مخاطر ومطالب في يوم العمل والعمال
العمل محور النهوض والاستبداد المالي يولّد الانفجارتحليل
تحليل – نشر يوم ٣٠ / ٤ / ٢٠٠٨م في موقع إسلام أون لاين
تحليل
فيروس قهر الإنسان – عواقب لا تستثني أحدا – من معالم الخطر – موقع العمل والعمال
تكشف الأزمات المالية والاقتصادية عن وقوع كوكبنا الأرضي تحت تأثير الرأسمالية المتشددة أو العولمة المتوحشة، وأن النتائج باتت على حساب الطبقات الفقيرة، وفي مقدمتها العمال وأسرهم والعاطلون عن العمل، علاوة على مزيد من الفئات كالمشردين عن ديارهم، والمحرومين من الحياة الكريمة داخل بلادهم، والمضطهدين ألوان الاضطهاد، والمهمشين في عالم يستهين بمصطلحات من قبيل الكرامة الإنسانية، فيخلق البؤس في ظل احتكار أسباب القوة، فإلى أين يمضي هذا التطور المخيف، وحتى متى؟
فيروس قهر الإنسان
هذه الصورة البائسة المشوهة بألوان أزمات الفقر والجوع، والمرض والموت، والقهر والتعذيب، والاستبداد المحلي والدولي، تذكر مع مناسبات دورية كيوم العمل والعمال، بالفترة التي شهدها العالم عقب ما سمي رحلات استكشاف جغرافية أوروبية نشرت الاستعمار والاستغلال، وما سمي ثورة صناعية رسخت الاستعباد والحرمان، فتبدلت آنذاك التسميات ولم تتبدل المضامين، وبات التقدم العلمي والتقني رهينة سجن الرأسمالية التي انتشرت فنشرت الطبقية، وبذرت بذلك بذور الشيوعية، لينتقل العالم من صراع إلى صراع، ومن نقيض إلى نقيض، دون أن يحول مسيرة الحضارة البشرية إلى مسيرة إنسانية، حتى أصبحت معايير التقدم والتأخر، والتحضر والتخلف، محصورة في الدرجة الأولى في أرقام قياسية عن حجم ازدياد ثروات الأثرياء فحسب، مهما تفاوتت مستويات المعيشة، داخل البلد الواحد وعلى أرض الكوكب الأرضي الواحد.
العمال آنذاك جزء من الفئات المتضررة وهم اليوم جزء من الفئات المتضررة بتغول الرأسمالية مجددا، وهو تغول أخطر مما كان عليه إبان نشأتها الأولى، فقد تطورت أسلحتها عبر ثورات صناعية وتقنية وإلكترونية متتابعة، وسيطرت على طبقات سياسية عريضة سيطرةَ ارتباطِ المصالح النفعية والمطامع، وحولت كثيرا من المنجزات كمنظومة الحريات والحقوق إلى أقنعة لا تُخفي هدرها وتقييدها على أرضية الواقع التطبيقي عبر شرعة الغاب القائمة على قوة المال في الدرجة الأولى.
إن قطاعات عريضة من شعوب العالم وفئات كبيرة داخل البلدان الرأسمالية، أصبحت عرضة لضغوط متصاعدة، في معيشتها اليومية، ولا يمكن لضغوط من هذا القبيل إلا أن تتمخض عن انفجار ردود فعل جارفة قد تأكل الأخضر واليابس.
عواقب لا تستثني أحدا
اليوم العالمي للعمل والعمال تحول إلى مظاهر احتفالية دون مضمون، ووقفات أشبه بتأبين المساواة والكرامة والحريات والتكافل وسائر القيم في حياة الإنسان وحياة البشرية. ومثل هذا التحول لا يصلح لاستخدامه كحبوب مسكنة، ولقد كانت ردود الأفعال في صيغة انفجار الثورات في الماضي دون وجود مثل تلك المناسبات أصلا، فالمهم هو مضمون ما يؤثر على مجرى التاريخ وأحداثه، وليس العناوين والمناسبات الاحتفالية.
إن أول من ستصيبهم عواقب هذا التطور الخطير هم أولئك الذين يصنعونه بسياساتهم وممارساتهم، كما كان مع الطبقة الأرستقراطية في فرنسا أو روسيا أو سواهما من بلدان الشمال أيام اندلاع الثورات فيها. ولا يمكن التنبؤ بصورة الانفجار، ولكن يمكن التنبؤ بحتميته، وبانتشاره عالميا، ما لم يتحقق تغيير جذري في التعامل مع الإنسان على مستوى عالمي، وهذا ما لا يوجد حتى الآن مؤشر لحدوثه.
