يوم المسجد المفتوح في ألمانيا

التعايش دون ذوبان والتعارف مع الاحترام المتبادل

تحليل – مبادرة المسجد المفتوح تؤكد أن المسلمين في ألمانيا يعتبرون أنفسهم جزءا من المجتمع الألماني

101
المسجد المفتوح في بريمن

 

تحليل

في عام ١٩٩٧م صدرت عن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا مبادرة (المسجد المفتوح) بقصد أن يطلع العامة من سكان ألمانيا على المساجد من داخلها، ولفتح أبواب للحوار المباشر بين المسلمين وسواهم من السكان، واختير يوم الثالث من تشرين أول / أكتوبر من كل عام، وهو اليوم الرسمي للاحتفاء بإعادة توحيد ألمانيا، في إشارة إلى أن الإسلام والمسلمين جزء من ألمانيا الموحدة. وجاءت هذه المبادرة بعد موجة الاعتداءات العنصرية على المسلمين ومساجدهم وبعض مساكنهم خلال التسعينات من القرن الميلادي العشرين.

ومنذ الإعلان عن المبادرة ينضم مزيد من المساجد والمصليات إلى المشاركة فيها، وهو حمل عام ٢٠٠٧م شعار المساجد جسور لمستقبل مشترك؛ إذ فتح زهاء ألفي مسجد ومصلى (نحو نصف ما يوجد في ألمانيا) الأبواب للزائرين من غير المسلمين.

وتستقبل المساجد والمصليات سنويا أعدادا كبيرة من الزوّار غير المسلمين، وبلغ هذا العدد عام ٢٠٠٧م زهاء مئة ألف وفق المصادر الإسلامية ووسائل الإعلام الألمانية، وكان الحدث موضع متابعة إعلامية ملحوظة، صباحا بالإعلان والتعريف بالمناسبة عبر التلفزة والإذاعات والمواقع الشبكية للصحافة، ومساءً بنقل لقطات مصورة ومسجلة، مفصلة أحيانا، من بعض المساجد والمصليات.

وتفسح هذه المبادرة السنوية المجال للاحتكاك المباشر، والحصول على أجوبة على التساؤلات المطروحة عن الإسلام والمسلمين، مما اكتسب أهمية كبيرة وجعل يوم المسجد المفتوح حدثا إعلاميا واجتماعيا وثقافيا بارزا، مع توجه الحديث إلى منظور آخر غير المنظور الذي أثارته المخاوف، سواء بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون وما تلاها لاحقا على الأرض الأوروبية، أو المنظور الذي تحاول إثارتَه الإساءات المتتالية ومواقف الإساءة المتصلبة تجاه الإسلام، مع التركيز على مقام النبوة.

ويشمل الزوار مختلف الفئات الاجتماعية وفئات الأعمار بألمانيا، فكان أصغر زوار مسجد شهيدلك في برلين أنطون الطفل البالغ خمسة أعوام من العمر، وتقول والدته كيرستين إنها تريد أن يجد ابنها في سن مبكرة أجوبة على تساؤلاته بشأن مختلف الأديان، وقد استقبلتهما في المسجد بينار شيتين، وزوجها إندر شيتين، من أصل تركي، وهما من المجموعة التي تشكلت للإجابة على أسئلة الزائرين للمسجد الذي يزوره سنويا زهاء ثلاثة آلاف مواطن ألماني من غير المسلمين في يوم المسجد المفتوح، علاوة على زهاء عشرة آلاف في إطار ٤٠٠ جولة تعريف ينظمها المسجد لاستقبال مجموعات الزوار -كتلاميذ المدارس- على مدار العام. وكان أنطون وأمه في مجموعة ضمّت ١٠٠ زائر تقريبا تجمع أفرادها في المسجد، عندما بدأت بينار وزوجها معهم إحدى جولات التعريف به وبالمسلمين فيه في يوم المسجد المفتوح.

وقال مفوض شؤون الاندماج في برلين جنتر بينينج آنذاك إن يوم المسجد المفتوح علامة بارزة لازدياد ظهور الإسلام بصورة مباشرة على أساس الثقة بالنفس داخل المجتمع الألماني، ويضيف: في هذه الأوقات التي يُربط فيها بين كلمة الإسلام وكلمات الاضطهاد، وانعدام التسامح، والإرهاب، تتخذ مبادرات الانفتاح والشفافية في الحياة الإسلامية مكانة الإسهام المهم في العمل لتعايش مقبول بين الناس على اختلاف دياناتهم وتصوراتهم.

وشارك في المبادرة ١٦ من أصل ٧٠ مسجدا ومصلى في برلين، ويقول إندر شيتين إن عدم مشاركة المساجد والمصليات الأخرى يعود غالبا إلى أنها صغيرة، ويضاف إلى ذلك عدم توافر الكوادر المناسبة للقيام بجولات التعريف وإجابة الأسئلة، وهي المهمة التي أصبح يقوم بها في الدرجة الأولى المسلمون من ذوي أصل ألماني، أو مواليد ألمانيا من الجيل الثاني والثالث للوافدين المسلمين.

 مساجد في طور البناء

ما يسري على برلين التي يعيش فيها زهاء ربع مليون مسلم، يسري على سواها من المدن والبلدات الألمانية، مثل هامبورج التي شارك منها في المبادرة ٣٥ مسجدا ومصلى، أو دويسبورج التي لفتت الأنظار إليها بأكبر مسجد يجري بناؤه (تم البناء في هذه الأثناء) في ألمانيا بمنارة يبلغ ارتفاعها ٣٤ مترا ويحيط بها ١٩ قُبة، ويقع على مقربة من كنيسة كاثوليكية يرتفع برجها ٦٤ مترا، ويؤكد قسيسها أنّه تم الاتفاق على عدم انطلاق صوت الأذان من المنارة القريبة، ولا ترى زلفية كايكين – مديرة شؤون مركز الزيارات – ضرورة لذلك، مؤكدة أن الإيمان لا يحتاج إلى استعراض نفسه ليؤكد قوته في النفوس.

ويستفيد مسجد كولونيا الكبير الجاري بناؤه (تم بناؤه أيضا في هذه الأثناء) من المناسبة أيضا للإجابة على تساؤلات الزوار غير المسلمين، بعد أن أثارت خلافات عديدة حول بناء المسجد الاهتمام على صعيد الرأي العام.

ووصل عدد المساجد في ألمانيا بمسجدي دويسبورج وكولونيا إلى حوالي ١٧٠ مسجدا (وهي زهاء ٢٥٠ عام ٢٠١٧م مع إعادة نشر الموضوع في مداد القلم) أقدمها مسجد شفيتسينجن الذي أقيم عام ١٧٩٣م، إضافة إلى ٢٦٠٠ مصلى.

وقد ارتفع عدد المساجد والمصليات المشاركة في يوم المسجد المفتوح عام ٢٠٠٧م إلى ضعف ما كان عليه قبل عام واحد، ويعود ذلك إلى انضمام منظمة ديبيت الكبيرة نسبيا إلى المبادرة، في إطار المجلس التنسيقي للمنظمات الأربع الكبرى للمسلمين في ألمانيا. وقد تولت المنظمة هذا العام مهمة الإشراف على التعريف بالمناسبة وتوجيه الدعوة إلى المشاركة فيها، خلال مؤتمر صحفي عُقد لهذه الغاية في مدينة كولونيا في اليوم الأول من تشرين أول / أكتوبر، ووجد أصداءه الملحوظة في وسائل الإعلام.

وشارك في المؤتمر محمت يلدريم من ديبيت، وبرهان كيسيجس من مجلس الإسلام في ألمانيا، وإيرول بورلو من اتحاد المراكز الثقافية التركية، وأيمن مزيك من المجلس الأعلى للمسلمين، بالإضافة إلى عروض موسيقية وثقافية، كان من بين المشاركين فيها حلية كانديمير، المسلمة من أصل تركي، مطربة البوب سابقا، والتي قرأت نصوصا من أحد الكتب الإسلامية التركية، وهي معروفة للشبيبة في ألمانيا وعلى نطاق واسع، لا سيما بعد إصدار كتابها “ابنة السماء – من البوب إلى الحجاب” قبل عامين.

 تنشيط الاندماج الإيجابي

والواقع أن يوم المسجد المفتوح ساهم إسهاما كبيرا في الاندماج الإيجابي للمسلمين في المجتمع الألماني على أساس التعايش دون الذوبان، والتعارف مع الاحترام المتبادل، كما أعطى دفعة قوية لزيادة التنسيق بين المنظمات والاتحادات الإسلامية، وهو ما نقله من مبادرة باسم إحداها إلى مبادرة مشتركة، تجد أصداءها والتجاوب معها من جانب القائمين على المساجد والمصليات في جميع المدن الألمانية، فأصبح نموذجا للتعاون في المبادرات والأنشطة المشتركة، بعد أن كان كثير منها يتحرك بمعزل عن الآخر، وإن لم تختلف التصورات والأهداف.

كما أن التجاوب الكبير من جانب العامة ووسائل الإعلام الألمانية، ساهم بالمقابل في البحث عن مزيد من الوسائل من أجل دعم روح الاندماج دون الذوبان في المجتمع الغربي الألماني، ويشير إلى ذلك برهان كيسيجي من الاتحاد الإسلامي (التركي) في برلين، معلقا على استمرار غلبة استخدام التركية في مساجد المسلمين الأتراك في العاصمة الألمانية، فيقول إن كثيرا من مواضيع الاندماج باتت مطروحة في هذه المساجد، علاوة على تنظيم دورات تدريبية للأئمة وعامة المسلمين، لإتقان الألمانية واستخدامها، ولمعرفة أعمق بجوانب الحياة المعيشية اليومية في ألمانيا ومتطلباتها. وشبيه ذلك يسري أيضا على المناهج التي بدأ تطبيقها في تعليم أطفال المسلمين في المدارس ببرلين، ويحمل الاتحاد -وفق حكم قضائي- المسؤولية عن المشاركة في صياغتها.

واستعد كثير من المصليات والمساجد للمناسبة السنوية في وقت مبكر، بالعديد من العروض الترفيهية، والكلمات، ومعارض الكتب والفنون، وغير ذلك، إضافة إلى جولات التعريف، التي يتم من أجلها اختيار أفراد أقدر من سواهم على إجابة تساؤلات الزائرين بالألمانية، أو الحديث في كلمة قصيرة إذا ما ارتفع عددهم في ساعة معينة خلال اليوم، علاوة على دعوتهم لمشاهدة أداء صلوات الجماعة، وإضافة إلى توزيع بعض المطبوعات بالألمانية، أو تقديم العروض الخاصة إذا توافرت لذلك الإمكانات.

جزء من المجتمع الألماني

كما كان في عام ٢٠٠٦م تزامن يوم المسجد المفتوح هذا العام مع رمضان، وهو ما يضاعف نسبة المشاركة فيه من جانب المصليات والمساجد، كما يضاعف نسبة الإقبال عليها في يوم عطلة يأتي وسط الأسبوع، فلا يُستفاد منه في سفريات بعيدة، كما هو الحال لو أمكن وصله بعطلة نهاية الأسبوع، وبالتالي يفسح المجال أمام الفرد الألماني عادة للتردد على أحد المصليات أو المساجد القريبة، والاطلاع من كثب عليها من داخلها، مع انفساح المجال أيضا أمام إعطاء صورة حية ومباشرة عن أوضاع المسلمين في إطار ممارسة عباداتهم في رمضان.

وكان من التعليقات الرسمية على الحدث، ترحيب رئيس كتلة النواب المسيحيين الديمقراطيين بولاية هسّن كريستيان فاجنر بمبادرة المسجد المفتوح، ولكنه انتقد اختيار يوم الوحدة الألمانية موعدا سنويا لها، قائلا إنه لا ينبغي في مثل هذا اليوم ممارسة أنشطة واسعة النطاق تشغل عن مغزاه، على أن الناطق باسم المجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية بكير البغا، أكد ما سبق إعلانه عن المجلس الأعلى للمسلمين عند إطلاق المبادرة عام ١٩٩٧م، فقال إن اختيار هذا اليوم مقصود لتأكيد أن المسلمين في ألمانيا يعتبرون أنفسهم جزءا من المجتمع الألماني.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب