رأي – هنا سورية الثورة.. وهنا قرار مستقبل الثورة
صناعة مستقبل الثورة والوطن والشعب رهن ما يصنعه "السوريون" سلبا أو إيجابا، تعاونا أو تمزقا، إبداعا أو إحباطا
تبدلت معالم المشهد الآني لمسار الثورة في سورية مرات عديدة خلال السنوات الماضية، ولا يزال يتبدل، وعلينا -بدلا من الاستغراق في التفاؤل أو التشاؤم- أن نحدد موضوعيا عناصره الثلاثة الحاسمة:
١- بغض النظر عن الوجه العدواني الصريح ضد ثورة شعب سورية، إذا كان للتصعيد العسكري الروسي من دلالة حاسمة فهي اليقين دوليا باستحالة تمكن بقايا النظام الأسدي من الاستمرار في ارتكاب جرائمه طويلا، حتى وإن تراجع في هذه الأثناء عن الهدف الرئيسي، أي استعادة القدرة على الاستبداد في كامل سورية وتحول إلى خنق نفسه في شريط من أرضها الوطنية ما بين رأس البسيط وجبل قاسيون، وأصبح هذا العجز واضحا للعيان رغم الدعم الكبير من جانب روسيا وإيران والميليشيات المستوردة على امتداد السنوات الماضية، أما دعمه فلأغراض "احتلال ونفوذ" ذاتية وليس لإنقاذ بقاياه وتمكينهم من السيطرة الشاملة مجددا.
يعني ذلك إدراك جميع الأطراف أن نهاية العهد الأسدي أصبحت محتمة، عاجلا أو آجلا، بحل عسكري أو حل سياسي، ويخشون من أن ذلك يعني تحقيق أهداف الثورة.. ونضيف مبدئيا: كليا أو جزئيا.
٢- بغض النظر عن عنصر الخداع الدائم والحالي في المناورات السياسية الأمريكية، فإن أي قرار أمريكي للتعامل مع التحرك الروسي الجديد، لن يكون هو العامل الحاسم في مستقبل مسار الثورة في سورية، باتجاه النصر أو لتوسيع نطاق الصراع الدائر على أرض الوطن وإطالته سنين عديدة، وبتعبير آخر تطبيق معادلة الهيمنة والتبعية أو معادلة الفوضى الخلاقة الهدامة.
يعني ذلك أن المرحلة القريبة المقبلة لن تشهد "مخرجا" على الطريقة الأمريكية، التي عرفنا عناوينها برموزها، ابتداء بكارزاي والمالكي، انتهاء بالسيسي وحفتر.
٣- بغض النظر عن مسلسل الأخطاء الذاتية، المبررة وغير المبررة، من جانب الفصائل الثورية الميدانية والأطراف "السياسية" السورية، فلا ريب أن "السوريين" لم يكونوا فقط يدفعون الثمن تضحيات ومعاناة وتشريدا منذ بداية الثورة، بل كانوا أيضا هم "العنصر الحاسم" في الحيلولة دون القوى الدولية والإقليمية وفرض وجهة نهائية لمسار الحدث الثوري التغييري، بل اضطرت هذه القوى دوما إلى التعامل مع ما يصنع السوريون على الأرض، وإن لم تصل نتائج ذلك حتى الآن إلى مستوى يسمح بالتنبؤ بموعد تحقيق أهداف الثورة في المستقبل المنظور.
يعني ذلك أن صناعة مستقبل الثورة والوطن والشعب لا تزال رهنَ ما يصنعه " السوريون" سلبا أو إيجابا، تعاونا أو تمزقا، إبداعا أو إحباطا.
. . .
الثابت ميدانيا على أي حال، أن معظم قيادات الفصائل الثورية كانت تعلم بوجود ثغرات في سياساتها وممارساتها، كما أن كثيرا من الإنجازات يشهد على ما يمكن صنعه على الأرض في "ساحة المعركة" نفسها، ومن خلال ذلك في الساحات الأخرى.
يعني ذلك أن "الثورات السورية" المتعددة ستشكل ميدانيا "الثورة السورية" الواحدة، واستمرار ذلك يساهم في إزالة الأخطار الناجمة عن انحرافات جنونية أو اختراقات استخباراتية، مما تجلى في الدرجة الأولى فيما صنعته داعش على حساب الثورة حتى الآن.
والثابت سياسيا أن مواقف من يتحدثون "سياسيا" باسم الفصائل الميدانية، لم تعد مواقف تخلط بين أهداف فورية ميدانية والأهداف البعيدة، مما كان يعرقل تحقيق القريب منها نتيجة التطلع إلى البعيد المستحيل وغير المطلوب تحقيقه الآن، أو بتعبير آخر، بدأ يظهر للعيان مفعول بذور وليدة لرؤية "استراتيجية" بعيدة المدى تتكامل مع "رؤى مرحلية" ضرورية في الوقت الحاضر، وهو ما انعكس في سلسلة من الاتصالات مع "السياسيين" العاملين باسم الائتلاف وسواه، وانعكس في ظهور سلسلة من المواقف السياسية الفصائلية بصياغة أقرب إلى ما تحتاج إليه لغة السياسة "جناحا" للميدان، بغض النظر عن وجود أخطاء حسب تقدير بعض من يتابعون التطورات، من داخل الحدث أو خارج نطاقه.. والمفروض أن نعلم جميعا أنه لا يمكن القفز إلى "الذروة المثالية" دفعة واحدة.
يعني ذلك أنه بقدر ما تتسارع الخطى تنسيقا وتعاونا، وتخصصا وتكاملا، ميدانيا وسياسيا، بقدر ما تجد التحركات العدوانية الإيرانية والروسية، والمناورات الأمريكية.. من يتصدى لها في وقت واحد، ومن يقول بلسانه السياسي وواقعه الميداني: هنا الثورة.. وهنا أهدافها.. وهنا شعبها.. وهنا قادتها، ولن ترجعوا بسورية إلى عهد الأخطبوط الاستبدادي الفاسد، بوجهيه الداخلي والدولي معا.
نبيل شبيب