منظومة قيم

القيم بين شرعة الغاب ودورة الحضارات

مفهوم – فاعلية القيم مرتبطة بمرجعية المصدر الحضاري الذاتي لها

638
٥:٤٠ دقيقة

مفهوم

لا يمكن أن تكون القيم إلا ثوابت، وهذه الثوابت هي ما يمكن أن تتلاقى البشرية عليه نتيجة خبرات تاريخية وحضارية، ومن تلك الثوابت بمنزلة القيم كأمثلة: الكرامة، والعدالة، والحرية، والحقوق المادية الأساسية المتفرعة عن حق الحياة الكريمة، وما شابه ذلك.

هذا ما جعل منظومة القيم في الإسلام منظومة ثوابت تشمل ما ذُكر وسواه، وتصلح للإنسان، جنس الإنسان في كل مكان وزمان، ولهذا أيضا نجد النصوص الشرعية التي تثبت هذه القيم لا تخاطب المسلمين فقط بل تخاطب الناس، ولا تقرر تلك القيم لصالح المسلمين فقط، بل لصالح البشر جميعا؛ ولقد كرمنا بني آدم؛ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل؛ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؛ وهكذا.

لهذا يمكن من حيث الأساس لغير المسلم أن يقبل بمنظومة القيم الإسلامية، وما تعنيه على صعيد ضبط التشريعات القانونية والعلاقات البشرية، ولهذا يوجب الإسلام نفسه على من يتبنى الإسلام نهجا أن يتبنى هذه القيم المشتركة بين المسلم وغير المسلم.

والقيم لا تكتسب مكانتها الفاعلة في واقع مجتمع أو دولة من خلال قرار يتخذه حاكم أو حزب أو مفكر، فلكل مجتمع تاريخه الحضاري والثقافي والمعرفي، ولذلك أثره في ميادين الإقناع والتربية والتشريع وغيرها مما يضبط وضع الدولة والمجتمع. ولا يعني ذلك بالضرورة نشوء تناقضات من حيث القيم بين مجتمع بغالبية مسلمة، ومجتمع بغالبية غير مسلمة.

مثال: الإسلام يؤكد الحرية لكل مواطن باعتباره إنسانا وليس باعتبار عقيدته أو انتمائه، وهذا ما تقول به العلمانية في الغرب، فلا توجد إشكالية.

إنما الإشكالية في العنوان والتطبيق، وأثر ذلك على الفرد. فعلى صعيد الحرية مثلا يتفاعل الإنسان الغربي مع إرثه المعرفي عندما يجري الاستشهاد بكلمة لأحد الفلاسفة الغربيين، مثل كانت أو فولتير.. وقد يتفاعل معه ثقافيا إنسان مسلم أو غير مسلم ينتمي إلى الدائرة الحضارية الإسلامية، ولكنه يتفاعل وجدانيا وعقلانيا مع مقولة من إرثه المعرفي الذاتي، كمقولة عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؛ وهنا أيضا يمكن أن يتفاعل ثقافيا مع هذه المقولة لعمر إنسان من الدائرة الحضارية الغربية.

بناء المجتمع والدولة لا يقوم على مقولات ما، بل على المقولات التي تؤثر وجدانيا وعقلانيا مع النسبة الأعظم من المواطنين، وهذا بالذات ما يوجب أن يؤخذ بمقولات منظومة القيم المرتبطة بإرثهم المعرفي الحضاري الذاتي بصورة مباشرة، حتى ولو تطابق المضمون كليا أو جزئيا مع مضمون مقولات مشابهة من دائرة حضارية أخرى.

أما الحديث بهذا الصدد عن قيم إنسانية مشتركة فيسري على الحصيلة، فالعدالة التي تقررها منظومة القيم الذاتية في نطاق الحضارة الإسلامية تلتقي أساسا مع العدالة التي تقررها منظومة القيم الغربية في نطاق الحضارة الغربية.

هنا يمكن أن توجد قواسم مشتركة بين الإسلاميين والعلمانيين في إطار الحديث عن المرجعية التي تقررها الإرادة الشعبية للمجتمع والدولة، أما أن يرغم أحد الطرفين الطرف الآخر على القبول بمصدر منظومة القيم التي يتبناها وليس بالمضمون المتشابه فحسب، كما هو الحال مع العدالة والحرية والكرامة، فهذا ما يزرع بذرة من بذور الاستبداد دونما حاجة أو سبب جادّ.

وأوجز ما سبق بالقول:

القيم ثوابت مشتركة في حياة البشرية، ولكل دائرة حضارية منظومة قيم تتلاقى عموما مع سواها، وتختلف في الإرث المعرفي الذي أوصل إليها، وفي بعض التفاصيل، ويجب الأخذ بمنظومة القيم الحضارية الذاتية تبعا لمفعولها الوجداني والعقلاني في ضبط العلاقات في المجتمع والدولة.

وأستودعكم الله على أمل أن تجمعنا القيم المشتركة دوما، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب