التفاوض وسيلة الأقوياء

الضعيف يناضل ويفاوض مع بلوغ قوته المستوى المطلوب

خواطر – الشعب صاحب الحق الأصيل والمفاوض وكيل بصلاحيات محددة المعالم

0 33
٥:١٥ دقيقة

خواطر

في قضايا مقاومة العدوان والاحتلال وفي قضايا التغيير وإسقاط الاستبداد يكون التفاوض السياسي مطلوبا في مرحلة ما، ولكن بشروط يمليها واقع القضية المعنية، وقد يكون مرفوضا بتعليل يصدر عن تقويم واقع القضية المعنية أيضا، وفي الحالتين يبقى أن الأهم من التفاوض السياسي مع الخصوم هو الحرص على سلامة العلاقة بين أصحاب القضية أنفسهم، لا سيما وأن التفاوض وسيلة لانتزاع المكاسب، ولا يُرفض التفاوض السياسي بحد ذاته كوسيلة، بل يرفض توظيف تلك الوسيلة للتغطية على ممارسات عدوانية أو استبدادية.

وأظهرت مسارات الثورات الشعبية ومسارات المقاومة الوطنية، أن المفاوضات الحقيقية لا تجري مع استبداد يترنح، أي مع نظام حكم انتهت صلاحيته الوظيفية، ولا مع عدوان استعماري فاشل، أي ضعيف عاجز عن أداء دوره الإقليمي، الأبعد مدى من الاحتلال الجغرافي والعدوان المحلي، بل يجري التفاوض واقعيا مع قوى خارجية، دولية وإقليمية، هي الأحرص على بقاء الاستبداد والعدوان وما يتحقق من خلالهما عبر شبكة العلاقات القائمة. وعلى هذه الخلفية نسجل ملاحظات أساسية.

أولا: الحدث

للثورات التغييرية الشعبية خصائص ومعطيات غير مسبوقة، ورأينا في مسارات طوفان الأقصى مجددا أن مقاومة العدوان الاستيطاني لها خصائص ومعطيات غير مسبوقة أيضا، فلا يكفي في أي جولة تفاوضية مستجدة، اعتماد صيغ وقواعد قديمة، مستنبطة من تجارب وقواعد سابقة، بل يحتاج التفاوض الآن إلى إضافة صيغ وأساليب ووسائل جديدة مبتكرة.

ثانيا: الطرف المفاوض

الطرف الأضعف في نزاع ما، يناضل ويطوّر إمكاناته لانتزاع الحقوق المشروعة الأصيلة، ويلجأ إلى وسيلة التفاوض مع بلوغه من القوة ما يمكّنه من استخدام هذه الوسيلة في متابعة انتزاع الحقوق؛ فلا يستهان بما يمثله ومن يمثله، ثورة تحررية كانت أو مقاومة تحريرية، كذلك لا ينبغي أن يستهان بقوة موقعه التفاوضي، ولا ينفي ذلك واجبَ تأييده ليزداد قوة، ويزداد قدرة على تحقيق الهدف المشروع المطلوب.

ثالثا: الطرف الآخر

كما سبقت الإشارة يدور التفاوض الحقيقي مع قوى معادية، دولية وإقليمية، حريصة على استبقاء هياكل استبدادية وعدوانية، فإن سقطت تحرص تلك القوى على استبدالها بسواها، وهذا ما يمثل الطرف الآخر الأهم من الكيانات الاستبدادية والاستيطانية نفسها، والتي تفاوض دفاعا عن وجودها أو ما يمكن استبقاؤه منه.

رابعا: مادة التفاوض

كل عمل تغييري لواقع قائم لا يدور التفاوض الهادف من أجل تعديله جزئيا، إذ لا يمكن أن يوجد أصلا نصف استبداد أو استبداد عادل، ولا نصف عدوان أو عدوان مسالم؛ بل يدرك طرفا التفاوض أن السؤال المطروح هو عن وضع جديد لما سيأتي بعد الاستبداد وبعد العدوان، دفعة واحدة، أو عبر مراحل، أهمها المرحلة الأولى.

خامسا: الاستمرارية

نجاح المفاوضات هو بتحقيق الهدف منها، المنبثق عن الثوابت الكبرى، فإن لم يتحقق تعتبر المفاوضات فاشلة، وسيان ما هو السبب، لا تخمد مسيرة الحق والعدالة لتحقيق هدف التحرر والتحرير، ولا يوجد في الثورات الشعبية ولا في مقاومة العدوان الاستيطاني الاحتلالي ما يشير إلى ذلك، ولا إلى توقف الشعب عن العطاء.

سادسا: النقد

تأييد الطرف المفاوض تأييدا مطلقا غير مقبول ولا مطلوب، ولكن ينبغي الحذر من أمرين، أولهما ألا يصل نقد تصرف ما إلى مستوى ما يوصف بالطعنة في الظهر، والأمر الثاني آلا يضيق الطرف المفاوض بالنقد، والأصح أن يستخدمه كسلاح في مجرى التفاوض، والتأكيد أنه يتعرض للضغوط كيلا يتراجع عن الأهداف من التفاوض، لا سيما وأن المفاوض وكيل في تمثيل القضية، ولا يستطيع تجاوز إرادة صاحب الحق الأصيل.

ولله الأمر من قبل ومن بعد، فأستودعكم الله، وهو خير حافظا وناصرا، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.