استراحة – الوحدة العربية الأمريكية

حتى توريث السلطة.. وحد بينهم ملوكا وأمراء ورؤساء وسلاطين

32

الكلمات التالية.. تتكرر في عملية قيصرية متجددة في ظلال المقارنة بين:

تعامل تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية في “أزمات متتالية“..

وفرحة ساسة وكتّاب عرب بتخفيف قبضة “عقوبات” السيد الأمريكي على “الأولاد” المتمردين في السودان الشقيق..

وتعامل طرفي “أزمة الخليج”، العتيدين تجاه بعضهما، مع السيد الأمريكي المبجّل سابقا وحاليا ولاحقا..

. . .

 

هي عملية قيصرية.. تتكرر مع ولادة كل “اتهام” للأنظمة العربية أنها عاجزة عن توحيد كلمتها، أو مسارها السياسي! كيف؟

من يقول ذلك من علماء السياسة المحدثين -معذرة- جاهل أو واهم مهما بلغ من العلم والتخصص!

مسيرة الوحدة العربية لم تنقطع قط:

– منذ بداياتها العتيدة مع بريطانيا ضدّ “الرجل المريض” ليمكن الفتك به، تمهيدا لولادة وعد بلفور و”سايكس بيكو”..

– وحتى ذروة تاريخية أولى يوم “لاءات الخرطوم الثلاث” إذ شرحت شعار “إزالة آثار عدوان ١٩٦٧م”، رفضا للتفاوض، ورفضا للاعتراف، ورفضا للتسوية السلمية، فوحّدت اللغة “الثوروية التقدمية” مع اللغة “الرجعية المتخلفة”.. حسب مصطلحات ذلك الزمان، ولكن في “الإعلام” تلبية لحاجة أسماع الشعوب الاستهلاكية..

– بالمقابل توحدت مخطّطات “سياسات عربية عقلانية مشتركة” بمضامين أخرى، للتعامل بها على المستوى الدولي!

– وسرعان ما مهّدت تلك الخطوة “الوحدوية” الكبرى أمام خطوات أخرى سريعة متعاقبة بصورة أذهلت عجلة التاريخ عن اللحاق بها..

– منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي وحيد لشعب فلسطين.. إعلان مشترك موحد ومسيرة موحدة للخروج معا من ميدان المسؤولية “العربية” عن القضية التي “كانت” مشتركة وباتت “فلسطينية”!

– توقيع وحدوي جماعي علني مشتركا على “مشروع فاس” للتسوية السلمية، على أمل الحصول على ثمن مقابل.. يوما ما (ولم يتحقق الأمل حتى بعد تطوير المشروع إلى مبادرة موحدة في بيروت والانتظار مزيدا من السنوات الاستيطانية)!

– مقاطعة جماعية “علنية” لمصر السادات بعد “كامب ديفيد”، جنبا إلى جنب مع وحدة القرار العربي على تبنّي سياسته جماعيا في الوقت نفسه..

– نصيحة أخويّة وحدوية جماعية من أجل “ردع” الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان، عن طريق “طرد” ما بقي من مقاتلين فلسطينيين يزعجون “الجار الإسرائيلي”!

. . .

لا بدّ بعد تلك الإنجازات الوحدوية المشتركة، من التقاط الأنفاس -إلى جانب “قطع أنفاس الشعوب”- وإذا بالأقدام الأمريكية التي لم تتلوّث من قبل إلا في بعض آبار النفط هنا وهناك، تلوّث كلّ مكان، فتتغلغل على أرضية الوحدة العربية الأمريكية، في كلّ قطاع اقتصادي، وإدارة سياسية، ومؤسسة مالية، لتبلغ الوحدة ذروتها، برداء أمريكي مشترك، توّجته “احتفالات مدريد” على أشلاء الكويت والعراق.

تكررت خطوات الوحدة العربية في التسعينات الماضية من القرن الميلادي العشرين، بسرعة مشابهة لما كانت عليه في السبعينات الميلادية من قبلها..

حولت جهود أمريكية منظمة التحرير إلى منظمة أوسلو.. فحصلت على المباركة العربية الموحدة.

قاطع الأمريكيون السودان.. فقوطع السودان.

حاصروا ليبيا.. فحوصرت ليبيا.

حطّموا نظام العراق على رؤوس شعبه.. فساهموا في تحطيم رؤوس شعبه.

علام تتهمون الأنظمة بالعجز عن توحيد صفوفها إذن وما خرج نظام عربي واحد عن هذه المسيرة المشتركة، ولئن تململ هذا النظام أو ذاك، “ساعده” آخر على اللحاق بالركب طوعا أو عبر المقاطعة، أو الحصار، أو التحطيم!!

وما دامت الشعوب هادئة، فلا بأس بمزيد من الخطوات الوحدوية السريعة المتعاقبة، رغم اهتراء “الصنم” الأمريكي داخليا وعالميا، فلم ينقطع التواصل باسم مصالح مشتركة، أو جهارا تحت عنوان “التبعية والعجز”، أو اجترارا لمقولة “الحل في الأيدي الأمريكية بنسبة ٩٩ في المائة”.. والحبل على الجرار، مثله مثل سيل الدماء بفلسطين والعراق وسواهما (ووصل إلى بلدان ربيع ثورة الإرادة الشعبية العربية في هذه الأثناء).

. . .

رغم ذلك ما يزال يوجد مفكّرون ومثقفون أعراب يزعمون أنّ الوحدة تحتاج إلى إعداد وتخطيط وأهداف مرحلية، كيلا يتتابع مسلسل إخفاق تجارب سابقة، مثل الجمهورية العربية المتحدة، والاتحاد الثلاثي، والاتحاد المغاربي. ربّما كان النقص الأكبر في تلك التجارب الناقصة، عدم اتساع الحضن الأمريكي لها.

تكفي الوحدة العربية الأمريكية..

لا حاجة في ظلّها إلى سوق عربية مشتركة.. تكفي الواردات والاستثمارات الأمريكية.

ولا إلى جواز عربي مشترك.. تكفي هوية التبعية الأمريكية.

ولا إلى حدود مفتوحة بين العرب.. تكفي الحدود المفتوحة أمام الأجانب في اتجاه واحد

ولا إلى تجارة بينية، ولا إلى مشاريع استثمارية وحدوية، فجميع ذلك مجرّد “مظاهر وشكليات”، لم يحقّقها جيل الأنظمة السابق، ولن يحقّقها الجيل الحالي، وقد لا يحقّقها الورثة الذين “وحّد” توريث السلطة بينهم ملوكا وأمراء ورؤساء وسلاطين.

نبيل شبيب