلسل أحداث ليبيا وتونس، واستخدام الحملة ضد داعش للتمويه على الحملة الأكبر الجارية عبر أعاصير تحركات مضادة للثورات العربية.

. . .

ليس مهما كيف نصف إعادة رسم "خارطة الهيمنة" في المنطقة، بل المهم أننا أمام معطيات "استراتيجية" بعيدة المدى في التعامل مع مسار الثورات الشعبية العربية تحديدا.. انتهى وقت "التكهن والتحليل".. وانتشر الحديث عن معالم هذا الواقع الجديد دوليا وإقليميا على أوسع نطاق، وأصبح ضروريا في ‎مسار الثورة، عدم الاكتفاء بالحديث عن معطيات جديدة، واتخاذ خطوات عملية بشأن ما ينبغي التصرف به على أرض الواقع، وبتعبير آخر:

يحتاج مسار الثورة في سورية إلى "استراتيجية جديدة" تتضمن أبعادا متكاملة تجمع بين العنصر "الوطني" و"الإقليمي" و" الدولي"، فشعب سورية الثائر يواجه القوى المضادة على هذه الأصعدة الثلاثة في وقت واحد، وثورته ثورة تغيير مفصلي تاريخي وليست لإسقاط نظام مهترئ فحسب.

. . .

ليس ما سبق ذكره "اكتشافا جديدا" فمن المعلوم أن إسقاط أي "نظام حكم" محلي، يعني أيضا إسقاط "الوظيفة" التي يؤديها إقليميا ودوليا وخلخلة شبكة العلاقات المنبثقة عن هذه "الوظيفة" في إطار معادلات التبعية والهيمنة وتحالفات القوى ذات العلاقة بها.. ومن المعلوم أن هذا يستثير أعاصير عدوانية مضادة.

لكن الثورة في سورية -كسواها من الثورات الشعبية العربية- لم تكن عملية تغيير "سلطوية" كالانقلابات والمؤامرات.. فمن طبيعة عمقها الشعبي ولادتها الشعبية العفوية، أي دون "مخططات" مسبقة و"استراتيجيات" مدروسة و"قيادات" مركزية..

جميع ذلك مفهوم في مطلع انطلاق الثورة، وربما لفترة من الزمن من بعد، ولكن لم يعد مفهوما ولا مقبولا في الوقت الحاضر.

الآن.. يحمل المخططون والمفكرون والسياسيون والمنظرون مسؤولية كبرى، بجميع المعايير الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، أن يقدموا ما لديهم، مما لا يستطيع سواهم تقديمه..

الآن.. يستطيعون إثبات وجودهم وقيمة تخصصاتهم وانتماءهم لشعوبهم وحرصهم على انتصار ثوراتها، بالخروج من "روتين" الشكاوى المتكررة من غياب "التخطيط الاستراتيجي" عند اندلاع الثورة، فما كان ذلك ممكنا في حينه.. ولكن أصبح اليوم ضرورة مصيرية في مسار الثورة الشعبية في سورية وأخواتها.

الآن.. إن تواصلوا فيما بينهم، واجتهدوا في التوافق على رؤاهم، ووصلوا إلى حصيلة تستجيب لما تفرضه المستجدات والمعطيات الحالية، وقدموه بالصيغة المناسبة والأسلوب المناسب للثوار، فلن يجدوا رفضا أو معارضة من المخلصين الصادقين في ميادين المواجهة المباشرة، وهم يقدمون أقصى ما يستطيعون للحفاظ على شعلة الثورة.

. . .

من فضل القول التأكيد أن "استراتيجية ثورة التغيير" المطلوبة ليست من قبيل "دراسة أكاديمية تقليدية"، مما يوضع للدول والشركات والمنظمات في نطاق أوضاع مستقرة، فنحن في خضم صراع يفرض تحديد شروط مسبقة لتؤدي "استراتيجية ثورة التغيير" مفعولها، ومن ذلك بإيجاز شديد:

١- هي "استراتيجية علنية".. تضع في حساباتها اطلاع العدو والصديق وردود الأفعال.

٢- هي "استراتيجية مرنة".. بمضمونها، مع وجود فريق يتابع المتغيرات ويضع التعديلات.

٣- هي "استراتيجية هادفة".. لا تعتمد أساليب النشر المعتادة، بل شبكة تواصل من ذوي التأثير ميدانيا.

٤- هي "استراتيجية مبسطة".. يفهمها المتخصصون، وكذلك كل صاحب علاقة بتنفيذها.

٥- هي "استراتيجية شعبية" وليست "فوقية" أو "إملائية".. وهذا ما يستدعي عمق التواصل أثناء وضعها.

٦- هي "استراتيجية شاملة".. تشمل قواعد وضوابط للتعامل مع المخططات المرحلية والأهداف البعيدة المدى.

٧- هي "استراتيجية منفتحة".. تركز على العدو الأساسي، وتراعي هدف "التحييد" وكسب التأييد.

وما يسري على ثورة سورية يسري على أخواتها، وإن كانت محورية، وقد باتت لافتة لعدد كبير من مراكز الدراسات علاوة على التنظيمات السياسية، فإن تواصلت وتلاقت على أداء هذه المهمة، تحقق مكاسب لنفسها.. إلى جانب المكسب الأعظم لصالح الثورة والشعب والوطن والإنسان في عالمنا وعصرنا.

نبيل شبيب