عندما سقطت الملكية في فرنسا كانت في أوج سيطرتها وبطشها، وعندما سقطت القيصرية في روسيا كانت في ذروة تسلطها وعنفوانها، وعندما سقطت شيوعية ديكتاريوية العمال بعد أن أصبحت شيوعية ديكتاتورية الحزب على العمال وسواهم كانت في أقصى درجات تسلحها وجبروتها، ولئن تكررت سنة التاريخ وسقط ملوك المال في الرأسمالية المتشددة والعولمة المتوحشة، فلن يمنع من السقوط ما يبدو للوهلة الأولى قائما على قوة السيطرة والتسلط والتسلح.
ولئن صح رأي من ينفون مقولة التاريخ يعيد نفسه فقد يصح قولهم على شكل الأحداث وليس على جوهرها، وبعض وسائلها وعلى تأكيد مصداقية السنن الاجتماعية والتاريخية وعوامل الدفع الكامنة فيها.
الأسرة البشرية في خطر كبير، لا سيما وأن انتشار الاستبداد بأشكاله الحديثة، دوليا ومحليا، لم يعد مقيدا بحدود جغرافية، وهذا ما جعل ردود الفعل عليه محتمة بما يتجاوز الحدود الجغرافية.
من معالم الخطر
في فترة سابقة من المسيرة الرأسمالية، وصلت الضغوط على العمال وأسرهم إلى درجة لا تُحتمل، فاندلعت ثورات صغيرة متفرقة أخمدت بالقوة في أكثر من بلد رأسمالي، وكان ذلك قبل أكثر من قرن ونصف القرن، ونشهد شبيه ذلك الآن في أكثر من بلد بدرجات متفاوتة.
وكانت المرحلة الثانية مرحلة تنظيم القوى العاملة نقابيا وبأساليب أخرى، فجاء خلالها إعلان اليوم العالمي للعمل والعمال لإحياء ذكرى ضحايا سقطوا قبل إعلانه. وإن ما يجري الآن يمكن أن يتمخض عن شكل من أشكال التلاقي التنظيمية بصور جديدة حديثة ما بين مَن يُسلبون حق مقومات الحياة المعيشية الأساسية.
ثم كانت المرحلة الثالثة التي شهدت فيما شهدت الثورة الشيوعية داخل العالم الغربي الرأسمالي، وكانت الحصيلة ما شهده العالم من حرب باردة على مرجل مخاطر التسلح النووي والردع المتبادل، فهل نشهد انفجارا مشابها قريبا نتيجة الضغوط المستمرة والمتصاعدة الآن؟
الأسرة البشرية في خطر كبير يؤكد أنه لا بد من نقلة حضارية جديدة، تنطوي على أسس ومناهج جديدة في التعامل مع الإنسان والعلاقات البشرية.
موقع العمل والعمال
من الميادين التي تستحق الاهتمام في استشراف معالم النقلة الحضارية المرجوة ما يكمن في التعامل مع العمل والعمال الذي يطرح نفسه في مناسبة يوم عالمي فقد مغزاه.
إن تكريم العمل – وهو العمود الفقري لكل إنتاج على طريق التقدم المادي – أهم وأجدر بما لا يقاس من تكريم المال، وهو وسيلة للتعامل وليس هدفا بحد ذاته.
وإن تكريم العامل المنتج أولى وأجدر من تكريم صاحب المال، لا سيما إذا بات يكنزه أو يستغله أو لا يبالي كيف يسيطر عليه ولا أين ينفقه، فهمّه هو المنفعة الأنانية الذاتية فحسب.
وإن الجهد الجماعي الواجب لتأمين العمل مصدرا لرزق كل عاطل عن العمل هو من معايير التحضر والرقي والتقدم والرفاهية بالمعنى الإنساني المغيب عن هذه المصطلحات، وإن تأمين العمل أجدر بمختلف المقاييس بالسعي لتحقيقه، من السعي بأي صورة من الصور لتكديس الثروات دون تداولها، أو هدرها في غير مواضع المصلحة البشرية لإنفاقها، وتصوير ذلك معيارا للنهوض وقد أصبح واقعيا معيارا للترف على أنقاض النهوض، ناهيك عن توظيف قوة المال لقهر الإنسان بدلا من تلبية احتياجاته المشروعة.
لهذا ولأسباب عديدة أخرى لا ينبغي أن تنتشر الصور الشاذة التي صنعتها الرأسمالية المتشددة والعولمة المتوحشة، وتوشك أن تحرق بنيانها، فتشمل بلدانا فيها شعلة إرهاصات حضارية يرجى أن تتمخض عن نهوض جديد، يشمل هذه البلدان والأسرة البشرية معها.
