جدل عقيم… وجميعنا تحت القصف

الانشغال بالجدل عن التفكير بحاضرنا ومستقبلنا

خواطر – هل نتصور مصيرنا إذا انتهت جولة الصراع على نفوذ الهيمنة الإقليمية بانتصار ساحق لأحد الفريقين؟

1 86
٥:٠٥

خواطر

انتشر في العالم الافتراضي جدل عقيم بصيغة حملات عدائية، منها المدروس والموجه، ومنها عفوي يعبر بحق عمن يكتبونه ومشاعرهم وأفكارهم وآلامهم، ولكن أصبح من العسير التمييز بينه وبين كلام مدسوس وتحريضي، بأقلام أجهزة استخبارات متفرغة لنشر العداوات وترسيخها ثم لاستخدامها لتحقيق أغراض عدوانية تالية.

هذه أجواء لا تصلح لمواكبة طوفان الأقصى وتداعياته ومواكبة غزو لبنان ومساراته، فكأن ما يدور في العالم الافتراضي حلقة تتابع جولات سابقة من الجدل العقيم حول واقعنا، وذلك على امتداد قرنين تقريبا، ولقد كان الجدل يساهم في نشر ركائز الهيمنة الأجنبية فوق هاماتنا، في بلد بعد بلد.

مثال على الجدل الحالي: الحديث عن حق السوريين بالشماتة كلما تلقت منظمة حزب الله ضربة موجعة، قبل أن تقف على أقدامها مجددا، بينما غاب الحديث المفترض حول العدوان وصده وحول أبعاده الآنية في فلسطين ولبنان، والمستقبلية في كامل المنطقة وعالميا.

مثال آخر: المقارنات بين همجية إجرام المستبدين من طينة التسلط الأسدي وبين همجية إجرام المعتدين من طينة الربيب الصهيوني الغربي؛ وكأنما يريدون الدفاع عنه، وغاب عنا ما نعلمه وكنا نردده دوما عن استبداد أنتجته مصانع هيمنة صهيونية غربية وما زالت تعززه وتحميه.

لا تشارك هذه الفقرات في الجدل إنما يرجو كاتبها المساهمة في محاولات الخروج من متاهات الجدل وأنفاقه إلى التفكير بمعايير وضوابط للتعامل مع الأحداث المتلاحقة، التي تحكم الحصار حولنا، ونحن غارقون في تخلفنا وفرقتنا وانحرافات بعضنا وتسلط الأنظمة في بلادنا، ناهيك عن التمكين لهيمنة هذا الطرف أو ذاك على وجودنا، الهامشي أصلا.

كل مشاركة إيجابية أو سلبية في مضمون هذا الجدل تزيد أوار عنفوانه، بينما يستمر تساؤلنا: أيّ العدوين أرحم بنا وبأبنائنا وأحفادنا؛ ولا مخرج لنا من ذلك سوى بذل الجهد الواجب لتعبيد طريق مشتركة ترشدنا جميعا إلى موقع يليق بنا وبانتماءاتنا ويستلهم ماضينا ومقومات وجودنا ومستقبلنا.

إلى أن نقطع شوطا كافيا في هذا الاتجاه، لتحقيق العدالة لأنفسنا ولجنس الإنسان، ينبغي أن نتكلم ونتصرف ونحن نراعي حقيقة بالغة الخطورة، وهو أنه ليس من مصلحتنا ولا من مصلحة الإنسان في عالمنا وعصرنا، أن يسقط بالضربة القاضية أحد الفريقين المتنازعين، فيبقى الآخر دون رادع يردعه عن ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الإنسان والأوطان في بلادنا، والمفروض بنا أن نعلم ما يعنيه ذلك بعد أن عايشنا ما ارتكبه كل من الفريقين لنتصور ماذا يعني انتصاره على الآخر انتصارا ماحقا.

ليست القضية قضية شماتة ولا قضية نسيان ما مضى أو التهوين من شأنه…

وليست قضية مقارنة بين الموت ذبحا بالسكين وبين الموت تفجيرا في غارة…

وليست قضية اختيار محتوم لمستقبل الخزي، إما تحت سطوة الاستبداد أو تحت سطوة الهيمنة…

بل القضية أن نكون قادرين على الحياة من جديد، وليس من معالم الحياة الكريمة الغرق في الشكاوى ولا الشتائم، وليس من معالمها الانشغال لأي سبب عن إعادة بناء أنفسنا وواقعنا، وبناء مستقبلنا وعلاقاتنا ببعضنا ولا الانشغال عن استعادة مكانة المقاومة الكريمة والمواجهة الصامدة داخل أنفسنا وفي رؤيتنا لعالمنا وعصرنا وموقعنا فيه، وهو ما لا يمكن أن يصنعه فريق منا بمعزل عن سواه، ولا شعب من الشعوب منفردا، بل ولن تصنعه أمتنا جمعاء دون مشاركة أحرار الأمم المعاصرة الأخرى، فالهيمنة تهدد وجود الجميع مثلما تهدد وجود أمتنا.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.