كلمة وفاء – رائد صلاح
رائد صلاح: إن الثورة السورية هي امتداد للانتفاضة الفلسطينية، وإن الشعبين السوري والفلسطيني يعيشان تحت احتلالين ظالمين
ــــــــــ
يبدأ هذا اليوم (١٠/ ١١/ ٢٠١٧م) عام نضال جديد، ويبدأ العام الستون في حياة المناضل الكبير الشيخ رائد صلاح حفظه الله وأمده بمزيد من القوة لمزيد من العطاء، ويكاد يصعب على من لا يتابعه يوما بيوم القول في لحظة من اللحظات إنه داخل زنزانة معتقل من معتقلات الاغتصاب الصهيوني أم إنه حر طليق في بقعة من بقاع فلسطين، السجن الكبير لأهلها الصامدين منذ ولادة مسلسل الاغتصاب. وقد اعتقل رائد صلاح لأول مرة عام ١٩٨١م بتهمة الانتماء إلى “أسرة الجهاد” كتنظيم تحظره السلطات الإسرائيلية، ثم مرات عديدة كان آخرها ساعة كتابة هذه السطور اعتقاله يوم ١٥/ ٨/ ٢٠١٧م، وسجنه باتهامات مصطنعة على خلفية خطب جمعة واكبت حركة النضال الفلسطيني ضد نصب مزيد من أجهزة الرقابة على مداخل المسجد الأقصى. فكان على الدوام لا يفرج عنه إلا ليعتقل مجددا، ولا تسقط لائحة اتهامات لا يخرج مضمونها الحقيقي عن دائرة خدمة وطنه، إلا لصياغة لائحة اتهامات جديدة، كما أنه لا يخرج من السجن الصغير إلى الكبير ومن الكبير إلى الصغير إلا ويعلن مجددا مواقف التحدي للسجانين ومن جاء بهم إلى بلده.. ومن أراد فليرجع إلى مقالاته التي جمع بعضها قبل عام ونيف كتاب (رسائل فحماوية) نسبة إلى أم الفحم بفلسطين المنكوبة.
ويقول الشيخ المجاهد فيما يقول:
(على أعتاب السجون.. لا لن نُذل ولن نهون
على أعتاب السجون.. سنبتسم للسجون
وإن كان السجن ثمناً ضرورياً لنصرة القدس والمسجد الأقصى فمرحباً بالسجون)
ولد في أم الفحم ونشأ فيها ودرس الشريعة لثلاثة أعوام في الخليل ومارس التجارة والعمل الدعوي والإعلامي بعد منعه من التدريس.. فكان في العشرينات من عمره عندما أدخل السجن (١٩٨١م) مع خطواته الأولى على طريق الجهاد ضد من وجدهم يوم فتح عينيه على نور الحياة قد استعمروا أرضه، وشردوا شعبه، ومضوا على إمعانهم في تنفيذ مخططات التهويد والتوسع والهيمنة.
وارتبط اسم بلدة أم الفحم.. (التي عُرفت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى باسم أم النور) باسم رائد صلاح، من قبل أن يصبح رئيسا لبلديتها عبر أكثر من جولة انتخابات، مثلما ارتبط به اسم الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، واسم مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات، وعدد آخر من المؤسسات والمهرجانات والأنشطة المكثفة، وأصبح – بحق – مع إخوانه وأقرانه المقربين المرجع الأول للكشف عن المخاطر المحيقة بالمسجد الأقصى المبارك، عبر الحفريات من تحته، والتهويد على أرضه، وانتشار الفكر العبثي الصهيوني تخويفا وتضليلا في الأرض المحيطة بالأرض المباركة.
الشيخ المجاهد “هو روح القدس، وهو فارسها الرمز الذي لا يتهاوى إلى إعلام، ولا إلى عظمة شخصية، ولا إلى منافع، ولا إلى شهرة. جهاده خالص في سبيل الله، وهو في ذلك يقدم مختلف أنواع التضحيات من جهد ووقت ومال ونفس..” كما يقول د. عبد الستار قاسم.
وكانت له منذ بداية الثورات الشعبية مواقف التأييد للشعوب، لا سيما في سورية، ومن ذلك في مهرجان خطابي عقب مسيرة “لبيك يا شام” في حزيران / يونيو ٢٠١٢م، في مدينة طمرة الفلسطينية بدعوة من “الحركة الإسلامية” فكان من كلماته يومذاك:
(إن الثورة السورية هي امتداد للانتفاضة الفلسطينية، وإن الشعبين السوري والفلسطيني يعيشان تحت احتلالين ظالمين..
نحن على يقين يا أهل سوريا أن زحوفكم التي خرجت في دمشق وحمص ودرعا واللاذقية، ستبقى تزحف لتصل الى القدس الشريف.
صبرا يا أهلنا في سوريا، إن السلاح الذي يقتلكم الآن هو السلاح الذي قتل من شعبنا الفلسطيني في مخيمات لبنان وآن الأوان أن ينكسر هذا السلاح لأنه ليس سلاحاً لتحرير الجولان ولا لتحرير فلسطين بل هو سلاح لقتل الإرادة في نفس الإنسان العربي والمسلم والفلسطيني، الذي يسعى لصناعة فجر كريم للأمة المسلمة والعالم العربي والإسلامي.
فليكسر هذا السلاح الذي حاول أن يذل أهلنا في تونس وليبيا واليمن ومصر، والذي كان بيد من قاموا بدور الاستعمار البائد وآن الأوان ليتردد صوت الحرية والكرامة على امتداد الأمة الإسلامية والعربية.
الضمير العالمي سقط في امتحان سوريا أمام المجازر البشعة التي يرتكبها النظام السوري بحق شعب أعزل في حمص ودير الزور وإدلب).
لن يكون المستقبل امتدادا لظلمات الحاضر، وليس من المفارقات أن نرصد أثناء كتابة هذه الكلمات، أخبارا تلفت النظر مثل التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتهمة الفساد، ككثير من أسلافه، أو سقوط وزيرة التنمية في دولة وعد بلفور بسبب لقاءاتها مع مسؤولين إسرائيليين دون إذن حكومي بريطاني.. ناهيك عن مؤشرات أكبر وأقوى دلالة على أن عصر الهيمنة بدأ يفقد دعاماته التي ورثها من العصر الاستعماري، وأن فجرا حضاريا جديدا سيطل بعد كل ما احلولك من ظلمات وتراكم.
مع رائد صلاح نرى الأمل الأكبر في مستقبل آخر هو الأمل المعقود على الشعوب، على من يتحرك من قلب هذه الشعوب، وإن ولد – كرائد صلاح – في عصر الانحطاط.. فواجه طغيان القوة بعزيمة لا تلين، وعمل لا يفتر، وصوت لا يغيب، وجهاد لا ينقطع، مستمسكا بأهدافه الجليلة المشروعة، وساعيا لبلوغها طوال حياته..
وعلى طريق يقظة الشعوب تظهر القيادات والزعامات الحقيقية، فمسيرة الشيخ المجاهد هي مسيرة شعب، سجل عبر الانتفاضة والمقاومة، وعبر الصمود والتضحيات، ما صنع القيادات التي تقوم بالتالي بدورها لتعزيز هذه المسيرة ولتواجه الانحرافات بها عن طريقها العتيد.
نبيل شبيب