نرصد على صعيد العمل والعمال – وهو مثال على سواه – كثيرا من الصور الشاذة الخطيرة البعيدة المدلول، مثل التعامل مع العمال المستوردين إلى بلدان الخليج، أو العمال الثائرين من أجل لقمة العيش في مصر وسواها، أو مع العمال المحرومين من رفع دخولهم مع ارتفاع تكاليف الحياة في الأردن وسواه، ناهيك عن التعامل تعامل الأعداء بين الدول الشقيقة، وتجميد مشاريع كبرى لتحقيق الأمن الغذائي بقيود الخلافات السياسية المدمرة ومقاييس النفعية الذاتية الضيقة.
إن كل خطوة لترسيخ الاستبداد الاقتصادي مع الاستبداد السياسي، وقمع مطالب الحصول على حق اللقمة الكريمة إضافة إلى قمع مطالب الحصول على حرية الكلمة وغيرها من الحقوق والحريات الأساسية، لا يمكن أن يخدم هدفا واحدا من الأهداف القويمة في بلادنا وعلى المستوى البشري. وإننا لا ندعو فقط بل نطالب بإلحاح فالمخاطر لا تسمح بالانتظار:
١- أن يكون تأمين حدّ الكفاية لحياة معيشية كريمة لكل مواطن فرد في البلدان العربية والإسلامية هو المنطلق الأول في وضع المناهج والمخططات الاقتصادية والمالية والمشاريع الاستثمارية الزراعية والصناعية والخدمية بين هذه الأقطار دون تدخل أجنبي بأي ذريعة، وبأي شكل من أشكال التدخل، فجميع ما كان من ذلك حتى الآن كان من عوامل زيادة التخلف والتجزئة.
٢- تشريع القوانين الهادفة إلى إعادة توزيع الثروات على مستوى البلد الواحد، وما بين الأقطار العربية والإسلامية، بما يحقق مصالحها العليا المشتركة، ويوقف ما يقضي على هذه الثروات، عبر استثمارات وودائع خارجية غير مؤمّنة ولا مثمرة حضاريا، وعبر فساد داخلي مدمر للجميع، حتى للفاسدين المفسدين أنفسهم
٣- تشريع القوانين الهادفة إلى إعادة الاعتبار للكفاءات والاختصاصات ودورها في عملية البناء والنهوض، وإعطاء الأولوية في كل ميدان اقتصادي ومالي للمصلحة الوطنية والمشتركة، وتنشيط البحث والتطوير ذاتيا، من وراء جميع ألوان العلاقات الخارجية، التي يجب تقويمها لتكون فعلا على أساس مصالح متبادلة، وليس شارعا باتجاه واحد، كما هي الآن.
٤- رفع المظالم بمختلف أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعتبار ذلك هو الوسيلة الوقائية الوحيدة دون أن يتحوّل الاحتقان المتزايد حجما وخطورة، إلى انفجارات صغيرة وكبيرة، في بلد بعد بلد، وعلى صعيد فئة بعد أخرى، مما لا تنفع معها قطعا وسائل القمع تحت عنوان “الأمن”.
ولا ندعو فقط بل نطالب بإلحاح فالمخاطر لا تسمح بالانتظار، أن يتلاقى العلماء والمفكرون والمتخصصون على:
١- وضع خطط شمولية بعيدة المدى، ومنهجية عملية قابلة للتطبيق، للانتقال ببلادنا العربية والإسلامية من الواقع الفاسد القائم فيها على معظم الأصعدة، إلى واقع جديد تكون الكرامة الإنسانية عنوانا له، والتعاون على البر والتقوى أساسا لتحقيقه.
٢- العودة إلى المبادئ التي نعرفها من معين الإسلام، مثل “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” في ميدان العمل والعمال، أو {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} -البقرة:١٨٨- أو {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ} -الحشر: ٧- وغير ذلك من الأسس القويمة لوضع مناهج تصاغ بمشاركة المتخصصين بما يجعل تلك المناهج قابلة للتطبيق في واقع أقطارنا العربية والإسلامية وفق معطيات عصرنا الحاضر.
٣- القيام بحملة توعية شاملة للفرد ليستوعب واجباته وحقوقه، فلا يقصر في أداء واجباته، ولا يركن لاغتصاب حقوقه، في مختلف الميادين، وليستوعب الطرق والوسائل المجدية للوصول إلى هذا وذاك من خلال التحرّك الفعال والبذل المتواصل.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب