هشاشة دول مهيمنة عالميا

مؤشرات مفاجئة وكاشفة

خواطر – نحتاج إلى هزات عميقة التأثير لنخرج من شرنقة “عقدة الخواجة” لدينا تجاه الدول المهيمنة

55
٥:٠٠ دقائق

خواطر

حمل تمرّد منظمة فاجنر في الاتحاد الروسي مغزى عميقا عبّر بعض الغربيين عنه بأنه مؤشر على هشاشة الدولة الروسية داخليا؛ كما ترددت مجددا التحذيرات من خطر نشوب حرب نووية، قد يشعلها أشخاص في مناصب المسؤولية السياسية، ولكن لا يؤمَن جانبهم، ولا يستبعد عنهم اتخاذ قرارات متهورة. هذا كلام خطير ولكن يبقى في حدود نظرة تحليلية موضوعية تستند إلى ما جرى، ومقدماته، وما بدأ يترتب عليه؛ ولكن: قليلا ما سمعنا بالمقابل من ضيوف وسائل الإعلام من محللين وخبراء، إشارة أو تنويها إلى أن ما ظهر من هشاشة داخلية خطيرة الأبعاد في الدولة الروسية، سبق وظهر ما يشابهه من هشاشة خطيرة الأبعاد في الدولة الأمريكية، وتجلى في أحداث ساخنة واكبت انتقال مقاليد السلطة من الرئيس الأسبق دونالد ترامب إلى الرئيس الحالي جو بايدن، الذي يوشك أن يحمل وصف الرئيس الأسبق أيضا، قبل انتهاء ولايته الأولى.

لا تقتصر الهشاشة الداخلية على الدولتين الروسية والأمريكية، ولكن تختلف الأعراض أو المؤشرات على هشاشة الوضع الداخلي في دول أخرى، تعتبر عريقة وحديثة، وتوصف بالديمقراطية العتيدة، كبريطانيا، إذ لم تمنع هذه المواصفات من ارتكاب أخطاء جسيمة، كالتي ارتكبها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون، وقد أدّت في حينه إلى اضطرابات أوروبية على خلفية انسحاب بلاده من الاتحاد الأوروبي، مع أنه هو نفسه لم يكن راغبا في وقوع ذلك.

وتوجد مؤشرات أوضح للعيان بصدد هشاشة الأوضاع الداخلية في دول تشارك في الهيمنة على صناعة القرارات الحاسمة دوليا وفي فرض تنفيذها واقعيا، ومن ذلك ما جرى ويجري جولة بعد أخرى من احتجاجات شعبية في فرنسا ضد سلطات تتشبث منذ عقود بالتعامل مع الاحتجاجات وفق ما يسمّى الحلول الأمنية، دون أن تتعامل بجدية مع جذور الخلل المتفاقم من وراء الغضب الشعبي، وليست السلطات نفسها بريئة كما ظهر أكثر من مرة في أحكام قضائية لاحقة أثبتت أن الفساد منتشر فيها، ولا يوجد ما يضمن عدم الكشف عن مثل ذلك مستقبلا بحق من يشغل مقاعد السلطة حاليا.

لا يقولن قائل الآن علام لا نتحدث بدلا من ذلك عن الهشاشة في مكونات الأوضاع الراهنة في بلادنا، فهذا يحتاج لمجلدات وليس هو موضوع هذه النظرة الموجزة في زاوية أخرى من عالمنا وعصرنا.

إنما ننظر أيضا إلى من يأبى في وسائل إعلامنا، وضع دول غربية وأخرى شرقية في قفص الاتهام معا في مسألة الهشاشة الداخلية، محاولا تبرير ذلك بوجود محاسبة قانونية وقضائية في الغرب أحيانا، وليس في ذلك ما ينفي غياب الوقاية من ارتكاب المحظور سياسيا وقيميا؛ علاوة على غياب المحاسبة القضائية أصلا بصدد ما يستهدف “الآخر” سواء بمنظور تمييز عنصري أو منظور عداء محض مستحكم.

ورغم تنديد متواصل بحق يوجهها الغربيون والمتغربون لممارسات دول غير غربية، مثل الاتحاد الروسي، أو الصين الشعبية، أو الهند، ولكن لا نجد مفعولا لذلك التنديد يمنع تعاون الغرب مع تلك الدول نفسها، تبعا لتقلب المصالح المادية الذاتية، ولا يغير ذلك من مكانة الغرب لدى من يدافعون عنه وعن دوله مهما وقع من مظالم على حساب إنسانية الإنسان وحقوقه.

يبدو أننا في حاجة إلى مزيد من الهزات العميقة التأثير، لنخرج من شرنقة “عقدة الخواجة” بغض النظر عن تعدد اتجاهاتنا ورؤانا، فهذا يفترض أن يرتبط بالتلاقي على معيار مشترك هو معيار حماية إنسانية الإنسان، جنس الإنسان، وحماية حقوقه وحرياته.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب