خواطر – ما زلنا على الطريق.. فكل عام وأنتم بخير
كل عام وأنتم بخير.. فنحن ما نزال ماضين على الطريق، طريق التحرر، طريق خيري الدنيا والآخرة
ماذا يعني عيد الأضحى لنا في قلب الثورة الشعبية في سورية وما تواجهه؟..
الإسلام لا يربط بين “العمل الواجب” و”المناسبات العابرة” قط، إلا من حيث “تسخيرها” لمضاعفة العمل والتزود بالتقوى، ولولا ذلك لأصبحت العبادات موسمية، ولتعطل الإنجاز بين حين وآخر، ولأخطأنا بتأويل أمر الله عز وجل: {وقل اعملوا..} هكذا على الإطلاق دون تقييد بحال أو مكان أو زمان.
لم يمنع حلول شهر رمضان من “الغزوات”، ولم يمنع وقوع مصيبة دنيوية كوفاة إبراهيم أباه صلى الله عليه وسلم من وضوح الرؤية بشأن كسوف الشمس، أو تمنع وفاة خديجة وأبي طالب في عام الحزن من الاستمرار على ما كان عليه المسلمون في حصار الشعب حتى تهيّأ المخرج، كما لم تمنع العقبات الضخمة بالمقاييس الدنيوية، مثل غزوة الأحزاب من العمل دفاعا عن الحق، جنبا إلى جنب مع الرؤية المستقبلية، فكان أثناء حفر الخندق الاستشراف النبوي لفتح الروم وفارس وتبشير الصحابة رضوان الله عليهم.
إن عيد الأضحى الذي حل هذا العام وقد بلغ مسار ثورة شعب سورية ما بلغ موضوعيا وزمنيا، لا يبدل ولا يغير شيئا من ضرورة الاستمرار على ما يصلح للمسلمين في التعامل مع “المناسبات” باحتفالهم واحتفال أطفالهم بالعيد ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.. وكذلك لا يغير شيئا من ضرورة الاستمرار على العمل والبذل والعطاء كي يتحقق التغيير المنشود، وتكون أحوال المسلمين ومن معهم في أعوام قادمة خيرا منها في هذا العام.
. . .
لا ريب أن الآلام اليومية كبيرة، فمن أهل بلادنا من فقد وطنه مشردا، ومن فقد أحباءه عدوانا آثما، ومن فقد القدرة على استيعاب ما يجري من وطأة ما يحاك حولنا ويراد ببلادنا وشعوبنا ظلما وعدوانا.
ولكن.. صحيح أن العيد يحل على الغوطة الشرقية وأخواتها-وهذه كلمات تنشر في قلب الغوطة الشرقية أولا- وهي مستهدفة يوميا بمزيد من إجرام الأسديين وأعوانهم، إنما لا ريب أن ما تحقق من انتصارات خلال الأيام الماضية قبل العيد يؤكد أن مسار الثورة ما زال ماضيا حتي يتحقق التغيير الجذري المنشود بإذن الله.
صحيح أننا نستقبل مع العيد مزيدا من الجهود الدولية المعادية لحصار الثورة وأهلها وشعبها مما يرمز إليه تلاقي موسكو وواشنطون وطهران في غياب من يواجه تلك القوى بما تستحق على المستوى الدولي والإقليمي، ولكن لا يخفى علينا أنهم عجزوا عن تحقيق أغراضهم فرادى ومجتمعين خلال السنوات الماضية، وأن الساحة الثورية السورية تشهد هذه الأيام بالمقابل تلاقيا ثوريا كنا نتمناه ونرجوه وندعو إليه على المستويات الميدانية والسياسية ونحث العلماء على القيام بدورهم لهذا الغرض، وجميع هؤلاء هذه الأيام أقرب إلى تحقيق الهدف المرجو،وهو ما كنا نشكو من عدم تحقيقه من قبل.
. . .
إن التعامل بقدر ما نستطيع، مع الأطفال والناشئة، وفق ما يوجبه العيد، يذكرنا هذه الأيام بأنه كان يوجد من الصحابة من نشأ أولادهم النشأة الأولى في ظروف مكة والمدينة أثناء المخاض الذي أسفر عن ولادة الدولة الإسلامية الممتدة بعد حين من الزمن في جميع أنحاء الأرض.. فكيف كان التعامل مع “جيل الأطفال والناشئة” آنذاك، ممن نقول اليوم “رضي الله عنهم” كلما ذكروا مثل علي بن أبي طالب والحسنين، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس وأسامة بن زيد وعبد الله بن الزبير وغيرهم؟
وإن التعامل مع فارس والروم، وكفار قريش والمنافقين واليهود في المدينة المنورة، لم يتبدل ولم يتغير، ما بين بدر وأحد، أو الخندق وفتح مكة، وإن التعامل مع من هم اليوم في مقام أولئك بالأمس، لا يتبدل ولا يتغير، ما بين ما تشهده دوما أو أطراف دمشق، وما تشهده الزبداني أو الفوعة، وكذلك ما يشهده عالم السياسات الدولية المعاصر من تراشق الاتهامات أو التفاهم، ومن التصريح بالعداء أو ممارسة الخداع، فما كان انطلاق هذه الثورة الشعبية التاريخية ممكنا لولا أن حرّكته روح التحدي الشعبي طلبا للحريات والكرامات والحقوق والعدالة.. وما زال العالم من حولنا كما كان، وما زال التحدي قائما كما كان، ولهذا نؤكد مجددا:
كل عام وأنتم بخير.. فنحن ما نزال ماضين على الطريق، طريق التحرر، وهذا ما يحقق الخير في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.
نبيل شبيب