تحليل – الأنظمة العربية.. والغزو الجوي الروسي

ليس المطلوب من الأنظمة الداعمة للثورة أن تدخل في حرب ضد روسيا، بل اتخاذ مواقف جادة وإجراءات عملية

39

ليس من مصلحة الثورة الشعبية في سورية أن تفتح أبواب "العداء" مع أي طرف إقليمي أو عالمي، لا سيما إذا كان في الوقت الحاضر يقدم عونا ما للشعب وثورته في سورية، وإن كان عونا قاصرا عن قصد وتخطيط أو عجز ومخاوف، ولكن من مصلحة الثورة الشعبية في سورية ومن مصلحة تلك الأنظمة أيضا، أن تزداد قوة واستقلالية عبر التفاعل مع إرادة الشعوب، داخل حدودها وخارج الحدود، وأن تستعين بذلك لإثبات وجودها على الساحة الدولية، وهذا ما يساهم به حاليا موقف حازم وإجراء عملي تجاه الغزو الجوي الروسي ضد الثورة الشعبية في سورية.

ولنطرح سؤالا أبعد من ذلك:

من الدول العربية دول تدعم الغزو كالعراق، أو تصفق كمصر، والغالبية تناور أو تصمت، فما الذي ستحصده فيما ‎لو حقق الغزو الجوي الروسي ضد الثورة في سورية أغراضه (ولن يقع ذلك بإذن الله) وكانت الخطوة التالية لاستعادة أمجاد روسية في العهد الشيوعي، غزوا أو محاولة غزو في بلد آخر، وليكن اليمن مثلا حيث كان للشيوعية ذات يوم نفوذ دموي في جنوبه؟

هل يفيد آنذاك التشبث بانتظار أن يتصدى حلف شمال الأطلسي دفاعا عن أمن هذا البلد أو ذاك وسلامة نظامه، من البلدان المجاورة والقريبة، لا سيما دول الخليج؟

ليست أفاعيل اللعبة الدولية على مسرح بلادنا جديدة، ولا نحتاج إلى مزيد من الدروس ومزيد من الانتظار، وفي مقدمة ما تعلمناه مرارا أن بيانات الشجب والاستنكار والرفض لا تكفي للتعامل مع سياسات دولية، كما أنه لا يكفي أيضا استمرار الاعتذار بأن الإمكانات الذاتية قاصرة فلا نتحرك إلا بدعم دولي، وهو أسلوب يزيدنا ضعفا، لا سيما وأن شعوبنا لا تنتظر من حكومات بلادنا في مثل الحالة الراهنة، أي الغزو الجوي العدواني الروسي ضد ثورة سورية، أن تدخل في حرب ضد روسيا، ولكن لا أقل من اتخاذ "مواقف جادة" ترافقها "إجراءات عملية" معروفة دوليا لمن يتصرف وفق "لغة المصالح"، فعالمنا المعاصر لا يتفاعل دون ذلك.

. . .

لعل النظام الحالي في العراق، أو في مصر لا يرقى إلى درجة "سياسية" تسمح بأن تتوقع الشعوب من أحدهما مجرد "اعتراض" على قيصر موسكو، فكل منهما غارق في توهمه أن اغتيال الإرادة الشعبية في سورية عبر قوة روسية -ولن يقع ذلك- هو في صالح ممارساته لاعتقال الإرادة الشعبية الثائرة ضده، وغارق في توهمه أن بقاءه في السلطة ممكن إذا خُنقت الثورة الشعبية السورية ولفظت أنفاسها المعطرة بدماء الضحايا.

ولكن ماذا عن الأنظمة العربية الأخرى؟

لنفترض أن أعداء الثورة الشعبية في سورية نجحوا في وأدها -ولن ينجحوا- فهل تتوقع تلك الأنظمة أن تبقى هي بمنأى عن أفاعيل "الفوضى الهدامة" من اضطرابات وصدامات وإرهاب وعنف، علاوة على هيمنة إقليمية، إيرانية و‎إسرائيلية، ناهيك عن الروسية والأمريكية؟

من هذه الأنظمة -وكذلك تركيا- من قدم للثورة في سورية العون بأشكال متعددة، ولكن بقي الجميع على مدى سنوات عديدة يصدقون "وعودا غربية" أو يخشون من "سطوة أمريكية"، فلا يتجاوزون "القدر المسموح به" وفق رؤية تلك القوى الدولية لمصالحها الذاتية ومطامعها.. والسؤال: ما هي حصيلة السنوات الماضية؟ ليس بالنسبة إلى الثورة الشعبية نفسها، ولكن بالنسبة إلى تلك الأنظمة أيضا، هل أصبحت أوضاعها الإقليمية والدولية أفضل من ذي قبل؟ هل أصبحت بمنجاة من خطر التمدد الطائفي الإيراني؟ سواء اعتبرت تلك الطائفية الإيرانية عقدية أو سياسية (الحصيلة على أرض الواقع واحدة) أم هل أوصلت الأطروحات الأمريكية بصدد إيجاد بديل عن "الثورة ونصرة الثورة" إلى أي نتيجة في صالح تلك الأنظمة؟

. . .

نتابع هذه التساؤلات ولكن في اتجاه مضاد..

ماذا عن تلك الأنظمة وأوضاعها إذا  استطاعت الثورة الشعبية في سورية الصمود في وجه الغزو الجوي الروسي وتابعت طريقها، مثلما فعلت مع الميليشيات الإرهابية الإيرانية نشأة وتمويلا وتوجيها، أو مثلما صمدت في وجه ميليشيات إرهابية أخرى كالتي تحمل اسم "داعش" التي لا يزال يوجد من "يتحزر" عن نشأتها وتمكينها من النماء والبقاء.

ماذا لو أوصل ما لا يُحصى ويُقدر من تضحيات وإبداعات وبطولات في مسار الثورة السورية (ولا نغفل عن أخطاء جسيمة أيضا) إلى انتصار الإرادة الشعبية في سورية، فبدأ مفعول الانتصار بالانتشار جغرافيا وشعبيا وسياسيا.. أليس الأصلح للأنظمة العربية المعنية بهذا الكلام، أن يكون لها منذ الآن دور في تحقيق ذاك الانتصار غدا، فتكسب رصيدا من التأييد لدى الشعوب، ولا يبقى اعتمادها مقتصرا على "الإمساك بزمام الشعوب بمختلف الوسائل المقبولة وغير المقبولة".. أم أنها تريد أن تنتصر ثورات الشعوب العربية "رغما عنها"، ودون مشاركة إيجابية من جانبها، "حرصا" على موقع ترفضه شعوبها كشعب سورية أيضا.

هذا.. ولا يوجد في حالات التغيير التاريخي ما يسمى "موقف الحياد"، إنما يحقق كل طرف مكاسب أو خسائر تتناسب طردا مع حجم الدعم القليل أو الكثير الذي يقدمه، وحجم العداء الشديد أو المحدود الذي يمارسه، ولجميع ذلك تداعياته المستقبلية، وإن بدت تداعياته الحالية مقتصرة على استمرار نزيف دماء الشعوب فحسب، فدوام هذا الحال من المحال.

. . .

لقد تعرض شعب سورية لأشد درجات الظلم الهمجي الفاحش على امتداد خمسين سنة.. وكان من الأنظمة العربية من يدعم الظلم ويشارك فيه، وتعرض شعب سورية لأشد درجات الإجرام أثناء ثورته، وكان من تلك الأنظمة من شارك ومنها من دعم بمقدار، وكان الغالب في مسار الثورة هو تعرض الثورة والشعب للإجرام الإيراني، المباشر وبالنيابة، ووصل إلى ما شهدناه ونشهده من تصعيد محموم للإجرام المباشر الروسي، واستخدام الأسلحة الفتاكة الروسية، على أرض سورية وعبر استهداف أحرارها، وهي أسلحة بمكن استخدامها غدا، هنا وهناك، بعد "تجربة مفعولها" في سورية..

هذا تطور جديد في مسار الثورة وتعامل الأنظمة العربية معه.

هذه فرصة -لا تدوم طويلا- لتكون تلك الأنظمة شريكا في صناعة تغيير تاريخي يفتح أمامها وأمام سائر بلادنا وشعوبنا وشعوب العالم أبواب التحرر والتقدم..

وهي أيضا مسؤولية كبيرة، مسؤولية التحرك والتصرف أو الخلود للأرض في مواجهة خطر علني كبير، يعربد في سورية الآن، وقابل للانتشار في سواها قريبا.. آنذاك لن تكون البلدان العربية الأخرى في منأى عن تبعاته سيان ما هو اللون الذي يحمله كل منها اليوم، مقابل نقاء لون "الثورة الكاشفة" المستهدفة أكثر من سواها.

نبيل شبيب