عصام العطار الإنسان والمنهج – في ندوة ترجمة عصام العطار

بمشاركة زهير سالم وإدارة فادي أبو البراء

من سلسلة مجالس الصفا والوفا – مركز مناصحة – بإشراف إدارة الأوقاف والإفتاء والشؤون الدينية في إعزاز وريفها شمال سورية

0 55
لم يتوفر تسجيل مرئي للندوة
مقتطفات من حديث عصام العطار في الحلقة الرابعة عشرة من مراجعات في قناة الحوار

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبعد،

فيؤسفني اضطرار دكتور غازي التوبة للغياب وأسال الله له الشفاء.

رغم اقتصار الحديث المطلوب مني على جانبين من جوانب شخصية عصام العطار رحمه الله، فليس سهلا عليّ الحديث مع إيجاز الكلام في عشرين دقيقة وفق الدعوة إلى هذه المشاركة في هذا المجلس من مجالس الصفا والوفا بإدارة مركز مناصحة.

الواقع أن الفصل بين جانب وآخر عسير أصلا ، فالجانب الإنساني مثلا أو الجانب الفكري مثلا آخر كان كل منهما يتجلى دوما في الجوانب الأخرى من حياة الفقيد وعطاءاته، المعيشية اليومية، وفي سيرته الدعوية ومساراته الحركية، وإبداعاته الأدبية النثرية والشعرية، وكذلك في منهج تحركه السياسي وفق ما التزم به في سورية ثم في المنفى، وقد التزمت الحديث المركز عن الجانب الإنساني وعن المنهج عند أستاذي عصام العطار رحمه الله، ويبقى التداخل مع جوانب أخرى محتملا فأرجو المعذرة إن جنح بي الحديث إليها ولو تلميحا دون إطالة أو تفصيل.

*  *  *

المبادئ الأساسية في منهج عصام العطار رحمه الله

أبدأ بجانب المنهج في حياته وعطاءاته لا سيما في العمل الإسلامي الدعوي والحركي؛ فأقف هنيهة عند المعنى اللغوي لكلمة منهج، وهو الطريق أو وضوح الطريق كما ورد في لسان العرب والقاموس المحيط، ونستخدم كلمة منهج للتعبير عن مجموعة عوامل توضح مسار الفكر والعمل توجيها وتخطيطا وتنفيذا.

وأتجنب الاستغراق في هذا الجانب التنظيري فالمهم هو إدراكنا لأهمية المنهج وضرورته في ميادين عديدة كالبحث العلمي أو الإنتاج المادي، وكذلك في العمل الدعوي والحركي، لا سيما لضبط مسارات القيادة وأجهزة العمل؛ وأحسب أن العامل المميّز ليكتسب منهج ما هذا الوصف هو وجود جملة من المبادئ الأساسية التي يلتزم بها من يضع منهجا أو يتبنى منهجا في عطاءاته من قول وعمل.

في الحالة المطروحة بين أيدينا أي السؤال عن منهج عصام العطار رحمه الله ننطلق إذن من جملة مبادئ أساسية التزمها في الدعوة والحركة، وعموم مسيرته وعطاءاته، وثبت على تلك المبادئ في الوطن عندما عاش ونشط فيه، وفي المنفى عندما اضطر للحياة والعمل خارج موطنه؛ أي ننطلق من تلك المبادئ التي لا تتطلب التغيير مع تبدل المكان ولا مع مرور الزمن ولا تقلب الظروف والمعطيات المحيطة بتطبيقها عمليا. ولا يخفى أن عنصر الثبات هذا لا يشمل ما ينبغي أن يتغير ويتطور بالضرورة من أساليب ووسائل وأدوات للممارسات القولية والعملية في خدمة الدعوة والحركة والأنشطة الأخرى، وفي خدمة الأهداف البعيدة والقريبة.

*  *  *

من عايش أو تابع عن بعد أو من كثب سيرة عصام العطار رحمه الله، يعلم أن أبرز ما نادى به وطبقه من مبادئ هي بمنزلة الثوابت، هو ما نشر بقلمه تحت عنوان: بعض المفاهيم والأسس في العمل الإسلامي وقد اختصرها في أربعة عناوين جانبية محكمة الصياغة، أذكرها وأدع الاستفاضة في مضامينها للحوار إن أراد أحد الحوار بصددها، وهي:

١- الإسلام هو الأصل والحركات كلها وسائل

٢- جماعة من المسلمين لا جماعة المسلمين

٣- الأخوَّة الإسلامية أخوة بالإسلام نفسه

٤- التعاون من أوجب الواجبات

ومن صحبة أستاذي عصام العطار لعدة عقود أستخلص مبادئ أخرى ثابتة في منهجه، فأضيفها إلى ما سبق كأسس للعمل؛ المبدأ الخامس هو ما عبر عنه في مقالة بعنوان:

٥- يجب أن يبدأ في أنفسنا التحول؛ وهذا مبدأ مستمد من القرآن الكريم، ويسري على كل عمل فردي أو جماعي، فكري أو تنظيمي، تربيوي أو إنتاجي.

ثم المبدأ السادس الذي عبر عنه بقوله:

٦- لا يوجد أصغر من أن يعلّم ولا أكبر من أن يتعلم؛ وقد يبدو للوهلة الأولى أنه خاص بالعلاقة المطلوبة بين الأجيال، إنما يسري أيضا أو ينبغي أن يسري على من تتسرب إليه نظرة طبقية في قطاعات التعليم والبحث العلمي والتأليف، وقطاعات الدعوة الدينية ما بين العلماء وبينهم وبين من يوصفون بطلبة العلم وحتى المريدين؛ والأهم هو ما ينتقل مفعوله إلى المعاملة اليومية بيننا، وأشهد بأن عصام العطار كان يستمع ويصغي للصغير والكبير، والمتخصص والمتعلم، والرجل والمرأة، فكان يستفيد ويفيد من ذلك. وأزعم أن تطبيق هذا المبدأ على مستوى العلاقات بين الحركات والمؤسسات والجماعات الإسلامية، يزيل كثيرا من الشوائب والعراقيل في وجه العمل المشترك.

أما المبدأ السابع فهو مما أثار قبل ردح من الزمن بعض الانتقادات والحوارات لا سيما في فترة انتشار تأثير العمل الإسلامي في أوروبا على بعض الميادين في البلدان العربية والإسلامية، وهو مبدأ شاع التعبير عنه بأسلوب الشعارات:

٧- الإسلام المستقل المتميز أو العمل الإسلامي المستقل المتميز؛ وكلمة متميز لا تثير مشكلة عند إدراك أن المقصود منها توصيفي وليس ادّعاء الأفضلية، فهو بمعنى اعتماد المنطلقات والأهداف وطرائق العمل على مصادر الإسلام كما أنزل، وعلى مقاصده كما كان التوافق عليها منذ العهد الإسلامي الأول.

ولكن تنشأ المشكلة غالبا عند تطبيق مفهوم المخالفة على إعلان الالتزام الذاتي بالتميز، ولا أخوض هنا في محاولة إزالة الالتباسات، إنما أؤكد أن ما أعرفه عن عصام العطار رحمه الله، هو أن هذا المبدأ ليس احتكاريا، ولا ينفي وجود سواه من باب تعدد الاجتهادات، الصادرة عن رؤى إسلامية متباينة، دون تشكيك في النوايا، ومع اعتبار أن هذا الاجتهاد هو اجتهاديّ، أي هو في نظر صاحبه صواب يحتمل الخطأ، كما أن للآخر اجتهاده وينبغي أن يكون في نظره صوابا يحتمل الخطأ؛ يسري شبيه ذلك على كلمة الاستقلال أكثر من كلمة التميز، فقد كان عصام العطار يؤكد تأكيدا قاطعا على وجوب استقلالية العمل الإسلامي عن الارتباط بمنظومات السلطة جميعا، دون أن يرفض السلوك الاجتهادي للآخرين، ما دام لا يقترن بقبول شروط إملائية، مرئية أو خفية، أو قبول بعض أشكال التبعية المرئية أو الخفية.

يتصل بما سبق ما أعتبره في موضع المبدأ الثامن للمنهج وهو:

٨- الانفتاح المتوازن؛ والمقصود بالانفتاح هو العلاقات مع الآخر بمختلف معاني الكلمة عقديا وفكريا وثقافيا وتنظيميا وتوجها سياسيا، وهذا المبدأ مع مبدأ الاستقلال والتميز بمنزلة الجناحين للعمل الإسلامي، الفردي والجماعي؛ ولا يمنع ذلك التركيز على أحدهما أحيانا وفق معطيات وظروف واحتياجات آنية، وهو ما كان من الأمثلة عليه التحرك مع مطلع السبعينات من القرن الميلادي العشرين لتأسيس العمل الإسلامي وتنميته في الغرب، فكان التركيز على التميز الاجتماعي ضروريا للحفاظ على الذات الإسلامية وسط ضغوط اجتماعية وثقافية وإعلامية كبيرة، بينما تأخر بذل جهود خاصة لصالح الانفتاح المتوازن لمرحلة تالية، أي لمرحلة رسوخ البذور الأولى للعمل وانتشار الصحوة الإسلامية، واعتماد دور الأسرة ودور المساجد والمصليات في الحفاظ على تكوين الفرد المسلم واحتياجاته في وسط مجتمعات ذات غالبيات من غير المسلمين.

الواقع أن الانفتاح المتوازن ينقلنا تلقائيا إلى الجزء الثاني من هذه الكلمة، وأعني به ما يتعلق بالجانب الإنساني في بوابة ترجمة شخصية عصام العطار رحمه الله.

ولكن يحسن قبل ذلك التنويه بأن المبادئ الثمانية التي ذكرتها لا تشمل سائر ما يتعلق بمرتكزات المنهج في حياة الفقيد الراحل، لا سيما الدعوية والحركية، بل يوجد المزيد، ولا أزيد مفضلا الإيجاز، إنما أذكر بعض العناوين دون تفصيل:

٩- الجمع بين الأهداف الجليلة البعيدة الثابتة وبين الأهداف المرحلية الممكنة المرئية

١٠- انطلاق العمل من واقع الإمكانات الذاتية مع السعي لتنميتها وتطويرها باستمرار

١١- وجوب التأهيل والتخصص والتفوق والحرص على التكامل لتحقيق النجاح

١٢- التوازن في الحياة الخاصة والعامة بين الجوانب الروحية والتعبدية والعلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

*  *  *

الإنسان وموضعه في ترجمة شخصية عصام العطار رحمه الله

عصام العطار إنسانا.. هذا عنوان جانبي بطريقة تعبير خطابية أو إنشائية، وقد يتبادر إلى الأذهان منه أن المقصود هو مجرد المشاعر الإنسانية التي تصبغ صفات فرد من الأفراد عند وقوع حدث من الأحداث أو رؤية مشهد معبر من المشاهد.

هذا مما نجده لدى عصام العطار، رحمه الله، ولكن يوجد المزيد، ويظهر هنا مفعول ما سبق ذكره بشأن تداخل الجوانب الشخصية، وقد سمعتم عن عصام الأديب والخطيب، وهنا تتدفق المشاعر الإنسانية بقوة، ومن شاء تفصيلا لذلك فليعد إلى الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة مراجعات التي استضاف فيها الأخ والأستاذ الفاضل عزام التميمي حفظه الله عصام العطار قبيل اندلاع الثورات الشعبية العربية، وسيجد من يرجع إلى تلك الحلقة من مراجعات في محطة حوار التلفازية.. سيجد كيف يتداخل عنصر الإنسان إلى الأعماق في الجانب الأدبي من شخصية عصام العطار رحمه الله، مما يتبين في الحديث عن بعض مشاهير عوالم الشعر العربي، وقد استغرق نصف تلك الحلقة، إنما يجد مشاهد الحلقة أيضا جوانب أخرى تدخل تحت عنوان عصام العطار الإنسان، لا سيما في نطاق الرؤية الفكرية والحركية والسياسية. ووددت لو تعودون بأنفسكم إلى سماع عصام العطار نفسه للتعرف على ما تعنيه الرؤية الإنسانية العالمية لديه، إنما اسمحوا لي أيضا أن أدعكم تسمعون بعض المقتطفات التي استخرجتها من الحلقة المذكورة، وهي أي المقتطفات في حدود خمس دقائق:

مقتطفات من حديث عصام العطار في الحلقة الرابعة عشرة من مراجعات في قناة الحوار

 

إن الجانب الإنساني والعالمي في شخصية عصام العطار جانب يشمل درجات وميادين عديدة أعدد بعضها دون تفصيل في ختام هذه الكلمة:

١- هو الإنسان في تعامله مع الأطفال والناشئة وكم رأيناه يداعبهم ولا يضيق بهم ولا يشتد معهم بدعوى التربية.

٢- هو الإنسان في تعامله مع أفراد أسرته.. وقد اشتهر من ذلك ما كان عليه من علاقة مع زوجه الشهيدة بنان الطنطاوي قبل اغتيالها ومن بعد حتى وفاته.. وهو الإنسان في تعامله مع أسرته عموما، وقليل منا من تابع عصام الإنسان عندما فقد حفيدته هدى مثلا، وهي شابة في مقتبل العمر، مما كان امتحانا له ولابنته هادية وأخيها أيمن، بعد امتحان الأسرة  باستشهاد بنان الطنطاوي رحمها الله.

٣- هو الإنسان في تأثره إلى درجة المرض لأيام في متابعة المآسي والفواجع التي تصيب أهلنا في بلادنا في الحروب العدوانية وتحت بطش الاستبداد.

٤- هو الإنسان في تأثره بما أصبح يسود العالم من أوضاع شاذة ومظالم متعددة الوجوه والميادين، مما ينال من المسلمين وغير المسلمين.

٥- وهو أيضا الإنسان المنفتح بتعرفه على أفضل ما في الإرث المعرفي العالمي أدبا وفكرا وفنا وقيما وفي التفاعل مع الإيجابي من ذلك تفاعلا حيويا.  

٦- وهو أيضا الإنسان الذي يعتبر رسالة الإسلام رسالة إنسانية عالمية ويستخلص من ذلك وجوب ارتفاع العمل الإسلامي أفرادا وجماعات إلى المستوى المطلوب بتحقيق الأهداف الكبيرة وأداء الواجبات الجليلة المترتبة على ذلك.

وتحتاج هذه البنود الستة إلى إضافات وتفصيلات مما يتجاوز الوقت المخصص في هذه الندوة فأرجو أن أكون قد وفيت ببعض المطلوب والسلام عليكم ورحمة الله