خواطر – علماؤنا وتكريم العلماء

علام لا نكرّم علماءنا في حياتهم حقّ التكريم

متى نكرم أنفسنا بتكريم علمائنا تكريما فعليا، بما هم جديرون به في حياتهم وبعد مماتهم

116
تنشر هذه الكلمات هنا باختصار بعد وفاة القرضاوي رحمه الله بعد نشرها في مداد القلم عام ١٩٩٩م
٤:٣٥ دقيقة
التسجيل الصوتي للموضوع

النص الكامل للموضوع

كلّما رحل عن هذه الحياة الدنيا عالم كبير من أساتذة الجيل، انكبّت أقلام وألسنة مشكورة على ذكر مناقبه ومآثره، والإشادة بجهده وفضله، وتعداد ما كان له من أيـادٍ في العلم والفقه والاجتهاد والدعوة، وما عُرف عنه من ورع وإخلاص وتقوى، واقترن ذلك بالدعاء له بالجزاء الأوفى في الآخرة، وبالصبر والسلوان لمن خلّفهم في هذه الدار الفانية.

وغالبا ما يكون جميع ما يقال ويكتب، أقلّ ممّا كان عليه ذلك العالم، كما هو الحال مع يوسف القرضاوي (توفي رحمه الله قبيل إعادة نشر هذه الفقرات) ومن قبل علي الطنطاوي رحمه الله ومن قبلهم ومن بعدهم آخرون لهم مكانتهم العلمية والعملية.

أولئك العلماء الجهابذة قلّة في كلّ عصر، منهم من وجد في حياته مكانة أفسحت المجال للتأثير على المجتمع، ومنهم من تعرّض لابتلاء الإقصاء والإهمال والتجاهل. وفي الحالتين نتساءل بعد الرحيل: علام لا نكرّم علماءنا في حياتهم حقّ التكريم؟

ربما لم يطلع كثير منا أو غالبنا في حياته وإن امتدت عدة عقود بعد الشباب، اطلاع المطالعة السريعة فضلا عن الدراسة العميقة، على كمية من الكتب والمقالات، توازي بعض ما خلفه كل من أولئك العلماء على حدة من إنتاج غزير، كان عصارة فكر ثاقب، وجهد دائب، وإخلاص في القلوب الله أعلم به، وإخلاص ينعكس على الجوارح والسلوك فيشهد به من يشهد، وجدير بنا أن نتساءل على الأصح:

علام لا نكرّم أنفسنا، ونفيد أنفسنا، ونحسن إلى أنفسنا، من خلال اتباع سلوك آخر مع علمائنا، في حياتهم، أثناء عطائهم؟

إن أعظم ما يمكن أن نؤدي به حقّ عالم راحل، وأن يعطي عالما بيننا في هذه الحياة الدنيا الإحساسَ بتكريمه، هو أن ننقل حصيلة جده واجتهاده نقلة نوعية، من الكتب إلى واقع الحياة، ومن زاوية إذاعية وتليفزيونية أو تسجيلات صوتية ومرئية إلى صُلب صناعة الحدث، ومن أسلوب الحفل والجائزة إلى أسلوب تكريس مؤسسات علمية على خطى جهودهم، من مثل ما يسمونه “مصانع الفكر”.

قد يكون أقصى ما يحصل العلماء المعاصرون عليه في الدنيا هو أن يُسألوا في قضية وتنشر أجوبتهم على الملأ، ونعلم أن عالمنا المعاصر يضيف على ذلك تكريما من نوع آخر للمتخصصين في شتى العلوم، ونعلم أن أفضل الإنجازات تتحقق عن طريق مؤسسات متخصصة عاملة، إذا حققت التعاون فيما بينها وتجاوزت عوائق الحدود والنزاعات وغيرها من عوامل التفرقة على سبل متشعبة.. وتوجد أمثلة أخرى غير العمل المؤسساتي ليتحقق التكريم التغييري في حياة الأمم، فإذا حققنا شيئا من ذك قد لا يتكرر مع رحيل كل عالم جليل أن يغلب علينا الحياء، ونحن نردد: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده!

باب الأجر مفتوح للسالكين، وهو مطلوب مع الرثاء للراحلين والدعاء لهم ولمن يتابع طريقهم، مع استيعاب أن الوعد الرباني بإجابة الدعاء، مقترن باستجابة من يدعو لله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} صدق الله العظيم.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب