خاطرة – كابوس المعاناة وكوابيس التشهير والتيئيس

يكاد القصف الانتحاري المتواصل بالكلمات الخبيثة يتجاوز بمفعوله ما رصدناه من القصف بالبراميل المتفجرة من معاناة مأساوية

39

 

كان كثير منا أو كنا عموما نتابع الثورات فنرحب بالانتصارات ونهلل للإنجازات عبر العالم الافتراضي والثوار يصنعون الحدث في ميادين المواجهة..وكان بعضنا -للأسف- يحصر أسباب تقلبات المسار فيمن تصدّى لتمثيلها سياسيا بغض النظر عن الطرق التي اتبعوها.

وكان انشغال المخلصين الأكبر بمتابعة مسلسل المعاناة توهما بوجود "إنسانية" حقيقية وكافية لصناعة قرارات سياسية دولية وإقليمية.. ولم يحصل ذلك، بل أصبحت حصيلة جرائم من يرتكبون الفاحشة اعتقالا وتعذيبا وتقتيلا وتشريدا وحصارا وتجويعا حصيلة مضاعفة، فجانبها الثاني هو استهلاك قدرات المخلصين على العطاء.. ولا يلامون على ذلك.

أين نحن الآن؟..

لم ينقطع مسلسل كابوس المعاناة، إنما أضيفت إليه كوابيس التيئيس من أي تحرك.. أو كلمة.. أو شخص.. أو أي تحرك سياسي أو عمل ميداني أو طرح فكري..

إن أصحاب الحواسيب المتخصصين في التشنيع والتشهير والتخوين وتوزيع الأحكام ذات اليمين وذات اليسار تجاه البقية الباقية من وجوه سياسية أو ميدانية وحتى إغاثية وإدارية، هؤلاء في هذه المرحلة -سواء ارتبطوا مباشرة ببقايا النظام وأعوانه أم لم يرتبطوا- أشدّ خطرا على سورية وشعبها وعلى مستقبل المنطقة من بقايا النظام وبقايا داعش، ومَن وراءهم من أعوان إقليميين ودوليين.

 

يكاد القصف الانتحاري المتواصل بالكلمات الخبيثة يتجاوز بمفعوله دفعا للتسليم المطلق، ما رصدناه من نتائج القصف بالبراميل المتفجرة من معاناة مأساوية.. ونتساءل عن الدوافع والأسباب والغايات، ولا نجد جوابا، يسمح بترجيح "حسن النوايا!"

إذا كان مسار الثورة سينقطع.. وكابوس نصف قرن مضى سيتكرر، فهل في هذا القصف الانتحاري بالكلمات ما يخرج بنا من كابوس المعاناة الراهنة والمنتظرة؟

هل هذا هو الطريق لتبديل أي جانب من جوانب واقعنا الراهن إلى الأفضل، أو تخفيف وطأة المعاناة ولو قيد أنملة، أم أن المطلوب عمدا هو إضافة كوابيس التيئيس إلى كوابيس المعاناة؟

إذا كان الثوار في أقلام بعضكم تائهين وخونة، والساسة أغبياء وخونة، والعدو سفاحا مجرما -كما هو فعلا- فهل تعتقدون أن ما تصولون به وتجولون في العالم الافتراضي سيغير من ذلك شيئا، أم أن المقصود -في حالة حسن الظن ببعضكم- هو مجرد التنفيس عما في أنفسكم وتوزيع غضبكم ذات اليمين وذات الشمال دون حساب؟

 

هل صنع بعضنا بهذا الإنتاج الغزير من أقلامنا الآن أو فيما مضى ثورة أفضل من هذه الثورة؟

هل خففنا قدرا من المعاناة؟

هل لدينا رؤية من أجل مستقبل آخر غير الذي سيأتينا من خلال هذه الثورة؟

إذا كان الثوار لا يخططون.. خططوا لهم، أو لا يفقهون.. فكروا من أجلهم، أو لا يتوحدون.. بينوا لهم، أما الشتيمة من وراء الشاشات الصغيرة، والتنديد بعبارات استعلائية (بل بلغ ذلك مؤخرا إنتاج أناشيد مصوّرة) فعلاوة على أن جميع ذلك لا يغير شيئا من مسار الواقع الحالي في بلادنا جميعا وليس في سورية فحسب، فهو فوق ذلك يضيف مزيدا من المعاناة إلى قلوب المستضعفين حقا.. بل إنه -وهذا أقرب ما يستحق التخوين فعلا- يضاعف "الحيرة" في تساؤلات من يسأل صادقا: ماذا نعمل؟

 

نعم.. نحن نحلم بالنصر رغم إجرام المجرمين وغدر الخائنين ومكر المخادعين..

نحلم بالنصر ولو لأحفادنا رغم ألم المعاناة وتطاول أمد العمل للتغيير..

ولا ينبغي أن نقبل لأنفسنا وسوانا أن تضيفوا بوباء شتائمكم إلى آلام المعاناة التي تمزقنا، مزيدا من التيئيس الذي تمارسونه لشل قدرة البقية الباقية من المخلصين على التفكير والعمل.

ولهذا نقول ونردد ما بقي في وجودنا عرق ينبض:

يا أهلنا في قلب المعاناة.. لم يعد يوجد طريق "نحو الوراء" بعد أن فتحت الثورات بوابة التغيير.. فكل خطوة في اتجاه التسليم، أو "نصف تسليم" -لو كان يوجد نصف تسليم- تأتي بمعاناة أشد وأدوم، وتؤخر يوم الخلاص عشرات السنين.. وهذا مما تساهم به كوابيس التيئيس والتخوين والتشهير في كل اتجاه.

يا أهلنا في قلب المعاناة.. لقد كان من وسائل توجيه الضربات (المتفجرة) إلى ثورتكم من البداية إصابة كل عامل مخلص بسهم من سهام التخوين من داخل الصفوف وخارجها.. ولا ينبغي القبول بمتابعة ذلك في مرحلة التساؤل كيف نتجاوز الوضع الحاضر الذي صنعته الثورة باتجاه التغيير، ليمكن دحر التحرك المضاد للتغيير.  

نبيل شبيب