انعطافة سياسية في مسار تركيا

بين دعم الثورات ومصالحة أنظمة استبدادية

تحليل – يتطلب استيعاب السياسة التركية النظر إلى تحولاتها بمنظور شامل يتجنب تجزئة المشهد

0 81

تحليل

في ١٤ / ٨ / ٢٠٠١م تأسس حزب العدالة والتنمية وأصبح عبر تحالف الجمهور بينه وبين حزب الوحدة القومية بمنزلة الحزب الرئيسي الحاكم في تركيا، ومع مرور المناسبة السنوية للتأسيس هذه الأيام أراد كاتب هذه السطور لفت نظر رواد محطة إضاءات إلى كتاب عن مسيرة هذا الحزب نشر شبكيا عام ٢٠١٧م، ليصنف سلسلة من تحليلات ومقالات سابقة، فوجد من الضروري إضافة تحليل جديد يراعي الانعطافة السياسية الكبيرة في مسيرة الحزب خلال السنوات الماضية، لا سيما في نطاق العلاقات مع دول إقليمية توصف بالاستبدادية ناهيك عن التعامل مع الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، وناهيك عن العلاقات السابقة مع إيران وروسيا رغم دورهما العدواني في سورية وسواها.

خلال عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤م فوجئ طيف واسع من العرب الأقرب إلى تأييد السياسات التركية من قبل بأنها دخلت في انعطافة بما يقارب ١٨٠ درجة، شملت إعادة العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر والشروع في خطوة مشابهة مع سورية، مع العلم بأن كافة أسباب المقاطعة السابقة لم تتغير في اتجاه يبيح القول إن هذه الانعطافة تقابل تغييرات إيجابية ما.

على أن عنصر المفاجأة يصدر عن أخطاء ارتكبناها (ويشمل ذلك كاتب هذه السطور أيضا) في تقويم واقع السياسات التركية منذ بداية عهد العدالة والتنمية ثم زعامة إردوجان للحزب والدولة. ومراجعة هذه الأخطاء لا ينبغي أن تكررها، أي لا ينبغي التعميم في اتجاه بيان السلبيات مع الغفلة عن الإيجابيات ولا العكس.

في مقدمة أخطائنا في تقويم إيجابي أو سلبي لعهد العدالة والتنمية أن كل صاحب اتجاه أو ميول سياسية إسلامية، أو صاحب موقف عدائي للتوجهات السياسية الإسلامية، كان كل من الطرفين يركز على ما يحمل عناوين إسلامية فيعممها معتبرا حزب العدالة والتنمية منبثقا عن أحزاب سابقة بتوجهات إسلامية، وليس هذا صحيحا، فابتداء من الأعضاء المؤسسين كان التنوع شاملا للاتجاهات الإسلامية جزئيا والمحافظة عموما، مثل أحزاب الفضيلة والوطن الأم والطريق القويم، ولئن قيل عن الحزب إنه يمثل العثمانيين الجدد، فالمفروض فهم ذلك من الزاوية القومية والجغرافية، كما يقول منظّرو حزب العدالة والتنمية، وكان منهم أحمد داوود أوغلو القائل (إن لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا)

أما عن الصبغة الإسلامية للحزب وسياساته فهذا ما نفاه قرار قضائي من جانب المحكمة الدستورية في ٣٠ / ٦ / ٢٠٠٨م، وتلا ذلك قول رئيس الحزب والحكومة آنذاك رجب طيب إردوجان إن الحزب ( سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية) وكان قد قال في خطبة له عام ٢٠٠٥م (لسنا حزبًا إسلاميًا، ونرفض أيضًا تسميات مثل المسلمين الديمقراطيين إن أجندة حزب العدالة والتنمية تقتصر على الديمقراطية المحافظة)

لا يعني ما سبق من استشهادات وما يوجد أيضا من أمثالها أن نعمم إنكار التوجه السياسي الإسلامي عن الحزب فنخطئ في تقويم سياساته أيضا، فلا ريب في وجود توجهات تعبر عنها الكلمات والتطبيقات العملية في ميادين عديدة، ولكن لم يصل ذلك إلى مستوى إيجاد نهج سياسي إسلامي معاصر ومتوازن يبيح تقويم السياسات الإقليمية وما شهدته من انعطافات بميزان القيم والمصطلحات المنبثقة عن الإسلام مباشرة.

يمكن من باب البحث عن أعذار للسياسة التركية لانعطافها بما يوازي ١٨٠ درجة تقريبا، أنها حاولت استمالة أنظمة إقليمية أخرى في المنطقة الإسلامية لا سيما القطاع العربي منها، فوجدت العداء أكثر من التعاون، بينما كانت السياسات التركية نفسها مستهدفة غربيا، لا سيما فيما انبثق عنها في الشمال الإفريقي وفي سورية وقضية فلسطين. ومن هنا يبقى التساؤل موضوعيا:

ألا تمثل التحولات في خارطة العلاقات التركية إقليميا نسيجا متكاملا يبيح اعتبارها تبدلا إستراتيجيا شاملا في المسار، وليس خطوات منفصلة عن بعضها بعضا تجاه مختلف الأنظمة المعنية؟

هل استحالت المقايضة مع حكومات الإمارات والسعودية ومصر على الأقل، علما بأن كلا منها وجد تبدلا خطيرا  في المسارات السياسية الإقليمية مع خلفياتها الدولية، ومنها اتهام الإمارات بتمويل الفوضى المسلحة في السودان وسواه واتهام السعودية بالانخراط في مسار ما يسمي التطبيع واتهام مصر بممارسة الضغوط على المقاومة في قضية فلسطين؟

وماذا عن سورية، هل نتوقع أن تنطوي الانعطافة السياسية التركية على التراجع عما بقي من دعم للثورة الشعبية ومقايضة ذلك بثمن ما في الصراع المعروف حول مستقبل الأكراد في المنطقة؟

من ينفي ذلك مسبقا يعتمد علي موقع القيم في صياغة السياسات التركية، ومن يؤكد مثل هذه التوقعات يعتمد على مفعول المصالح المتقلبة ومن أراد تجنب الوقوع في المفاجأة عند كل منعطف في التغيرات الجارية، فليبحث عن الجواب موضوعيا ما بين حصيلة الصراع بين مفعول القيم المثالية وهو خارج دائرة المصالح وبين مفعول المصالح المادية وغالبها بعيد عن حكايات مفعول تلقائي للقيم، فلا هذا ولا ذاك موجود على انفراد في ساحات العلاقات المحلية والإقليمية والدولية على السواء.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب