التطوير الجذري للعمل الإسلامي واجب مصيري

العمل الإسلامي على مفترق طرق بين الموروث والمتجدد

ورقة تحليلية – ما لم يتطور العمل الإسلامي فسيتعرض إلى مخاطر الجمود ليصبح “شيئا ما” من عالم آخر

101
الشروق والمحرقة

ورقة تحليلية

التطوير ضرورة مصيرية – التطوير والتجديد – عقدة التنظيم –  العمل السياسي – نقلة تطويرية نوعية

 

العمل الإسلامي تعبير حديث، نشأ مع نشأة الحركة الإسلامية، فبات يعبر عن عمل حركي غالبا، فهل يمكن تصور تطوير عمل إسلامي يحمل صفة أخرى أشمل من صفة الحركي؟

وارتبط تعبير الحركة الإسلامية بوجود جماعات ومنظمات وربما أحزاب، ووجود أنشطة منبثقة عنها، فهل يمكن تصور تطوير الحركة الإسلامية إلى ما يشبه تيار إسلامي أوسع دلالة كما يتردد مؤخرا؟

وانتشر حديثا تعبير الإسلام السياسي وصدر ابتداءً كاتهام موجه إلى مكونات الحركة الإسلامية والعاملين للإسلام، مؤداه في نهاية المطاف تغليبهم الجانب السياسي على سواه في العمل الحركي الإسلامي، فهل يمكن تصور تطوير عمل سياسي إسلامي، قائم بذاته، وليس معبرا عن الحركة وتنظيماتها؟

وإن شمول الإسلام، وتوازنه، وتكامله، ووسطيته، صفات قل من ينكر إحداها إنكارا يعتمد على حجة موضوعية أو منطقية، كما أن كونه صالحا لكل زمان ومكان وظرف من الظروف أمر مفروغ منه عند من يعرف الإسلام وحيا ربانيا ونهجا مبينا، يستند إلى الفطرة البشرية والإمكانات الواقعية للإنسان واحتياجاته، فهل يمكن تصور تطوير العمل الإسلامي إلى صيغة تعكس مواصفات الإسلام نفسه، ليصبح الميدان الحركي، والسياسي، والثقافي، والإعلامي، والفكري، والأدبي، والاجتماعي، والاقتصادي، وغيره مما يشمل مختلف ميادين الحياة، قطاعات متجاورة ومتداخلة، تشكل معا مكوّناته المتكاملة مع بعضها بعضا؟

 

التطوير ضرورة مصيرية

ليس المقصود بهذه التساؤلات طرح دراسة نظرية، بل التفاعل مع متطلبات واقع قائم ميدانيا، فالعمل الإسلامي الذي لم يبلغ مستوى الشمولية لهذه القطاعات التي يشملها الإسلام ويوازن بينها، يواجه بصيغته الحالية  صعوبات وعقبات ذاتية وخارجية، يجب تجاوزها، ويعايش ظروفا مختلفة عما كانت عليه عند نشأته الأولى قبل ما يناهز قرنا من الزمان، ويجب التفاعل معها، وقد جرت عجلة التطور من حول العمل والعاملين في كل مجال من المجالات يتحركون فيه، وبين أيديهم من الوسائل ما لم يتوافر من قبل، كما أن خصوم العمل الإسلامي، سواء من أصحاب تيارات أخرى، أو ممن ينتمون إلى قوى دولية وإقليمية، يواجهون كذلك صعوبات وعقبات وظروفا وتوجد بين أيديهم وسائل، جميعها يختلف عما كان عليه الحال من قبل.

ليس عالم اليوم هو عالم العشرينات من القرن الميلادي العشرين، وليس تفاعل المسلمين مع إسلامهم كما كان عليه آنذاك، ولا التعامل الدولي والإقليمي نسخة طبق الأصل عن تلك الحقبة الزمنية، وتكفي أي مقارنة مبدئية دون الدخول في التفاصيل لتأكيد أمر جوهري:

ما لم يتطور العمل الإسلامي بالمعنى الشامل للكلمة، فسيتعرض إلى مخاطر الجمود ليصبح شيئا ما من عالم آخر، أو يواجه الإخفاق المتكرر دون بلوغ أهدافه.

لا يعني ذلك البداية بالتطوير من نقطة الصفر، فما تحقق تحت هذا العنوان كثير وإن لم يتخذ خطا مستقيما صاعدا، بحيث تظهر النتائج بوضوح، إنما المقصود الحاجة إلى نقلة تطويرية نوعية، تستوعب ما كان حتى الآن، وتوظفه لتحقيق الأفضل والأشمل والأقرب إلى تحقيق الغاية والمصلحة.

وليست عملية التطوير أمرا قائما بذاته، يمكن تحديد بدايته ونهايته، بل هي جزء من ممارسة العمل نفسه، تواكب خطواته وميادينه جملة وتفصيلا، أو يُفترض أن تكون كذلك. فصيغة التطوير الواعدة هي الصيغة المرنة المتلائمة مع الإمكانات والمعطيات المتوافرة، والقابلة للتفاعل الحي المتجدد مع المتغيرات دون أن تفقد وجهة سيرها نحو الأفضل والأشمل.

 

التطوير والتجديد

لا بد من التمييز بين التطوير المقصود هنا وبين ما كثر الحديث عنه تحت عنوان التجديد، فهما أمران مختلفان متكاملان، لا تناقض بينهما، ولا يغني أحدهما عن الآخر.

فإن حمل التجديد معنى تخليص الإسلام نفسه، وتخليص الخطاب الإسلامي والعمل للإسلام، من الشوائب، فالتطوير يمثل إضافة الجديد، مما لا يستهدف المساس بالإسلام بأصوله وجذوره وفروعه الأساسية، فجميع ذلك ثابت يصلح لكل زمان ومكان، إنما هو الجديد الذي يضيف إلى الإسلام نفسه اجتهادات صادرة عن إدراك هذه الصلاحية واستيعاب توابعها، بإبداعات تستجيب للمتطلبات الجديدة وما يمكن أن يطرأ منها، أما إضافة الجديد على صعيد الخطاب الإسلامي والعمل الإسلامي فيمكن أن تنطوي على حذف وتغيير بالاستغناء عن أشكال بنيوية، وأساليب متبعة، ووسائل سابقة، واعتماد أخرى جديدة، بما يلبي احتياجات الوصول إلى الأهداف في ظروف ومعطيات واقعية قائمة، مع مراعاة ما يمكن استشراف القادم منها.

 

ولا غنى عن التلازم بين التجديد والتطوير، فكل تطوير قويم رهن بتوافر الاستعداد للانطلاق من الثوابت من جهة وهذا ما يتحقق عبر التجديد بالمعنى المشار إليه، ورهن بالاستعداد إلى عدم تحويلها إلى عوائق من جهة أخرى، بل ينبغي استيعابها كما هي: منطلقات لا تتغير بحد ذاتها، حافلة بالحوافز، من أجل ابتكارات ذاتية، تصنع الجديد المتغير باستمرار، المرتبط بالثوابت معايير لسلامته، والمتفاعل تبعا لذلك مع الجديد المتغير من صنع الآخر، دعما لما فيه من إيجابيات مع ربطه بتلك الثوابت، ودفعا لما فيه من سلبيات تجنبا لانحرافات تعود بالضرر على الإنسان والإنسانية وعلى المسلمين.

التجديد والتطوير عمليتان متكاملتان في حاجة إلى دراسات نظرية وميدانية، وجهود كبيرة، تستوعب ما تحقق حتى الآن وتضيف إليه، وهنا تظهر الحاجة إلى المزيد، إلى ما تعنيه كلمة قفزة تطويرية نوعية فقد باتت الحاجة ماسّة إليها في الوقت الحاضر.

 

عقدة التنظيم

لقد أصبح للتنظيمات الإسلامية أشكال بنيوية تقليدية ربما كانت صالحة ملائمة للظروف والمعطيات المرافقة لنشأتها الأولى، وبات من الضروري النظر فيها بمنظور الظروف والمعطيات الحالية، للحفاظ على ما يصلح، والتخلص مما يبدو عائقا دون تحقيق الأهداف، لا سيما وأن الاقتناع السائد هو أن التنظيمات وسائل، فلا بد أن يسود الاقتناع أيضا بالتعامل معها كوسائل، عملا وتغييرا، لا قولا وشعارا فقط.

الصور المتعددة لما يعرف بإمارة تنظيم، أو إدارته، أو إرشاده، أو سوى ذلك من المسميات المعبرة عن طريقة الإدارة التنظيمية، صور يعود العهد بها إلى حقبة زمنية ربما كان الأصلح لها تقديم عنصر ضبط التنظيم على عنصر الشورى أو تجديد الزعامة، فهل هذا هو الصالح الآن لتحقيق الهدف من وسيلة التنظيم؟

ربما كان الأصلح آنذاك إسقاط أسلوب البيعة بمفهومها الشرعي على أسلوب البيعة في الميدان الحركي، فهل لا يزال ذلك هو الأصلح في الوقت الحاضر من أسلوب الانتخابات، وتحديد فترة المسؤولية، وتجديد شباب القيادة؟

ربما كان الأصلح عند النشأة الأولى للتنظيمات أن يكون التنظيم هو المرجعية لما سواه، من أنشطة فكرية واقتصادية وثقافية وسياسية وغيرها، فهل الربط المرجعي على هذه الصورة يحقق الآن المصلحة المرجوة والغاية المتوخاة من العمل التنظيمي بحد ذاته، أو العمل الإسلامي بصفته الشمولية؟

قد يؤثر الارتباط التاريخي والعاطفي بتنظيم إسلامي على نظرة أصحابه إليه، إلى درجة التوجس من كل تطوير جذري ضروري مطلوب، واعتباره عبوة ناسفة للتنظيم نفسه، وليس للتطوير القويم هذا الغرض، ولا يؤدي إليه، إنما إذا افترضنا جدلا أن الدراسة المنهجية، النظرية والميدانية، أوصلت إلى نتيجة تقول بضرورة الاستغناء عن التنظيم لصالح خدمة الغاية من وجوده، واستبدال وسيلة أخرى به، فما الذي يعنيه وصفه بالوسيلة إن لم يتوافر الاستعداد حتى إلى هذه الخطوة من حيث الأساس، مع التأكيد مجددا أنه لا يبدو حسب المعطيات الراهنة أن هذا ما سيسفر عنه تطوير جذري على المستوى التنظيمي؟

وسيلة التنظيم الإسلامي بحد ذاتها في حاجة إلى تعديل وتطوير، لتحقيق الغاية منها، ويمكن أن يشمل هذا التطوير جوانب باتت تقليدية في الإدارة وفي علاقة المنتسبين إلى التنظيم بقيادته، كما يمكن أن يشمل موقع وسيلة التنظيم في نطاق الإطار الأشمل للعمل الإسلامي، بأبعاده الدعوية والسياسية والفكرية والاقتصادية وغيرها، فيكون التطوير المطلوب آنذاك -كمثال- إلغاء الأسلوب المتبع من حيث ضرورة أن تكون لافتة التنظيم مرفوعة فوق كل نشاط من الأنشطة، أو أن تكون العلاقة بالآخر مقتصرة فقط على القنوات التنظيمية، أو أن يكون تقويم العمل في ميدان من الميادين رهنا بما يقوله التنظيم بشأنه كمرجعية لكل شيء.

وما سبق بشأن تطوير التنظيم أمثلة، والحاجة إلى طرحها وطرح سواها كبيرة، فالوسيلة التي يمضي على استخدامها زمن طويل تهترئ ذاتيا ما لم تتبدل أو تتطور، ومن علامات الاهتراء الراهنة أننا لا نجد في ساحة الواقع تنظيما إسلاميا يحقق الغرض منه على النحو الأمثل، كما نجد أن كثيرا من الأنشطة الإسلامية التي ارتبطت تاريخيا بالتنظيمات، تتعرض معها إلى ما تتعرض إليه عند وقوع المحن ونشوب الأزمات، بينما توجد أنشطة إسلامية تنمو تدريجيا خارج نطاق التنظيمات، فلا تصاب معها بما قد تصاب به، ولا ينفي ذلك قابلية أن تتعرض ذاتيا إلى ضغوط وأزمات، ولكن ليست وسائل حمايتها رهن الارتباط بتنظيم قطعا، إنما هي ما يتوافر لها من مواصفات ذاتية تمكّنها من البقاء والنماء.

 

العمل السياسي

العمل السياسي من منطلق إسلامي ولتحقيق أهداف إسلامية مثال آخر، وشهد الكثير مما يوصف بالتجارب، منها الشكل التقليدي أن يكون العمل السياسي جزءا أساسيا من العمل الحركي التنظيمي، وكان من نتائج ذلك أن المتطلبات الواسعة النطاق للعمل السياسي وطبيعة ارتباطه بالظروف السياسية قطريا وإقليميا ودوليا، سببت طغيان العمل السياسي على الميادين الأخرى في التنظيم الحركي، أو أوهمت بذلك -سيان فالنتيجة واحدة- كما كان من نتائج ذلك أن التعرض للخصومة والعداء من منطلقات سياسية، شمل التنظيم الحركي بجميع مكوناته بذريعة ممارساته السياسية، سواء قام ذلك على باطل مكشوف أو متستر بذريعة من الذرائع، وفي جميع الأحوال لم يحقق هذا الأسلوب الأهداف المطلوبة من العمل السياسي، وهذا لفترة طويلة من الزمن تستدعي تلقائيا إعادة النظر فيه، مع عدم استباق نتيجة النظرة المنهجية الموضوعية بطبيعة الحال.

ومن التجارب أيضا إيجاد تنظيم مستقل شكلا، أي باسمه فحسب، ليدخل المعترك السياسي، وهو في واقعه جزء من تنظيم حركي إسلامي قائم بجواره، وكأن الخصم المنافس أو المعادي لا يدرك ذلك، أو لا يتعامل مع هذا وذاك في وقت واحد متجاوزا عملية الفصل الشكلية.

ومن التجارب القديمة نسبيا، وجود بنية هيكلية سرية وأخرى علنية تتبعان للتنظيم الحركي معا، واقترن ذلك أحيانا باعتماد وسيلة إعداد القوة واستخدامها عندما تحين الفرصة السانحة إلى جانب وسيلة الدعوة العلنية، وهي تجارب اعتبرت نتائجها “كوارث” على العمل الحركي الإسلامي في أكثر من بلد إسلامي.

ومن التجارب أيضا تحالف تنظيم حركي إسلامي مع فريق من القوات العسكرية في بلد من البلدان، واستخدام طريق الانقلاب العسكري لتحقيق الأهداف الإسلامية، بينما كانت الانقلابات ولا تزال موضع إدانة إسلامية قاطعة، بحد ذاتها إذ تنزع أرضية الثقة بين الشعب وجيشه الحامل لمهمة الدفاع الخارجي الجليلة وليس العمل السياسي الداخلي، وبنتائجها العملية، فقد كانت الانقلابات ولا تزال طريق الانزلاق إلى ممارسة السلطة بالقوة، وهو ما يتناقض مع مبادئ الإسلام جملة وتفصيلا، بدءا بحرية المعتقد مرورا بالعدالة انتهاء بالشورى.

يبدو أن عقدة العمل السياسي كامنة في الخلط بين المقولة الصحيحة منهج الإسلام شامل لمختلف الميادين بما في ذلك الميدان السياسي وبين الممارسة التطبيقية عندما تنطلق من تصور آخر يتوهم أن هذه المقولة تقتضي أن يكون كل تنظيم إسلامي شاملا لكل ميدان من الميادين.

إن العمل السياسي رهن بوجود الكوادر السياسية الواعية القادرة على ممارسته، وإن المهمة الأولى لأي عمل إسلامي سياسي هي تكوين تلك الكوادر معتقدا، وخلقا، وتصورا، وسلوكا، ومعرفة، ووعيا، أما الممارسة العملية للعمل السياسي، فهي من شأن تلك الكوادر، التي إن قام تنظيم حركي بإعدادها، انتهت علاقته بها باكتمال مهمة الإعداد، وقد يكون الإعداد عن طريق معهد إسلامي أو مركز إسلامي غير مرتبط بتنظيم حركي أصلا.

