ثلاثية أنقرة موسكو طهران
قضية سورية على مائدة العلاقات الدولية
تحليل – نشر يوم ١٦ / ٨ / ٢٠١٦م في الجريدة الثورية السورية صدى الشام
تحليل
ليس سهلا التنبؤ عبر منظور قضية سورية بما يمكن أن يسفر عنه التقارب الجديد بين تركيا وروسيا، ودخول إيران على الخط، ولكن يمكن القول بإيجاز شديد بشأن أبعاد التطور الجديد:
١- هذا التطور يبني على علاقات ثنائية وثلاثية من قبل، ويواكب توتر العلاقات التركية مع الدول الغربية قبل محاولة الانقلاب الفاشلة وبعدها، مما يثير في الوقت الحاضر حفيظة تلك الدول وتوجساتها.
٢- لن تميل تركيا الآن ميلة واحدة عن موقعها الحالي -وهي الدولة الثانية عسكريا- في حلف شمال الأطلسي، ولكن ستفقد المجموعة الأطلسية بزعامتها الأمريكية تدريجيا بعض خيوط لعبتها السياسية مع كل من روسيا وإيران، وكذلك تركيا نفسها، وهي حريصة على الإمساك وحدها بزمام تلك الخيوط.
٣- ستتأثر الزعامة الأمريكية عالميا أيضا، إذا بلغ أثر السياسة التركية المحتمل -مستقبلا- خارطة العلاقات الدولية عموما، كتحسين فعالية تجمعات دول ناهضة ما بين الصين والبرازيل، وقد بقيت ضعيفة منذ نشأتها في آسيا وأمريكا الجنوبية، فإن تحقق ذلك يؤثر تأثيرا أكبر على طغيان الهيمنة الأمريكية دوليا.
* * *
قضية سورية في خضم مصالح متعارضة ومتوافقة
لا يتوقع حاليا نشوء محور تركي روسي إيراني مستقر، فالتعارض بين المصالح يجاور التوافق، مما لا يقتصر على الساحة الدامية لقضية سورية وحدها، فمن ذلك:
١- دفعت مصلحة موسكو لدعم إيران أثناء جولات الملف النووي مع الغرب، ولكن ليس بغرض تحويل إيران لقوة إقليمية ففي ذلك ما يهدد نفوذ موسكو في أواسط آسيا.
٢- تتناقض أهداف تدخل موسكو الجنوني في سورية مع أهداف تدخل إيران الجنوني، فتمدد الهيمنة الإيرانية جغرافيا يقيم جدارا بين موسكو وما تسميه المياه الدافئة ما بين الخليج والمتوسط.
٣- اقتصر أثر التقارب بين موسكو وأنقرة على التعامل مع المتطرفين من الأكراد وداعش، ولم يكن منتظرا أكثر من ذلك حاليا، فالسياسات الخارجية لا تتحول دفعة واحدة.
٤- تتعارض أهداف تركيا ومصالحها في قضية سورية مع الطرفين، وهذا ما يعطيها موقعا متميزا للمناورة، ولهذا انعقدت اللقاءات الأخيرة على مستوى، روسي إيراني، تركي روسي، تركي إيراني، بينما سارعت إيران أثناء القمة التركية الروسية إلى تأكيد رغبتها في التلاقي الثلاثي، تخوفا من نتائج التلاقي التركي الروسي على حسابها.
٥- يوجد من يزعم أن التوافق الأمريكي-الروسي في قضية سورية سيكون أكبر تأثيرا من توافق تركي-روسي، والفارق كبير، فالعنصر المشترك بين تركيا وروسيا هو استعداد موسكو للقبول بأن يستقر الوضع في سورية دون خسارة المصالح الروسية (الوجود في شرق المتوسط) بضرر، واستعداد تركيا لذلك قائم دون أن يصيب المصالح التركية (قضية الأكراد) بضرر، أما المصلحة الأمريكية فتقوم على نشر ما تسميه الفوضى الخلاقة -وهي هدّامة- وعلى ضعف جميع الأطراف المتقاتلة والمتنازعة، محليا وإقليميا، ولا تبالي بمصالح الحلفاء التقليديين، أي السعودية وتركيا وحتى الدول الأوروبية نفسها.
* * *
بمنظور قضية سورية: حصيلة ومنطلقات
أهم بنود الحصيلة –وليس جميعها- من المرحلة الأولى في مسار ثلاثية التطور في علاقات أنقرة-موسكو-طهران:
١- سقوط البقية الباقية من الرهان الروسي والإيراني على بقايا نظام لا يمكن إحياء رميمه.
٢- مقدمات عودة تركيا إلى الساحة السورية من موقع متميز أكثر مما مضى.
هذه الحصيلة أو بعض بنودها يمكن أن تتحول إلى منطلقات مرحلة أكثر تقدما في مسار الثورة، بشروط بذل جهود ذاتية، في مقدمتها في المرحلة الراهنة (٢٠١٦م):
١- تطهير غوطة دمشق من نزاعات فصائلية خطيرة أضعفتها وضاعفت تعرضها للمخاطر العدوانية، وتطهير الجنوب بكسر أغلال خارجية تمنع من تلاقي الثوار على عمل مشترك في جنوب سورية يعيد إليه نضارة مهد الثورة.
٢- أن تتخلص التشكيلات والجهات المنتسبة للثورة سياسة وفكرا، من أسباب ترهل قيادات كثير منها، الأقرب إلى الموات -إلا من رحم ربي- فاستمرار المعاناة يستدعي تجريم ترف التعامل التقليدي مع التطورات الجارية، وفيها فرصة ثمينة لأداء مهمة تاريخية، إذا ارتفعنا سياسة وفكرا إلى مستوى مواكبة حصيلة تلك التطورات برؤية جماعية صائبة، وقرارات فاعلة جريئة.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب