خاطرة – فات الأوان أيها السوريون

فات الأوان.. كلمة لا تنتسب إلى الثورة التغييرية التي أطلقها هذا الشعب من قلب القهر المتراكم عقودا وعقودا

55

 هل فات الأوان فعلا؟.. ما معنى هذه الكلمة؟.. متى يفوت الأوان؟..

فات الأوان.. إحساس تنشره ثرثرة من يعتبر الصمت موتا وإن وجب أحيانا، فكأنه يريد إثبات وجود رمق حياة بين جنبيه، إذ يخوض ثورته الذاتية يوميا، في خضم التخوين وبين أمواج الشتائم، ويبرر ما يصنع بوجوب الجهر بكلمة الحق وإظهاره، ويجد دوما من يردّ عليه بأسلوب مماثل ويبرر بأنه يريد الدفاع عن الحق وإظهاره.. ويرى السامعون والمتابعون، من خاصة السوريين وعامتهم، أن هؤلاء وهؤلاء، منفردين ومجتمعين، لا يداوون مرضا ولا يخففون وجعا ولا يحدّون من تفاقم معاناة ولا يغيرون إلى الأفضل شيئا في واقع الميادين العسكرية والسياسية على السواء.. ولكن يضاعفون أسباب انتشار "اليأس" من جميع من يمدحونهم أو يقدحون فيهم، و"اليأس" من مصانع الإحساس أن قد فات الأوان.

فات الأوان.. إحساس تنشره كلمات كثير من أعقل العاقلين في صفوفنا ونحن في معتقلنا الافتراضي، حتى عندما يطالبوننا أو يطالبون بعضهم بعضا بتجنب اليأس والقنوط والتسليم، فكأنما يقول هذا السلوك للقارئين والسامعين من أهلنا: الوضع يوجب اليأس، ولا يقبل التغيير، ولكن عليكم رغم ذلك أن تتجاهلوا الحقائق وتتفاءلوا.. أو أن تقنتوا وتدعوا فحسب، فكأننا نعزّز انتشار الإحساس بعدم جدوى المضي في درب السعي والعمل، إذ "فات الأوان".

فات الأوان.. إحساس تنشره أيضا أفعال كثير من أهلنا ممن تصدّوا للظهور في مواقع قيادة ثورة شعبنا، في ميادين المواجهات فصائل وكتائب وفيالق وجيوشا وجبهات وهيئات ومجالس عسكرية، وبعضهم يخوض المواجهات البينية أكثر من مواجهة "تحالفات الأعداء".. أو من تصدّوا لمواقع القيادة في ميادين المواجهات السياسية تحت جميع المسميات الممكنة لغويا من تجمع إلى مجلس إلى ائتلاف إلى هيئة إلى وفود، إذ تقول أفعالهم إننا لم نعد نملك شيئا بعد "تدويل القضية"، وأقصى ما نصنعه هو التشبث بدرب التفاوض مع أعدى الأعداء رغم إخلاف وعودهم مرارا وتكرارا ورغم استمرارهم في استهدافنا واستهداف أهلنا وبلادنا.. فلم تعد السياسة في سلوكنا "فن الممكن لصنع واقع ثوري تغييري" بل "فن الممكن لإنقاذ" بقية باقية من "نفايات استبدادا وهيمنة أجنبية" مما كنا "عايشين" فيه وثار شعبنا عليه، فأثبت استحالة فوات أوان سلوك درب التحرر.

. . .

فات الأوان.. كلمة لا تنتسب إلى الثورة التغييرية التي أطلقها هذا الشعب من قلب القهر المتراكم عقودا وعقودا.

. . .

فات الأوان.. كلمة تعني أن من يقولها أو يتصرف بمقتضاها عاجز هو عن تعامل ثوري تغييري مع الظروف الخانقة من حوله، وتأبى "نفسه بين جنبيه" الإقرار بعجزه هو، فيعمّم "فات الأوان" علينا جميعا، ليستمر متشبثا بتكرار "ثرثرته" أو بأسلوب عمله الذي عجز عن الوصول إلى شيء من خلاله.

. . .

فات الأوان.. كلمة تضليل مرفوضة عندما ينشر الإحساس بها مباشرة أو غير مباشرة، من يعلم علم اليقين أن المطلوب ميدانيا وسياسيا، عقديا ومنطقيا، تنظيرا وواقعيا، بل المطلوب أيضا للضغط المعاكس على من يضغط عليه من ممولين وأصدقاء إقليميين وقوى معادية.. المطلوب هو الاتفاق عبر التواصل "التنازل" والتفاوض والتفاهم على "طريق وسطية مشتركة" بين أطراف الثورة ومن يتصدون لقيادتها، ولكنه مصرّ إصرارا استكباريا على عدم الاجتماع الحقيقي مع "أخيه" إلا على درب "التفاوض مع عدوهما" على "حلول وسطية" لا يمكن أن تحقق انتصار ثورة تغييرية انتصارا فوريا ولا مرحليا على المدى البعيد.

. . .

فات الأوان.. كلمة تبرير مرفوضة عندما يصدر التصرف بمقتضاها عن أهل العلم والتخصص والمكانة والإمكانات، عندما يشتغلون فينفقون الوقت والجهد والمال في كل ميدان بحثي ودراسي وإعلامي ومعرفي، إلا ميدان التلاقي "القيادي المعرفي الواعي الموجّه" من وراء الاتجاهات والانتماءات والارتباطات والرايات، فيتواضعون على صياغة رؤية محكمة مشتركة، ووضع "خارطة طريق" مفصلة ذاتية، وإبداع مخططات تنفيذية مرنة وعملية.. بدلا من الاكتفاء بإنجازات متفرقة متباعدة، جانبية وثانوية، وهم يعلمون أن ما أنشؤوه من مراكز بحوث وعقدوه من مؤتمرات، لا يكاد يوازي وإن اجتمع تحت سقف واحد حجم مركز واحد على مستوى دولي فاعل، ولكن آثروا التفرق في مسيرات عرجاء "وراء" الثورة وشعبها زمنيا وجغرافيا وأحداثا على الاندماج في بعضهم بعضا وفي واقع مسار الثورة واحتياجاتها وعلى رأسها: تكامل الفكر والتعبير عنه، وهو صنعتهم وهو رأسمالهم ومبرر وجودهم في الأصل.

. . .

كلا.. ما فات الأوان على التحرك في الاتجاه الصحيح، ولكن سيفوت على من لا يتحرك في الاتجاه الصحيح بدلا من سلوك الطرق التبريرية، وهذا "في وسع" العبد فقد منحه الخالق من الإمكانات الذاتية ما يكفي ليتحرك بموجبها وأداء المسؤولية وحمل الأمانة، في مختلف الظروف، والله جل وعلا لا يكلف نفسها إلا وسعها، فلا يفوت الأوان ما دام في الجسد رمق حياة، ولكن يفوت الأوان من بعد ذلك ويحلّ يوم الحساب.

نبيل شبيب