تحليل – الخليج.. والشرطي الإيراني

لعل صناع القرار في دول الخليج يبدؤون بتحرير قرارهم السيادي تعاونا مع تركيا تخصيصا ونصرة للثورات الشعبية

40

قبل عقود.. كانت "إيران الشاه" هي شرطي الخليج المعتمد والمكمل إقليميا لدور الشرطي الدولي الأمريكي عالميا..

والآن أصبحت "إيران الملالي" كما كان ينعتها الغرب، هى المرشحة -بل المعتمدة- للقيام بدور الشريك المفضل لاستكمال دور الهيمنة الأمريكية إقليميا بعد الانسحابات العسكرية من العراق وأفغانستان، وظهور ما يهدد تلك الهيمنة مستقبلا عبر ثورات الربيع العربي. 

لهذا أسباب عديدة، في مقدمتها:

أولا: سياسيا  

بعد "ابتلاع كامب ديفيد" لدور مصر إقليميا.. 

كانت دول الخليج، هي المنافس الإقليمي لإيران، وقد لعبت وتلعب أدوارها في مصر واليمن وجزئيا في تونس وليبيا.. ولكن المؤكد أن الغرب لم يغفل عن عجز سياسات العقود الماضية عن منع انفجار ثورات الربيع العربي أصلا، وبالتالي فتح باب التحرر من الهيمنة الأجنبية.

بالمقابل استطاعت إيران في أصعب الظروف تنفيذ قسط كبير من مشروع هيمنتها الإقليمية.

لهذا أثبتت إيران أنها الشريك "الأفضل" بمعايير الغرب، فهو يعتمد على "الطرف القادر" على تحقيق أهدافه، وليس على "الطرف الراغب" في ذلك أو "التابع" فحسب.

ثانيا: عسكريا 

خسر الرهان من راهن على "تكديس السلاح الغربي والنفوذ الغربي" معا، فالقوة الحاسمة ليست قوة سلاح مستورد ومرتبط بمستشارين ومدربين وقطع غيار، وبالتالي يمكن تحويله إلى "خردة" في أي وقت، بل هي قوة التقدم العلمي والاقتصادي والسياسي الداخلي، وهذا ما يتوافر في إيران.. ولا تعوضه في عالم السياسة المادية المصلحية الواقعية علاقات نفطية "ودية" مزعومة، ولا فقاعات “مظاهر استهلاكية مترفة".

ويخطئ من يعتبر مسألة صناعة السلاح النووي في إيران كانت "عقبة فعلية" تمنع من تفاهم مصلحي غربي-إيراني، وهذا بالذات ما أثبتته مفاوضات جنيف.

إن التهويل من "الخطر" ساهم واقعيا في ترسيخ أقدام نفوذ إيران إقليميا باسم "الممانعة والمقاومة"، بينما يعلم الجميع أن "القنبلة النووية الباكستانية" لم تجعل من باكستان مصدر "خطر حقيقي" على أحد. 

ويبقى مفعول الطاقة النووية السلمية هو الأهم، علميا وتقنيا واقتصاديا، فهو ما يخدم "العلاقات الاقتصادية" عالميا، وهو ما يعزز عامل التفوق والهيمنة إقليميا. 

ولا يغيب عن الأذهان أن أول من ساهم في بناء نواة القوة النووية السلمية في إيران هم الأمريكيون فالفرنسيون فالألمان في عهد "إيران الشاه".

. . .

من الناحية التنفيذية سيحتاج الطرفان، الإيراني والغربي، إلى بعض الوقت للترويج للعلاقات الجديدة على مستوى الرأي العام بعد عقود من تبادل "الشتائم"، ولكن هذه أصغر العقبات، فالتغلب عليها ممكن وبسرعة، من خلال تحسين الوضع المعيشي في إيران ومن خلال الحصول على عقود تجارية واقتصادية كبيرة لصالح أصحاب المال والأعمال في الغرب.

بالمقابل ستحتاج القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة، لا سيما دول الخليج، إلى بعض الوقت لتخرج من مفعول "الصدمة“.. أي:

(١) حتى "تهضم" ما بات أشبه بالطعنة الغربية في الظهر..

(٢) حتى "تستوعب" أن الصفقة المعقودة أكبر بكثير من "الملف النووي الإيراني"..

(٣) حتى "تتمكن" من إيجاد معطيات جديدة للتعامل مع "شرطي الخليج" المولود مجددا.

. . .

أصبح باستطاعة إيران أن تنتقل إلى المرحلة الثانية من مشروعها الإقليمي، أي أن تعدّ بعد اتفاقية جنيف لدور قديم جديد -تغلب عليه الفتن الطائفية- يتكامل مع التطلعات والمطامع الغربية، وقد أصبح: 

(١) يستند إلى عكازتي التخلي عن السلاح الكيمياوي الأسدي والتخلي عن السلاح النووي الإيراني

وليس مجهولا أن هذا وذاك يخدم مطامع ما يصفه أهل الممانعة والمقاومة بالعدو الإسرائيلي!

(٢) ويعتمد على ثلاث قوائم، أولاها في الجناح الشمالي من العراق عبر سورية إلى لبنان وهي الأهم، والثانية في الجناح الشرقي من البحرين حتى المنطقة الشرقية، والثالثة الأضعف أهمية -ولكنها موجودة وفاعلة- في شمال اليمن.. 

وليس مجهولا أن هذا يشكل ما يشبه الطوق حول "عنق" الدول الخليجية والأردن!  

بالمقابل قد تدرك دول الخليج -والأردن- بعد أن تأخرت في ذلك طويلا، أنها انزلقت في إطار الصراع الإقليمي مع إيران إلى مواقع ومسارات في غير صالحها، يجب تعديلها سريعا، ولكنها أشبه بالأفخاخ، فلا يسهل الفكاك من نتائجها..

(١) أصبحت دول الخليج غارقة فيما تشتغل به في اليمن ومصر، وصولا إلى تونس وليبيا.. أي:

حيث تنال دول الخليج تأييد الغرب، ولكنها تخدم بذلك واقعيا "مشروع شرطي الخليج".. 

(٢) أصبحت تفتقد بوضوح "تأييدا" غربيا لما ترغب في صنعه في سورية والعراق ولبنان.. أي: 

حيث تريد مواجهة "النفوذ الإيراني الإقليمي" بالذات وبالتالي التحصّن تجاه "شرطي الخليج"..

والخسارة مضاعفة، ففي الحالتين تخسر دول الخليج تأييد الشعوب أكثر مما كان حتى الآن.

. . . 

المعادلة في الثورة الشعبية في سورية لم تتبدل.. شعب ثائر واستبداد ساقط، ولكن يمكن أن تؤدّي الصفقة الكبرى مع إيران إلى تغييرات "مرجوة" قد تساهم إيجابيا في تعجيل وصول مسار الثورة إلى محطته الأولى: إسقاط بقايا النظام.

(١) لعل القوى القومية واليسارية التي بقيت معلقة بشعارات "الممانعة والمقاومة" تستيقظ لتستعيد ما خسرته من قواعد شعبية ومن قدرة على التأثير أو الإسهام في صناعة مستقبل المنطقة.

(٢) ولعل القوى الرسمية وغير الرسمية، في الخليج وسواه، المشاركة في الجهود الدولية لإجهاض الربيع العربي، في مصر وأخواتها، تعود إلى رشدها وتتصرف وفق "مصالحها الذاتية"، إذ أنها أصبحت تهرول بذلك بنفسها للسقوط طوعا في قفص الخضوع.. بين يدي "شرطي الخليج".

(٣) ولعل صناع القرار في دول الخليج تخصيصا يبدؤون بتحرير قرارهم السيادي، عبر الاستعداد لتأمين أول شرط من شروط مواجهة الحلقة التالية من "مشروع إيران الإقليمي"، وهو التحرك الفعال لاستعادة علاقات "التحالف أو التنسيق أو التعاون" مع تركيا تخصيصا، ومضاعفة دعم الثورة الشعبية في سورية، فكل خيار آخر سيؤدي إلى خسارة خليجية وعربية وإسلامية أكبر.

أما الثورة الشعبية في سورية فانتصارها محتم تاريخيا في سائر الأحوال بإذن الله.

نبيل شبيب