سورية في علاقات تركيا مع إيران

قضية سورية بين مواقف سليمة وأوهام عقيمة

رأي – يجب أن تكون قضية سورية العادلة على جدول أعمال الحوار في كل لقاء تركي-إيراني

83

رأي

(إن للحوار التركي – الإيراني دورا حاسما في حل العديد من المشاكل الإقليمية) هذا ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب إردوجان يوم ٨ / ٩ / ٢٠٢٠م في نطاق اجتماع آخر لما يوصف بمجلس التعاون التركي-الإيراني رفيع المستوى. ولعل الدعم التركي لشعب سورية على امتداد أعوام ثورته، تجعل من يتحدثون باسم قضية سورية وثورة شعبها يستحيون من طرح مطالب محددة بشأن موضع قضيتهم هذه على جدول أعمال العلاقات بين تركيا الداعمة للثورة، ونظام إيران الحالي المعادي للثورة، أو لعلهم يجدون لأنفسهم مبررات بهذا الصدد انطلاقا من وهم يقول إن من يحتاج للدعم لا يحق له التدخل في شؤون الدولة الداعمة وعلاقاتها الخارجية.

لا هذا صحيح ولا ذاك؛ بل حرصا على مصالح تركيا نفسها وليس مصالح شعب سورية فقط، وتطبيقا للأعراف الديبلوماسية والسياسية وليس خرقا لها، يجب أن تكون المطالب العادلة مدروسة واضحة، وقوية علنية، تجاه تركيا أيضا، فهذا ما ينتظر ممن يمارس علاقات متبادلة صادقة بين الأصدقاء والأشقاء، وهذا ما ينبغي أن يميز نوعيا بين مفردات التعامل مع أنظمة دستورية تقوم على تعزيز العدالة والحقوق والحريات، ومفردات التعامل مع أنظمة استبدادية، وهذا ما يمكن أن يكون في جعبة حجج تركيا في علاقاتها مع الآخرين إقليميا ودوليا.

يجب أن يظهر في المواقف السياسية والتصريحات الإعلامية وفي المحادثات وراء أبواب مغلقة، أن الطرف الذي يتحدث باسم الشعب في سورية وثورته، ينتظر من المسؤولين في تركيا، على النقيض من دول عربية وإسلامية سواها، أن يتعاملوا بإنصاف يميزهم عن سواهم، مع قضية الحق والعدالة لشعب سورية، فيما يفرضه الواقع الراهن ما بين الحدود وما بين المساومات، وفيما يحتاج إليه بناء مستقبله المرجو في دولة دستورية حرة موحدة مستقلة، وإن كان ذلك لا يعني توجيه أي لوم لتركيا أو لمز بساستها، وهي تبحث بحق عن مصالحها في علاقاتها الخارجية مع أنظمة عدوانية كما هو الحال في إيران وروسيا، فهي أعلم بما تحتاج إليه في العالم المعاصر وفي أحداثه وقضاياه التي تنطوي على استهداف تركيا نفسها.

لا غرابة إذن في أن تعمل تركيا وفق موازنات سياسية واقتصادية وأمنية معقدة، وأن تجد قواسم مصلحية مشتركة مع الإيرانيين والروس وسواهم، ولكن يوجد حد فاصل لا يصح إهماله أو إغفاله، وهو الحرص الدائم على بيان أن قضية سورية والسياسات والممارسات الإيرانية على صعيدها، ستبقى عقبة في وجه تطوير العلاقات التركية مع إيران، إلى أن ينتهي احتلال سورية دوليا، المرتبط باستبقاء الاستبداد والفساد في التسلط عليها إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ وشبيه ذلك يسري على ليبيا والعلاقات مع روسيا.

إن للنظام الإيراني الحالي مصلحة مصيرية في تطوير العلاقة مع كل طرف إقليمي أو دولي يفتح المجال أمامه للتعاون على قواسم مشتركة، وهذه المصلحة المصيرية أكبر من مصلحة تركيا الذاتية في مواجهة ما تواجهه خارجيا كما هو الحال في النزاعات المتداخلة في حوض البحر الأبيض المتوسط مثلا، ولهذا يمكن لتركيا أن تمارس ضغوطا أكبر على النظام الإيراني عبر بيان أهمية القضية العادلة في سورية، وهي في الجوار التركي مباشرة، ولا يتحقق ذلك دون أن تكون هذه القضية مطروحة على الدوام، في كل لقاء تركي-إيراني، رسمي وغير رسمي، سياسي واقتصادي ومالي وثقافي، وهذا في مقدمة ما تقتضيه منظومة القيم والأخلاق التي تتميز بها السياسة التركية عن سواها من سياسات معاصرة، والتي تجعلها تتعرض للاستهداف من قوى عديدة تريد استبقاء معادلة الهيمنة والتبعية جاثمة فوق صدر الواقع الدولي الراهن. 

وأستودعكم الله وأستودعه سائر بلادنا وشعوبنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب