خاطرة – إنجازات يتيمة.. ودعوة

هل وصلنا إلى مرحلة اعتبار ثورة سورية الشعبية يتيمة على مستوى أهل الدار أنفسهم؟

42

 

كان من شهداء دوما يوم الأحد ٤/ ٢/ ٢٠١٨م طفل باسم "إسماعيل الدرة"، ويبدو أنه استشهد مع أحد أفراد عائلته "يحيى الدرة"، نسأل الله الرحمة وجنان الخلد لهما، ولسائر الشهداء في أرض الشام وكل أرض.

ويذكّر الاسم بالشهيد الطفل محمد الدرة يوم ٣٠/ ٩/ ٢٠٠٠م، الذي قتله الرصاص الإسرائيلي وهو بين يدي أبيه، في اليوم الثاني لاندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية.

. . .

قبل ذكر المقصود بهذه المقارنة المؤلمة، نقف وقفة قصيرة عندما يجري هذه الأيام -بل منذ شهور- في الغوطة الشرقية، البوابة الكبرى لدمشق، وهو جدير بالمتابعة على كل صعيد، ميداني وسياسي وفكري وإعلامي وإنساني، إنما لا نكاد نجد له ذكرا إلا من زاوية "حديث الضحايا عن آلامهم"، أو "شكوى البعيدين من أخطاء أهل الميدان"، ولا نجد بالمقابل تركيزا يستحق الذكر، بأسلوب خبري إعلامي أو فكري بحثي، أو وجداني أدبي، على درجة مذهلة من الصمود أمام آلة الموت العسكرية، جوا وبرا، لا يحفى على أحد أنها فاجرة القيادة، همجية التنفيذ.. بل لا نكاد نجد ذكرا "إعلاميا" لما تشهده بوابة دمشق من عمليات المقاومة النوعية المذهلة، ردا على عدوان مكثف، ومبادرة في تحرك مفاجئ، وسدا لثغرة كادت تصنعها النيران والسموم.

 

إن الإنجازات التي يصنعها الثوار من أهل الغوطة وأحياء دمشقية كجوبر، إنجازات مذهلة، متواصلة يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر، منذ توهّم الغزاة الأسديون وأعوانهم أن الغوطة الشرقية قد انفرد بها الميدان، وأن بعض الانقسامات المحلية يمكن أن تسبب سقوط الجميع معا، وأن الحاضنة الشعبية لم تعد قادرة على مزيد من الصبر في مواجهة الموت والحصار.

لا يستهان بقيمة هذه الإنجازات الميدانية لإنقاذ كثير مما أضعناه في ميادين سياسية ونخبوية، نتيجة العقم أو الإجهاض، فهي إنجازات تصلح لتكون بمنزلة الترياق للمخلصين من أهل السياسة وأصحاب الفكر والقلم، فما سرّ ما يسود من صمت وإهمال، أو تشكيك وخذلان؟

 

كذلك يكفي ذكر الضربات التي أصابت سلاح الجو الروسي قبيل انتخابات سيده في موسكو، للتنويه -رغم اختلاف الظروف- بتحقيق إنجازات مذهلة أيضا، تشهدها أرياف الشمال وقراه، لا سيما في محافظة إدلب وما يجاورها، وهي مستهدفة أكثر من سواها في هذه المرحلة من مسار الثورة الشعبية في سورية، المعرّض لأفدح الأخطار عبر مخططات دولية لتقويضه والانحراف بحصيلته، وليس بالهجمات الميدانية جوا وبرا وبحرا فحسب.

ويمكن رصد إنجازات أو بعض إنجازات في تحركات ميدانية ومواقف سياسية من قلب الجنوب السوري الذي يصنّفه كثير من جهابذة السياسة والبحث والتحليل بأنه وصل مرحلة التأبين والدفن في أكفان من نسيج قوى خارجية، لا سيما الإسرائيلية والأمريكية.

هنا أيضا، تجاه الشمال والجنوب، يتدنّى مستوى الاهتمام السياسي والنخبوي بالإنجازات المذهلة حسب موازين الإمكانات المتوافرة، تدنيا لا يسمح حتى بتسجيل موقف يتجاوز حدّ "الضرورة"، ولا يخرق قواعد التزام صاحبه بما يتيح التعامل الخارجي مع الثورة الشعبية وحصيلتها.

 

هل نشهد إهمالا يصنعه الجهل بقيمة الحدث الميداني ومفعوله السياسي أم هو نتيجة ما يستمرئه من أتقن ممارسة "الواقعية المقلوبة رأسا على عقب".. فلم يعد يتوقع رصد "حدث بطولي"، في مرحلة بلغ فيها التيئيس مبلغه، فهو لا يصدّق وقوع "حدث" يمكن أن ينتزع من أغفى على فراش التيئييس من غفوته!

كثيرا ما قيل إن الثورة الشعبية في سورية "ثورة يتيمة"، وكان الترويج لهذه المقولة باعتبار أن الثورة لا تجد نصيرا دوليا، ثم باتت تشمل إنكار وجود "نصير إقليمي"، فهل وصلنا إلى مرحلة اعتبارها يتيمة على مستوى أهل الدار أنفسهم؟

. . .

بالعودة إلى مشهد المقارنة بين الطفل الشهيد في دوما "إسماعيل الدرة" وشهيد انتفاضة الأقصى "محمد الدرّة" عام ٢٠٠٠م.

آنذاك.. تحول المشهد المصوّر إلى مرجل غليان لتأييد الحق الفلسطيني والانتفاضة على طريق تحريره من براثن الاستعمار الاستيطاني! والآن؟ نكاد نصبح أمواتا إزاء الشهداء الأحياء، أو استسلمنا للموات عبر ضعف تفاعلنا، مجرد التفاعل، مع ما يجري في سورية من أرض الشام، تفاعلا يثبت أننا جديرون بالحياة حقا.

نبيل شبيب