لا ينبغي أن تكون غاية التنظيم الحركي أن يمارس السياسة الإسلامية بنفسه وبقياداته وبهياكله التنظيمية، إنما غايته أن يوجد من يمارس هذه السياسة الإسلامية، ويمكن أن يقتصر دوره على الدعوة إليها، وبيان ميزاتها، واتخاذ المواقف المعبرة عنها، ودعم العمل من أجل وجودها، ولا ينقص ذلك من قيمته قدر ما يرفعها إلى المستوى التوجيهي العام المنتظر من عمل حركي إسلامي.

 

نقلة تطويرية نوعية

في المثالين السابقين عن عقدة التنظيم والعمل السياسي ما يغني عن طرح المزيد من الأمثلة من الميادين الأخرى في نطاق هذا الحديث المختصر، إنما لا يغني عن طرح صيغ التطوير الجذري المرجو في مختلف ميادين الفكر والبحث والأدب والتربية والاجتماع والاقتصاد والفن والتقنية والصناعة، فجميع ذلك وما شابهه يتطلب نقلة تطويرية نوعية، وجميع ذلك هو مما وصل العمل الإسلامي المعاصر به إلى مفترق طرق، من أبرز معالمه على سبيل المثال دون الحصر:

١- تجاوز احتياجات الكوادر من شبيبة الصحوة ذكورا وإناثا لواقع قيادات تقليدية للتنظيمات الإسلامية

٢- العجز عن استيعاب صيغ جديدة للدعوة والعمل فرضت نفسها وتشتت المواقف منها بين الدعم والإنكار

٣- التشرذم القائم على اختلاف اجتهادات العمل وغلبته على الخلاف الطبيعي الذي يستدعي التكامل والتعاون

٤- التخلف عن توظيف الإمكانات الذاتية لتحقيق أهداف مرحلية وتعريضها للضياع عبر مركزية التصرف بها

٥- حصر الأهداف الكبيرة المطروحة على أرض الواقع وراء قضبان وسائل وأساليب موروثة من الماضي

٦- ‎انفصال دعوات التجديد والتطوير على مختلف الأصعدة إسلاميا عن مواقع صناعة القرار الإسلامي حركيا

٧- الدفاع عن مواقع المواجهة في ميادين تقليدية والغفلة عن مواطن تستهدف الجذور والأسس كاللغة العربية

٨- الانشغال بالمهام الجزئية للعمل الإسلامي عن مهام كبرى فرضتها الأحداث في المنطقة الإسلامية وعالميا

٩- القصور عن اللحاق بركب المتغيرات المحيطة بالعمل الإسلامي على المستويات القطرية والإقليمية والدولية

. . .

إن المحور الذي تدور حوله هذه المعالم السلبية لواقع العمل الإسلامي هو طغيان هدف الحفاظ على ما هو موجود ومحاصر -وليس القصد إهماله- على هدف إيجاد الجديد خارج أسوار الحصار، رغم أن معظم الساحات التي تطرح السؤال عن بناء مستقبل إسلامي أصبحت خارج نطاق المواجهات التقليدية ما بين السلطات والتنظيمات الإسلامية، أو بين التيار الإسلامي والتيارات الأخرى.

وليست عملية التطوير الجذري المرجو عملية انقلابية، ولا تقبل التحقيق بين ليلة وضحاها، ولا تصل إلى أهدافها عبر قرارات تنظيمية، إنما هي عملية تطوير نوعية، يمكن أن تبدأ على صعيد الأفكار وتنتقل إلى ميدان الممارسات، وأن تثير المزيد من التساؤلات، فهي دوما البداية إلى كل تغيير، والتغيير في المرحلة التاريخية الراهنة واجب مفروض، وتحديد معالمه وسلوك طريقه مسؤولية كبرى مشتركة، وضمان سلامته رهن بالتعامل معه على أساس تحقيق المصلحة العليا، وليس بأسلوب “خوض معركة” بين توجهات حركية شتى، وكل من يمكن أن يكسبه طريق التطوير من أنصار، هو عنصر من العناصر المتعاونة المتكاملة في الصيغة المستقبلية لعمل إسلامي مشترك متكامل، متعدد المستويات والميادين والمواقع، وليس عنصرا من عناصر جبهة في مواجهة جبهة، أو عمل جديد في مواجهة عمل قديم.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب