حظر المآذن في سويسرا

للحفظ والتوثيق الحدث وردود الفعل عليه

مساجد – استفتاء يهوي بسويسرا إلى قاع الظلمات بعد عصر التنوير والتسامح

15
مسجد الثكنة في بازل

مساجد

شهدت سويسرا يوم ٢٩/ ١١/ ٢٠٠٩م استفتاء شعبيا، والاستفتاء فيها من الطرق الدستورية لتشريع القوانين، أسفر عن موافقة ٥٧،٥ في المائة ممن شاركوا في التصويت، أي ٥٣ في المائة ممن يحق لهم التصويت، على حظر مآذن المساجد للمسلمين، وعددهم في البلاد زهاء ٣٠٠ ألف مسلم، ولا يوجد في سويسرا سوى أربعة مساجد مزودة بمآذن.

وجاء في موقع (إنفو سويسرا بالعربية) يوم ٣٠ / ١١/ ٢٠٠٩م تحت عنوان: سويسرا تستقطب أنظار العالم:

نادرا ما أثارت مبادرة شعبية في سويسرا هذا الكـم الهائل من التعليقات في الصحافة الأجنبية.

على الرغم من الانتشار الواسع لخبر مصادقة السويسريين على منع بناء مآذن جديدة في سويسرا في العالم الإسلامي، فإن التعليق عليه ظل محدودا في الصحف العربية الصادرة يوم الاثنين ٣٠ تشرين الثاني / نوفمبر، بسبب عطل عيد الأضحى على الأرجح. ويتوقع المراقبون في سويسرا أن تتوالى الافتتاحيات والمواقف العربية حول هذا الموضوع خلال الأيام القليلة القادمة، لكن يمـكن القول إن الشعور بالدهشة هو الذي سيطر على الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

في المملكة العربية السعودية، أدانت صحيفة “الرياض” ما وصفته بـ”خطوة تذكي الكراهية”.

في لبنان، اختارت يومية “السفير” كعنوان لمقالها حول الموضوع:  الإسلاموفوبيا تهزم بلد التعددية، بينما شددت صحيفة “النهار” على رسالة الحكومة السويسرية التي تريد “طمأنة المسلمين”. أما موقع “إسلام أونلاين”، فنوه إلى أن “الحيرة والمفاجأة سيطرت على مسلمي سويسرا”. واستجوب الموقع هشام أبو ميزر، رئيس فيدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا الذي قال: “إن مسلمي سويسرا بعد هذه النتيجة يشعرون بالصدمة، ولكنهم في ذات الوقت يحترمون رأي غالبية الشعب” وأضاف أبو ميزر لنفس المصدر: “نحن في محنة، ولكننا نحتاج إلى التعقل والقليل من الوقت من أجل استيعاب الأمر وتقديره والنظر في تبعاته المستقبلية”.

وحول ما يطالب به العالم الإسلامي بعد هذه النتيجة قال أبو ميزر لموقع إسلام أون لاين: “لا نريد حرقا للأعلام السويسرية ولا ضربا للمصالح السويسرية في الخارج؛ لأن هذا الأمر غير مجد وغير مفيد، ولكننا نطالب بالتعقل ومتابعة إلى أين سيمضي أصحاب هذه المبادرة العنصرية، وهل ستشجعهم نتيجة التصويت على مزيد من التضييق على مسلمي سويسرا”.

أما صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية فقد اختارت نعت “العبثي” كعنوان لافتتاحيتها، واعتبرت أن سويسرا تبنت ضد المسلمين الذين “يعيش معظمهم حياة تحترم القانون تماما إجراء تمييزيا جليا”.

من جهته، كتب الموقع الإلكتروني لصحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية أن النتيجة جاءت بمثابة “انتصار للإسلاموفوبيا” و”هزيمة للصواب”.

أما وزير الخارجية الفرنسي، بيرنار كوشنير، فقال في حوار مع إذاعة “آر تي إل” إنه يشعر “بشيء من الصدمة” جراء “هذا التعبير عن عدم التسامح”، مضيفا: “آمل أن يعدل السويسريون عن هذا القرار بسرعة”.

وفي لندن، تحدثت صحيفة “فايننشال تايمز” عن حظر المآذن “الذي يغذي المخاوف من الانتقام”.

بينما أعربت يومية “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن اعتقادها أن هذا التصويت “سلط الضوء على الصراع المستمر بشأن اندماج الجالية المسلمة الأوروبية المتزايدة في المجتمع المدني”.

وفي ألمانيا، كتبت “دي فيلت” أن هذه النتيجة “تُلقي بسويسرا إلى الحضيض بعد عصر الأنوار والتسامح الذي بلغته أوروبا بمشقة في الماضي”.

من جهته، أشار كاتب افتتاحية الموقع الإلكتروني الألماني لمجلة “دير شبيجل” إلى الأضرار التي يمكن أن تلحق جراء هذه التصويت بصورة سويسرا، “حارسة حقوق الإنسان، وبلد الصليب الأحمر واتفاقيات جنيف […] (والبلد) الذي يخلق تمييزا ضد مجموعة دينية واحدة، وهي الجالية المسلمة”.

وفي النمسا، اعتبرت الصحافة أن هذا التصويت “دمـر السلم الديني بدون مُبرر”، بينما ذكّرت الأسبوعية البوسنية “أسلوبودجينجي” بأن اللجنة الفدرالية السويسرية المناهضة للعنصرية قد نعتت المبادرة الشعبية ضد المآذن قبل التصويت عليها بـ “دعوة إلى الكراهية”.

ويوم ١ / ١٢ / ٢٠٠٩م ذكر موقع (سي-إن-إن) أن الفاتيكان “وفي أول رد فعل له على نتيجة الاستفتاء بحظر بناء مآذن المساجد، اعتبر أن هذا الحظر يبعث على القلق. فقد قال رئيس المجلس البابوي للمهاجرين، المونسنيور أنطونيو ماريا فيوليو، إنه متفق مع “الخط الذي تبناه الأساقفة السويسريون” الذين أعربوا عن “قلقهم العميق” لما وصفوه بأنه “ضربة قاسية للحرية الدينية وللاندماج بشكل عام” وفقاً لما نقلته وكالة “آكي” الإيطالية للأنباء”.

وصدر عن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا بيان بعنوان (الاستفتاء في سويسرا تراجع مؤسف عن التزامات الحرية الدينية) جاء فيه:

(استقبل “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”، بأسف شديد، نتائج الاستفتاء الذي أجري في سويسرا، الأحد ٢٩ /١١ / ٢٠٠٩ بشأن دور العبادة، ويرى فيه تراجعاً مؤسفاً عن التزامات الحرية الدينية وحقوق الإنسان، لا يليق بمكانة سويسرا وقيمها.

ولا شكّ قبل ذلك، أن مجرد طرح قضايا تتعّلق بالحرية الدينية وحقوق الإنسان للتصويت، لا يمكن تسويغه، كما أن استفتاء الأكثرية بشأن حقوق الأقليات لا يتماشى في الأساس مع روح الديمقراطية، التي لا يمكن السماح باستخدامها بوابة للتحريض، وذريعة لاستثارة فئات من المواطنين ضد شركاء الوطن.

وقد واكب “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”، باستهجان بالغ، ما شهدته الشهور والأسابيع الأخيرة في سويسرا، من شحن للرأي العام السويسري ضد المسلمين، وتغذية للعنصرية الانتقائية والتطرف السياسي، في مراهنة واضحة على زعزعة الاستقرار في المجتمع، تحت ذريعة الدعوة إلى حظر المآذن.

إن ما جرى يبعث على القلق الجدي، ويؤشر إلى حالة من التراجع في بعض البلدان الأوروبية عن الحقوق الأساسية والحريات الدينية، وهو ما يستدعي الاستدراك والمعالجة على جميع الأصعدة. وإننا نرى في الحملات التحريضية التي جرت، مساسا بالقيم التي تعتز بها سويسرا والمجتمعات الأوروبية قبل أي شيء. كما يجدر التذكير بأن الحملات التي تغذي ثقافة التعصب لا تُسدي أي خدمة لأي بلد كان، ولأي مجتمع يعتز بالقيم الإنسانية والالتزامات الأخلاقية.

ونحن ندعو بهذه المناسبة المسؤولين وقادة الرأي وجمعيات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لأن تعمل على صون الحريات العامة، ومواجهة نتائج هذا التصويت الذي يحد من حق المسلمين في ممارسة دينهم.
كما أننا على ثقة بأن المسلمين في سويسرا سيبقون حريصين مع شركائهم في المجتمع، على تدعيم أسس الوفاق وركائز التفاهم، التي لا يجوز الإضرار بها أو التنازل عنها مهما كانت الذرائع.

– – –