..ميشائيل لودرس – من يزرع الريح

مطالعة نشرت في شبكة الجزيرة يوم ٢٤ / ٧ / ٢٠١٥م

ميشائيل لودرس: لن يستعيد الغرب قيمه دون وضع المسؤولين.. أو بعضهم على الأقل في المحكمة الجنائية الدولية

879
١٠:١٥ دقيقة

مطالعة

العنوان: من يزرع الريح..

عنوان إضافي: ما تصنع السياسة الغربية في المشرق

المؤلف ميشائيل لودرس

الناشر دار نشر بيك في ميونيخ / ألمانيا

عدد الصفحات: ١٧٦ صفحة

الطبعة الأولى: ١٠ / ٣ / ٢٠١٥م

منذ سنوات ونسبة الكتب الصادرة باللغة الألمانية، والناقدة للسياسات الغربية، لا سيما الأمريكية، في ارتفاع مطرد، وبغض النظر عن موقفه الإيجابي من إيران والسلبي من الثورات الشعبية ولا سيما في سورية.. بغض النظر عن ذلك يعتبر مؤلف هذا الكتاب د ميشائيل لودرس، في مقدمة الناقدين للسياسات الغربية، ومن أواخر كتبه المنشورة كتاب بعنوان القوة العظمى المنافقة، الصادر عام ٢٠٢١م، ويشرح المقصود في العنوان الثاني الإضافي بقوله: علام يجب علينا الخروج من ظل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد جمع لودرس بين دراسة العلوم السياسية والإسلام والأدب العربي، وقضى في هذا الإطار عامين دراسيين في جامعة دمشق، وكتب رسالة الدكتوراة في برلين حول السينما المصرية، واشتغل لسنوات عديدة منتجا لأفلام وثائقية، ولتسع سنوات محررا ومراسلا لشؤون “الشرق الأوسط” في “دي تسايت”، كبرى الصحف الأسبوعية الألمانية، وأصبح أحد الخبراء والمستشارين الألمان حول المنطقة العربية والإسلامية وعلاقات الغرب معها، ولا يزال يُطلب رأيه من مؤسسات علمية وجامعية، ومن وزارتي الخارجية والتعاون الاقتصادي الألمانيتين، وكذلك في محطات التلفزة والإذاعة.

مشهد انقلابي متكرر

في آذار / مارس ٢٠١٥م صدر كتاب يبدأ عنوانه بالشطر الأول من مثل شعبي معروف: من يزرع الريح… وتتمته: يحصد العاصفة ويليه الشرح في عنوان إضافي: ما تصنع السياسات الغربية في الشرق.

ويقول الناشر عن الكتاب: (يصف ميشائيل لودرس في هذا الكتاب التدخلات الغربية في الشرقين الأدنى والأوسط، ويكشف عن عواقبها المدمرة، ومنها الإرهاب، وانهيار الدول، وانسياح الميليشيات المسلحة الإسلامية، فيشعر القارئ أنه يقرأ رواية سياسية مرعبة، ولكنه -للأسف- يصف الواقع القائم فعلا).. كما يتحدث عن الكتاب روبرت نويديك، أحد المشاهير في الإعلام والتأليف والعمل الإنساني فيقول: (هذا كشف حساب لم يسبق أن قرأنا مثله من قبل).

ويجد محتوى الكتاب التقدير العام لدى القارئ الألماني، نتيجة منظوره الغربي، ومثال على ذلك التركيز على أن الإرهاب، وليس الاستبداد وقمع الثورات، هو العاصفة التي تمثل حصاد السياسات الغربية، بينما يجد القارئ العربي المتابع للأحداث الجارية، تناقضا بين انتقاد الكاتب للغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التعاون مع المستبدين.. وبين مطالبته للغرب بالاستمرار في التعامل مع أحدهم، عندما يؤكد خطأ الإصرار على إسقاط الأسد، فهو في نظره سياسي واقعي وكان الأولى التفاهم مع داعميه.

ونعلم أن أنشطة الاستخبارات الأمريكية في المنطقة بدأت مع انتقال الإرث البريطاني للسياسات الأمريكية، فكان أول منتجاتها انقلاب حسني الزعيم في سورية عام ١٩٤٩م كما يقول مايلز كوبلاند في لعبة الأمم، ولكن المؤلف يبدأ كشف الحساب عند لودرس بالانقلاب الاستخباراتي الأمريكي / البريطاني على مصدق في إيران عام ١٩٥٣م، ويبدو كأنه يتحدث عن حالات معاصرة -كما في مصر- إذ يطرح عناصر الطريقة المتبعة: شيطنة من يجري تصنيفه قبيحا بسبب تعارض سياسته مع مصالح غربية، ثم تدبير عمليات محددة باليوم والساعة وأسماء المشاركين فيها، بما في ذلك المظاهرات وعمليات التخريب، حتى الوصول إلى مرحلة تدخل أجهزة أمنية وعسكرية. ليقول في الحصيلة: (لولا انقلاب ١٩٥٣م.. ما وقعت الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩م).

عاصفة تنظيم الدولة

يتكرر نموذج هذا المثال عن إيران في حديث الكاتب عن دعم عسكري لفصائل المجاهدين في أفغانستان عام ١٩٧٩م أي قبل الغزو الروسي، مع تقدير أن هذا من شأنه أن يدفع موسكو للتدخل عسكريا، كما جاء في الفصل الثاني ‎من الكتاب بعنوان الفصل الأخير في هندوكوش.. ليقول إن الدعم الأمريكي والسعودي للمجاهدين في أفغانستان، حصد ظهور القاعدة وطالبان من بعد.

وعلى النسق ذاته يمضي في  الفصل الثالث بعنوان (انتهت المهمة بنجاح – الأمريكيون يوجدون الأسس لظهور تنظيم الدولة الإسلامية). إذ  يعتبر ذلك نتيجة مسيرة تاريخية بدأت بدعم صدام في الحرب العراقية-الإيرانية، ثم توجيه ضربات متوالية للقضاء على العراق نفسه بعد احتلال الكويت، ثم تغييب رؤية سياسية واضحة بعد الاحتلال وإسقاط صدام، ليقول في الحصيلة إن الفراغ السياسي والعسكري والامتناع عن تفعيل حوار وطني جامع، أوجد فوضى سياسية وأثار تناقضات طائفية وقومية، شملت تفكيك الجيش والحزب، فاكتملت المهمة الأمريكية وكانت النتيجة: ‎الأسس الممهدة لظهور تنظيم الدولة الإسلامية.

وينتقل الفصل الرابع بعنوان تصنيف الجهاديين بين حسن وقبيح، لتفسير التربة الملائمة للإرهاب عبر انتشار الإحباط.. والتطرف مكان الأمل الذي أثارته ثورات الربيع العربي، فيقول (إن الغرب يحمّل الإسلام المسؤولية ويربطه بالقرون الوسطى، ويتجاهل الأسباب الحقيقية، أي التأثير عبر التدخلات الخارجية وحتى فرض شروط اجتماعية).

هنا يفصل في الحديث عن الثورة في سورية، في إطار الدفاع عن داعمي نظام الأسد، ويقول إنهم لا يتشبثون به، ولكن لم يجدوا من الغرب تعاملا موضوعيا للحفاظ على مصالحهم، بل أصرّ على إسقاط الأسد رغم قابلية التفاهم معه باعتباره واقعيا في سياساته، وبهذه النظرة يحمل الكاتب السياسة الغربية مسؤولية ما شهدته سورية، بما في ذلك ظهور تنظيم الدولة.

سياسة الأرض المحروقة الغربية

(الغرب يوجد بنفسه إلى حد كبير الخطر الإرهابي الذي يتهدده).. هذا ما يريد الكاتب تأكيده في الفصل الخامس بعنوان في قلب الظلمات، فالحملات والتدخلات العسكرية وغير العسكرية، منذ تفجيرات نيويورك وواشنطون عام ٢٠٠١م أدت إلى إسقاط أنظمة وإضعاف دول ولكنها دعمت في الوقت نفسه انتشار تنظيمات متطرفة ابتداء بالقاعدة وطالبان انتهاء بتنظيم الدولة.

ويستعير الكاتب تعبير “الحلف المقدس” من ثنايا التاريخ الغربي ليجعله عنوان الفصل السادس حول الاعتماد الأمريكي على المستبدين والإقطاعيين‎، مما يشمل دعم الأنظمة ودعم الانقلابات العسكرية، كما يشهد التعامل مع دول الربيع العربي بدءا بليبيا انتهاء بمصر، ويصل حتى إلى رفض الغرب نتائج انتخابات ديمقراطية إذا أسفرت عن نجاح من لا يرتبط بالغرب، فهذا ما باتت تعنيه أولوية المصالح الغربية.

وينبه الكاتب إلى ضرورة التمييز بين الاتجاهات الإسلامية المتفاوتة ما بين تنظيم الدولة، حتى إردوجان، فينكر على الفكر الغربي استبعاد قابلية نشر الحريات في العالم العربي والإسلامي بحجة عدم مروره بفترة التنوير على غرار أوروبا، معتبرا تونس نموذجا على ما ينقض هذه النظرة.

ويكتمل عرض انحراف السياسات الغربية في التعامل مع المنطقة عبر حديث الكاتب في الفصل السابع: إطلاق يد إسرائيل؟.. عن حرب غزة عام ٢٠١٤م فالتأييد المطلق للسياسات والممارسات الإسرائيلية هو مما ينشر كلمات النفاق.. والازدواجية في ردود الفعل، كذلك فتشبيه حماس بالقاعدة سابقا وبتنظيم الدولة حاليا، هو أشبه بدعوة مفتوحة لظهور مزيد من الجهاديين الذي يقاتلون وفق شعار “المسلمون ضد اليهود”.

في خاتمة الكتاب -الفصل الثامن- نظرة استشرافية يظهر مضمونها عموما من خلال العنوان الفوضى العالمية الجديدة، فعلى النقيض من عصر الهيمنة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، تعددت مواقع هيمنة القوى ولكن دون مرتكزات فاعلة، تضبط مسارها ونتائجها. ليقول إن العنصر الحاسم في الحضارة الغربية قيمي وليس عنصر‎ القوة، وهذا ما يجب تثبيته، ولن يثبت بوضوح -كما يقول الكاتب في النهاية- (دون وضع المسؤولين عن زرع الريح وحصاد العاصفة أو بعضهم على الأقل في المحكمة الجنائية الدولية، وفي مقدمتهم بوش وتشيني وبلير ورامسفيلد).

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب