أبعاد التصعيد ضد السوريين في تركيا

ما حقيقة الممارسات وحجمها؟

رأي – ليس من مصلحة أي طرف التهوين ولا التهويل من شأن ما يجري

112
٥:٥٠ دقائق

رأي

ما حقيقة الممارسات المسيئة للسوريين في تركيا وما حقيقة تصعيدها من جانب السلطات التركية؟

هل تصح التبرئة الشاملة من منطلق عاطفي، أم هل يصح تعميم الاتهامات للتهويل من شأن ما يجري؟

قبل الحديث عن الاتهامات، يحسن السؤال: لماذا لا تصح التبرئة المطلقة المذكورة؟

كثير من المؤشرات يجعل من وقوع ممارسات مرفوضة أو من تصعيدها في تركيا بنسبة معينة أمرا مرجحا، هذا مع التمييز دوما بين المنطق التحليلي اعتمادا على المؤشرات والاستنتاج العلمي الذي يعتمد على معلومات موثقة. ويكفي هنا التنويه بمؤشرين اثنين.

المؤشر الأول: شهدت السياسة الإقليمية التركية قبل الانتخابات الأخيرة ومن بعدها تبدلات شاملة وجذرية، فلا أحد يجادل في نهاية حقبة عدائية في العلاقات بين تركيا والأنظمة القائمة في عدة دول عربية لا تحتضن الثورات الشعبية، وقمعها سبب التشريد الأول، هذا مع ملاحظة أن المواجهات الكلامية العدائية بين تركيا وبعض الأنظمة العربية لم تؤثر سلبا على حجم التبادل التجاري والاستثماري في السنوات الماضية، كما تقول الأرقام الرسمية؛ والسوريون في مقدمة المشردين، وقد كان من جوانب التبدل الكبير في السياسات الإقليمية التركية ما تطرحه مفاوضات رباعية رسمية، بمشاركة تركيا وممثلين عن بقايا النظام في سورية.

المؤشر الثاني: تحول موضوع التعامل مع الوجود السوري والعربي في تركيا إجمالا إلى محور رئيسي في الحملات الانتخابية الأخيرة، ولا يزال في مقدمة ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات البلدية القادمة، والجدير بالذكر أن الاختلاف بين أطروحات أحزاب المعارضة وأطروحات أحزاب السلطة تناول التفاصيل والكيفية وليس أصل الموضوع، ومن ذلك الترحيل الطوعي وتصحيح أوضاع غير قانونية، كما اضمحل نسبيا ذكر مقتضيات القيم الإنسانية والأخلاقية تجاه المشرّدين بسبب جرائم، أشدّها همجية ما مارسه وما يزال يمارسه ما بقي من نظام تسلطي في سورية.

لا داعي للتفصيل بصدد مؤشرات أخرى أيضا تتعلق بالعلاقات التركية – الغربية والتركية -الروسية -الإيرانية؛ بل تبقى الحصيلة أن التبرئة المطلقة للسلطات التركية غير منطقية من حيث الأساس التحليلي للمعطيات.

ولكن ماذا عن رصد الأرقام والمعلومات؟

أحدث الأرقام الرسمية ما صدر عن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا يوم ٢٦ / ٧ / ٢٠٢٣م ويقول بترحيل ١٦ ألفا من أصل حوالي ٣٧ ألفا ممن يصفهم باللاجئين غير الشرعيين أو غير القانونيين، بينما وصل عدد اللاجئين بالمجموع إلى حوالي ٤،٩ مليون منهم ٣،٣ مليون من السوريين، ولا يشمل هذا الرقم زهاء ٥٠٠ ألف انتقلوا كما قيل “طوعيا” إلى الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي.

بالمقابل توجد حالات فردية عن سوء المعاملة، يختلط الحديث عنها باستنتاجات إضافية، تعميمية وغير منهجية توثيقا، وهو ما يعبر عن غضب أصحاب العلاقة بحق، ولكن يتداولها أيضا مغرضون ممن يعادون السلطات التركية من الأصل لأسباب لا علاقة لها بالمشردين وأوضاعهم وتبدل التعامل معهم.

ليس من مصلحة أي طرف التهوين مما يجري ولا التهويل من شأنه، ولهذا فأول ما يؤمل تداركه من جانب السلطات التركية، أن تقوم بحملات توعية وتوجيهات مناسبة من حيث الشفافية ومن حيث المحاسبة على صعيد المسؤولين الإداريين التنفيذيين في الأجهزة المسؤولة عن قضايا المشردين واللاجئين والتعامل معهم، لا سيما عند المقارنة بين ذلك وبين ما يؤكده الرئيس التركي إردوجان مرارا أن المشردين ضيوف ولن يجدوا معاملة سيئة (وكان آخر تصريحاته بهذا الصدد يوم ٢٧ / ٧ / ٢٠٢٣م أثناء إعداد هذا المقال)

كذلك في مقدمة ما يؤمل ممن يتحدثون ويكتبون باسم المشردين واللاجئين من السوريين وسواهم، أن ينطلقوا من الحرص على المعلومة بدلا من تناقل الحكايات والمواقف دون تمحيص نزيه لمدى إمكانية تعميمها، والحرص على عدم التحرك بأسلوب يضاعف العداوات ويزيد من الأعداء، فليس في أوضاع قضايانا المستهدفة ما يبيح العمل على توسيع الثغرات واستخدام الكلمات كطلقات قاتلة، وبالتالي تحويلها إلى مبررات في صالح من يستهدفنا جميعا ويستهدف قضايانا، بغض النظر عن موقعه في تركيا وسواها.

وأستودعكم الله وأستودعه أهلنا جميعا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب