انقلابات في موازين التاريخ
تموز / يوليو شهر الانقلابات نموذجا
مفاهيم – الانقلابات تنتهك سيادة الشعوب ومرجعيتها وتتحدى إرادتها بالقوة
مفاهيم
لا يخفى أن الانقلابات العسكرية كانت كثيرة في بلادنا منذ رحيل الجيوش الاستعمارية، ونأخذ المثال على كثرتها مما صادف وقوعه في شهر تموز / يوليو من كل سنة، ويعود اختيار هذا المثال إلى أن أول انقلاب عسكري كان في مصر في هذا الشهر، وأن نشر هذه الكلمات يتزامن مع رحيل تموز يوليو من عام ٢٠٢٣م.
ويظهر من المثال كيف امتد وباء الانقلابات والمحاولات الانقلابية طوال العقود الماضية بكثافة عالية؛ ومن يتأمل في أوضاع بلادنا حاليا تظهر له النتائج الوخيمة للانقلابات، فيفقد كل عذر من الأعذار قيمته مما كان يساق لتبرير الانقلابات.
في شهر تموز / يوليو:
أوصل انقلاب ١٩٥٢م جمال عبد الناصر لاحقا إلى السلطة في مصر فما حال مصر الآن
أوصل انقلاب ١٩٥٧م بورقيبة إلى السلطة في تونس فما حال تونس الآن
أوصل انقلاب ١٩٥٨م عبد الكريم قاسم إلى السلطة في العراق فما حال العراق الآن
أوصل انقلاب ١٩٦٢م بومدين وبن بللا للسلطة في الجزائر فما حال الجزائر الآن
أوصل انقلاب ١٩٦٨م أحمد حسن البكر وحزب البعث للسلطة في العراق وسبق السؤال عن حال العراق الآن
أوصل انقلاب ١٩٧٠م قابوس بن سعيد إلى السلطة في عمان فما حال عمان الآن
أوصل انقلاب ١٩٧٣م محمد داوود خان للسلطة في أفغانستان فما حال أفغانستان الآن
أوصل انقلاب ١٩٧٧م محمد ضياء الحق للسلطة في باكستان فما حال باكستان الآن
أوصل انقلاب ١٩٧٨م المصطفى ولد محمد سالك للسلطة في موريتانيا فما حال موريتانيا الآن
أوصل انقلاب ٢٠١٣م عبد الفتاح السيسي للسلطة في مصر فما أصبح حال مصر عليه منذ ذلك الحين
أوصل انقلاب ٢٠٢١م عبر التلاعب بالدستور وبأجهزة الدولة قيس سعيد للسلطة في تونس فزاد الطين بلة على ما كان من قبل
ويلحق بالقائمة محاولة انقلاب منتصف تموز / يوليو في تركيا سنة ٢٠١٦م وقد أخفقت المحاولة نتيجة ما يشبه الثورة الشعبية ضد الانقلابيين.
يبقى شهر تموز / يوليو مثالا على سواه، فالانقلابات والمحاولات الانقلابية لم تنقطع عموما وفي بلادنا تخصيصا، حيث نجد من العناصر المشتركة بينها أن من يمارسونها يخجلون من التسمية الحقيقية أي الانقلاب، ويلجؤون إلى التزوير بمسميات أخرى، وهذا مؤشر على علمهم أن توظيف الجيش بعيدا عن مهمته الوطنية الجليلة، ليتدخل في السياسة ويغير السلطة بالقوة، هو أمر مذموم ممقوت وغير شرعي بحكم القوانين والدساتير المعتبرة، وقد يثير الانقلاب باسمه الصريح التحرك الشعبي المضاد كما حدث في تركيا، أو الرفض على أقل تقدير.
رغم تعدد التسميات يبقى المضمون كما هو، قوة تستعلي على الشعب الذي كانت ثروته مصدر وجودها، وهو ما يجعل الانقلابات أقرب إلى خيانة الشعوب التي لها السيادة والمرجعية، وهي التي أعطت الجيوش إمكانية الوجود ولكن لمهمة كريمة، وليس لانقلابات غادرة؛ هنا لا يكفي للتمويه زعم يسمّي الانقلاب ثورة، حتى وإن استخدمت هذه التسمية، عقودا بعد عقود بمفعول القوة المتسلطة.
ويسري شبيه ذلك على وصف الانقلابيين بأنهم “مكون دستوري” أي شريك في إقامة نظام حكم جديد، كما لو كان أي فريق من الجيش يصلح للمشاركة في مؤتمر تفاوضي تأسيسي للدولة، وهو ما ينكشف خطره عندما تقع كارثة جديدة بسبب الوجود الانقلابي على مائدة المفاوضات، فيظهر من العواقب ما يصل إلى مستوى دموي همجي، كما جرى في السودان على حساب الثورة الشعبية التي اندلعت في ١٩ / ١٢ / ٢٠١٨م، وكانت واقعيا ضد الانقلابات العسكرية جميعا، بماضيها سابقا وبتدخلها في السياسة مجددا.
ومن أغرب التسميات تسمية الانقلاب حركة تصحيحية، كما صنع حافظ الأسد سنة ١٩٧٠م في سورية، وهيهات تصلح خلايا سرطانية للشفاء من وباء سرطاني. والواقع أن عملية “التصحيح” المزعومة في التسمية المزورة كانت بداية ما شهدته سورية من بعد من تسلط همجي بلغ في العمل لقمع الثورة حضيضا لا مثيل له، وأعطى دليلا قاطعا على ما يمكن أن يبلغه أي نظام انقلابي يتسلط على البلاد والعباد.
وأستودعكم الله وأستودعه ضحايا الانقلابات والانقلابيين ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب