دردشة – هنا يبدأ التغيير

آنذاك قد نبصر طريق العمل للتغيير قبل أن يفوت الأوان "علينا" لا سمح الله، أما عجلة التغيير فسوف يحركها آنذاك سوانا

41

قال وهو يعتصر الألم في نبرات صوته:

– أصبحنا في قاع منحدر ليس بعده قاع..

وحاولت أن أهدّئه بسؤال تقليدي:

– ماذا تقصد؟

أجاب بعبارات غاضبة يلحق بعضها بعضا:

– ألم نعايش معا كيف كنا نتحدث عن فلسطين ليل نهار، وأصبحنا نسمع هذه الأيام ما لم نكن نتصور أن يتجرّأ أحد على قوله، ثم نلتزم الصمت محبطين من هول ما يجري، ليس في فلسطين فقط، بل حولها أيضا، ما بين الفرات والنيل، بل ما بين "المحيط الهادر والخليج الثائر".. كما انتشرت الشعارات أيام عبد الناصر!

قلت:

– ألا ترى معي أن أخطر مراحل المنحدر بدأت عندما بدأنا نمزّق أنفسنا وقضايانا ونفصلها عن بعضها بعضا، ومن ذلك زعم من ادّعى أن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين ومشكلة "الممثل الشرعي الوحيد!" لهم، وأغفلنا أن جميع قضايانا وبلادنا وحدة واحدة، لا ينقطع تأثير كل منها على سواها وتأثرها بها..

قاطعني بقوله:

– كأنك تتحدث عن فرقة العرب والمسلمين، ولكن وصلنا الآن إلى فرقة أشد وأنكى داخل كل بلد على حدة، بل تمزّقنا وتمزّقت رؤانا وراياتنا -كما ترى في سورية- ما بين ثوار وثوار، فهل من منحدر أعمق وأخطر من ذلك؟

قلت:

– بل وصل التفرق والتمزّق إلى حالة الاقتتال المباشر، فكأننا خراف لا تعبأ بمن يتربص بها من الذئاب.

سكت هنيهة قبل أن يلتفت إليّ بكليّته ويقول:

– هذه حالنا فما أعجب أن أسمعك وأقرأ لك وأنت تزعم باستمرار أن "الثورات فتحت بوابة التغيير" ولن تغلق حتى يتحقق.

غلبتني المرارة وأنا أحاول الابتسام في وجهه:

– أخي.. هذه سنة تاريخية ثابتة، فكل حدث من حجم "ثورة" على مستوى ما عايشناه، فتح في الماضي، ويفتح الآن ومستقبلا باب تغيير كبير في حياة البشرية.. ولكن لا يتحقق التغيير على أيدي هذا الجيل إن بقينا متشبثين بالخلود إلى الأرض في قاع المنحدر، بل تتحقق على أيدي من ينطلق من سنة التغيير التاريخية اعتقادا وتفكيرا وتخطيطا وعملا متواصلا متطورا باستمرار، أما نحن فما نزال حتى الآن "نتكلّم".. ونهوي في المنحدر إلى قاع أعمق وأعمق باستمرار.

وكأنما دفعه حب الاستطلاع إلى السؤال:

– متى يبدأ الصعود إذن؟

– هذا ما نحتاج أن نتكامل في رؤيته معا، فبين أيدينا ألف مدخل ومدخل لنغيّر اتجاه مسيرنا نحو النهوض والتغيير، واسمح لي بذكر مثال واحد:

لنبدأ بتخفيض نسبة "نقد الآخر" بأساليب تدمّر علاقاتنا ببعضنا، وذريعة غالبنا: "احتكار الحق والصواب"، ولنبدأ مقابل ذلك برفع نسبة نقدنا الذاتي الصادق، أفرادا ومجموعات، على أن يفضي ذلك إلى تعديل فعليّ لما نفكر به وما نصنع.. عسى نبصر طريق العمل للتغيير قبل أن يفوت الأوان "علينا" لا سمح الله، أما عجلة التغيير فسيستلم سوانا آنذاك رايتها ودفّتها والمسؤولية عنها.

نبيل شبيب