تعامل ساسة بلادنا مع الدين

على خلفية توافق سعودي إيراني جديد

خواطر – لا ينطلق معظم ساسة الأنظمة العربية والإسلامية من الدين بل يعادونه أو يستغلونه

80
٥:٥٠ دقيقة

خواطر

بعض من يتابعون سياسات أنظمة بلادنا منذ عقود يعتريهم شعور المفاجأة كلما وقع تغيير كبير في تلك السياسات، الداخلية أو البينية.

حصل هذا مثلا تجاه إيران، فقد حملت اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية عند إسقاط الاستبداد وعلى رأسه آنذاك محمد رضا بهلوي، وإذا بها تتحرك ضد ثورات شعبية ما غاب فيها البعد العقدي الإسلامي الذي يدفع مع سواه إلى العمل لإسقاط الاستبداد، وإسقاط رؤوسه، وهنا أوغلت إيران معهم في إراقة الدماء البريئة وفي التدمير الهمجي، وكأن شعبها لم يسقط رأس الاستبداد من قبل، وأن السلطات لم تعط النظام الجديد وصف الإسلام.

في مثال آخر ظهر عنصر المفاجأة بخلفية دينية أيضا تجاه السعودية حيث كانت السلطات تتحدث منذ نشأنها الأولى بلسان اتجاه ديني متشدد، وإذا بها تنقلب رسميا على نفسها، وتوغل في التحرك باتجاه معاكس تحت عناوين الترفيه إلى درجة الانحلال.

توجد أمثلة أخرى في التاريخ القريب وأغلبها أكبر شأنا وحجما وتأثيرا من الحدث الأخير باسم توافق سعودي – إيراني بعد قطيعة ساخنة لسنوات، وبعد سياسات رسمية كانت تنهج منذ عقود صيغة المواجهة الشيعية السنية، حتى بدا الحدث السياسي الجديد انقلابا على ما ساد من قبل، وهذا ما يأخذ موضعه من وراء هذه الخواطر لبضع دقائق تحت عنوان تعامل ساسة بلادنا مع الدين.

ما الذي يصنع الشعور بالمفاجأة في هذه الحدث وأمثاله؟

هل هو نقص في متابعة ما يجري وحقيقة من يصنعون القرار؟

هل هو الرجوع إلى معايير المنطق السياسي التقليدي لتفسير ما يجري دون منطق سياسي قويم؟

هل هو التصديق الساذج لما كان يقال بنكهة عقدية دينية من قبل؟

الحقيقة أن المسؤولين السياسيين في بلادنا لا يجهرون إلا نادرا بتعليل ديني لسياساتهم، بل يوكلون ذلك لأجهزة متخصصة بالترويج للسياسات والممارسات المتبعة، قديمها وجديدها، ما ينسجم مع بعضه منها وما يتناقض، ومن ذلك الترويج لوجود بعد ديني وراء صناعة القرار الرسمي، فإذا استقر مفعول ذلك لدى العامة، تتفاجأ بطبيعة الحال عند حصول مصالحات تقلب ما كان من عداوات رأسا على عقب، وتتفاجأ من تعليل ذلك دينيا بينما الدين لم يتبدل ولم يتغير.

* * *

الحقيقة أن ما يجب أن يستقر في تصوراتنا نحن، أي عامة المواطنين أو الرعية، أن التعليلات الرسمية مباشرة أو عبر أجهزة شبه رسمية، لا ينطلق من اقتناعات دينية لدى صناع القرار، بل ينطلق من الحاجة إلى العامل الديني في ترويج السياسات لأن عموم أهل بلادنا يتأثرون بالعامل القيمي الديني، فهم مؤمنون متدينون بالفطرة إذا صح التعبير، فيمكن دغدغة مشاعرهم العقدية الدينية.

المشكلة أنهم يحاولون الترويج دينيا لقرارات متبدلة متناقضة والدين يأبى التناقض.

ولا علاقة لذلك حتى بوجود عَلمانيين في السلطة، يقولون علنا أو لا يقولون شيئا عن الفصل بين الدين والسياسة، فالدافع الأول لاستخدام التعليلات والمبررات بنكهة دينية هو الحفاظ على الكراسي للسلطات المعنية القائمة، سواء تحت عباءة إسلامية أو قبعة علمانية.

السؤال:

كيف تتحقق التوعية شعبيا بحيث يبلغ الوعي الذاتي مستوى يمنع الشعور بالمفاجأة من جهة ويوصل من جهة أخرى إلى معرفة الواقع ومتغيراته كما هي، وإلى تقويمه سلبا وإيجابا بالمعايير القيمية والمنطقية القويمة.

السؤال عندما نستثني حالات محدودة يغلب عامل الجهل فيها، هو كيف ندرك أن ساسة الأنظمة العربية والإسلامية لا يدافعون عن الدين أو يتحركون بسبب تبدل فهمه عندهم أو نتيجة رؤية ذاتية له، بل يسود عندهم العداء للدين مباشرة، جهرا وسرا، كما يسود استغلاله لتمرير سياسات متبعة، تنطلق في صناعة القرار غالبا من رؤية منفعية ذاتية، فاسدة في جوهرها، باسم مصالح غير مشروعة، أو تنطلق من الاستخذاء بالتبعية لقوى الهيمنة الدولية.

إذا استطعنا نشر هذا الوعي المبدئي سنحتاج إلى تطويره أيضا لينعتق من مضمون سلبي جامد، ويصبح جزءا من نشر ثقافة سياسية فاعلة وإيجابية شاملة، من مرتكزاتها الوعي والإصلاح والعلم التخصصي والتكامل على أرض الواقع، إنما لا يتسع الوقت للتفصيل فلا بد من الختام بالقول:

أستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.