ذاكرة – مع عصام العطار الاستقلال والتميز

العمل الإيجابي – كالتواصل والانفتاح – في صميم نهجه الإسلامي الحركي “المستقل المتميز”

90
عصام العطار بون

ــــــــــ

لم أخبر أستاذي الجليل بهذه الحلقات في صيغة تشبه “اليوميات” عن معايشته، ولم أسمع منه بعد ما يشير إلى معرفته بذلك، وأضيف احتياطا: لئن طلب مني فلن أنتهي عن المتابعة إن شاء الله.
ولكن أكاد أسمعه يقول كما قال لي مؤخرا بشأن بعض ما كتبت عنه في ثنايا الحديث عن زوجه الشهيدة أم أيمن رحمها الله: “يا أخ نبيل أنت تراني بعين المحب”.. وتلك طريقته المعتادة في النقد، يعني أنني “أبالغ” وأقول: بل هو التواضع الذي عرفته فيه، يدفعه إلى هذا القول.
لا أنفي “عين المحب” ولكن أنفي “المبالغة” وأؤكد ذلك هنا توطئة للسطور التالية.

طالما ذكرت أن المعنى الذي جسده عصام العطار وعبر عنه بقوله مرارا “لا يوجد أصغر من أن يتعلم ولا أكبر من أن يعلم”‎ كان في مقدمة ما جعلني ألازمه أستاذا جليلا خلال عشرات الأعوام الماضية.
والأمر الثاني هو منهجه الحركي الإسلامي، الذي يعبر عن أسسه بأربع كلمات، جسدتها سيرته الحركية:

الإسلام هو الأصل والحركات كلها وسائل..
الأخوة في الإسلام وليست في التنظيم..
نحن جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين..
التعاون من أوجب الواجبات..

كنت أحسب لفترة من الزمن أنه وضع صياغة هذه الأسس عندما نشرها في مجلة الرائد مطلع السبعينات من القرن الميلادي الماضي، وسمعت منه مؤخرا أنها كانت منذ عام ١٩٥٥م، بعد أن اختير أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي، التي ضمّت حينذاك كبار علماء الشريعة في سورية، وجميع المؤسسات والجمعيات الإسلامية، والقادة الإسلاميين البارزين في الميدان السياسي والاجتماعي والثقافي.. وكان آنذاك في مطلع شبابه فأدركت بعض خلفيات هذه المكانة، التي جعلته أيضا الزعيم الشعبي والسياسي المتميز عن سواه لفترة طويلة في سورية وبما يتجاوز حدودها.
عزّز ذلك لدي ما علمته أيضا عن بعض الأطروحات الأخرى التي كنت أحسب حين نشرها أنها كتبت لتوها، نظرا إلى حاجتنا إليها حاجة ماسة – أي حين واكبتُ نشرها بين السبعينات والثمانينات الميلادية – وأجد أننا اليوم أيضا في أمس الحاجة إليها، فهي مما يتجاوز بمعانيه عنصر الزمن والأحداث الآنية.
من ذلك أيضا على سبيل المثال دون الحصر مقالته “يجب أن يبدأ في أنفسنا التحول”.. وكانت من أواخر أربعينات القرن الميلادي العشرين، وقوله: في أنفسنا، أي فيمن يتبنّى منهج الإسلام ويدعو إليه، فذاك شرط من شروط تحقيق الأهداف الجليلة التي نتحدث عنها ونتطلع إليها، فلا ينبغي أن نتحدث عن العلل والأمراض والقصور في حياة المسلمين.. وكأننا لسنا قطعة منهم، وفينا كثير مما نراه فيهم، ومن لا يصنع التغيير في واقعه ورؤاه وسلوكه ووسائله، لا يمكن أن يصنعه في سواه أو عبر سواه.
يسري شبيه ذلك على الشعار الحركي الذي رفعه عصام العطار وكتب عنه مرارا: “طريق الإسلام المستقل المتميز” ولا أفهمه كما تردد بأسلوب الشائعات حوله أنه “التميز بالأفضلية على عاملين آخرين للإسلام”، بل أفهمه – انطلاقا من معايشة عصام العطار – بمعنى الطريق الذي يتميز فيستطيع المرء أن يراه واضحا جليا، فلا يخلط بينه وبين سواه، ليكون المرء على بينة وهو يسلكه، وليتجاوز به العقبات مهما كبرت، وأفهمه طريقا مستقلا عن القوى التي تعادي الإسلام أو تستغل الإسلام.
وذاك – لعمري – في مقدمة ما نحتاج إلى استيعابه وتطبيقه هذه الأيام، أيام ثورات ما سمّي الربيع العربي، وهو ما نجده مطلوبا على وجه التخصيص في سورية الثورة اليوم، مثلما كان مطلوبا منذ سلكه أستاذي الجليل في سورية في مطالع عمله الحركي.
وأعلم من أحاديث خاصة معه عن تلك المرحلة الأولى قبل خروجه للحج وإغلاق أبواب العودة في وجهه، ثم خلال فترة ترحاله (والواقع: ترحيله) من بلد عربي لآخر، قبل (ترحيله أيضا) ليستقر في أوروبا.. أعلم أن تلك “الاستقلالية” ‎بالذات، بمعنى رفض ربط منهج الإسلام عبر حركات العمل الإسلامي بهذه القوة الإقليمية أو الدولية أو تلك، كانت في جوهر خلافات نشبت بينه وبين من كان يرى رأيا آخر أو يسلك طريقا آخر، وذاك ما تجدّد مرارا في عقود تالية، وأكاد أقول: إلى يومنا هذا.
كانت من جانبه “خلافات”.. أما من مارس من المسؤولين السياسيين “سياسات الاحتواء” تلك فتعاملوا معها من منطلق الخصومة والعداء.

كان نهجه بمجموعه -وما يزال- يقوم على “العمل الإيجابي”.. ويفيد بعض التوضيح لذلك.
لا يدع ما نعبر عنه بأمانة المجالس مجالا في بعض الأحيان لقول المزيد مما سمعته منه، بصيغة أمثلة عملية توجب ذكر أسماء أو سرد حالات تصبح الأسماء عند سردها معروفة.
هو أستاذي الجليل ويوجب الحرص على موقعي هذا أن ألتزم بما يراه، وإن بدا لي التفصيل ضروريا أحيانا لبيان بعض ما أذكره عنه، كالاستقلالية والتميز منذ بداية طريقه الإسلامي، وقد بدأه وهو في السادسة عشرة من العمر.
أعلم أن هذا السلوك الثابت لديه هو السبب الحاسم في امتناعه عن كتابة ما يشبه المذكرات كما طلب كثيرون وألحّوا في الطلب، فاليوميات لا بد أن تشمل “الإيجابي والسلبي” وليس من نهجه الحديث المفصل عمّن كان بينه وبينهم خلاف في المنهج أو طرق العمل، أما ما استخلصه ويستخلصه من فوائد هي المغزى من “كتابة يوميات”‎ فذاك ما يجده من يريد في “كلماته” القصيرة بعدد حروفها، الغنية بنبضاتها، كما يجده في بعض مقالاته كتلك التي جمعها كتيب “في الحركة والدعوة”.
لقد كان محور نهجه على الدوام وما يزال يقوم على “العمل الإيجابي”، وله مقالة بهذا العنوان من بين تلك المقالات الجديرة بوصف “التاريخية”، فأنجع الطرق في النقد والتصحيح والتغيير عنده طريق العمل الإيجابي، بمعنى أن تصنع ما تعتقد حقا وصوابا؛ فظهور الحق هو ما يمحق الباطل، وظهور الصواب هو ما يبيّن أن الخطأ خطأ، أما الاكتفاء بالحديث عن الباطل أو الخطأ، فقد لا يضيف إلى واقعنا سوى مزيد من الخلاف والنزاع.
العمل الإيجابي على هذا النحو في صميم منهجه الإسلامي الحركي المستقل المتميز.

نبيل شبيب