حفظ – خطوة نحو المصالحة الوطنية في مصر
مبادرة من أجل إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور
ــــــــــ
بقلم الأستاذة الدكتورة نادية محمود مصطفى عضو الجمعية التأسيسية المجمد أعمالها وعضو اللجنة الفرعية المنبثقة عنها وقد أعدت في ربيع عام ٢٠١٢م المبادرة التالية بهدف إنقاذ ثورة مصر عبر إعادة صياغة اللجنة الدستورية التي جمّد عملها
. . .
يعتبر المشهد الراهن للمرحلة الانتقالية والمتعلق بالانتخابات الرئاسية بعد ترشح اللواء عمر سليمان -أحد أعمدة النظام السابق المستبد والفاسد والذي اندلعت ثورة ٢٥ يناير ضده- يعتبر هذا المشهد من المشاهد المفصلية والكاشفة عن خطورة ما آلت إليه حالة الاستقطاب متعددة المستويات (ثوري / غير ثوري – علماني / إسلامي – مدني / عسكري – ثوري / شعبي – ثورة / برلمان)، والتي لا تصب إلا ضد الثورة وفي مصلحة الفلول والنظام السابق وقوى الثورة المضادة.
ولقد كشفت أزمة الجمعية التأسيسية للدستور عن خطورة هذه الاستقطابات التي امتدت طوال المرحلة الانتقالية، ولقد ازداد الوضع تأزما وخطورة مع تداخل أزمة الجمعية التأسيسية للدستور مع آخر مشاهد حملة الترشح للرئاسة.
ويمثل هذا الوضع المتأزم المزدوج تهديدا للوطن وللثورة، ومن ثم يضع الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية والوطنية.
وتفترض هذه المسئولية الآتي:
١) تجاوز حدود الاستقطاب والتخندق والتراشق بالاتهامات من ناحية، والكف عن المناورة من ناحية أخرى بالقانون والسياسة كل في مواجهة الآخر وفق مقتضيات الوقت.
٢) الدخول في حالة اصطفاف حقيقية في مواجهة قوى الثورة المضادة التي تتلاعب وتستفيد من الاستقطابات بين القوى الثورية من الشباب والحركات والأحزاب الإسلامية والعلمانية والشعب المصري كل في مواجهة الآخر.
٣) على كافة القوى الوطنية الثورية -الإسلامية والعلمانية على حد سواء- ضرورة المراجعة الذاتية والنقد الذاتي والكف عن المعايير المزدوجة، والتي أضحت جلية واضحة أمام كل مراقب وطني لا يرجو إلا مصلحة الوطن وتحقيق أهداف الثورة وحمايتها أيا كانت مرجعيته.
٤) ضرورة تحديد معايير اتخاذ المواقف الوطنية والإعلان عنها دائما في حوارات وطنية جادة وشفافة وممتدة حتى يتحقق الرضاء الوطني عن هذه المعايير بين المنتمين لكافة المرجعيات، وذلك منعا لحالة الاتهامات والتشكيك والتخوين المتبادلة والتي تحيط بمناقشة أي قضية وطنية، والتي تحظى الأغلبية البرلمانية بنصيب وافر منها.
وبناء على كل ما سبق، فإن الخروج من أزمة الجمعية التأسيسية سيكون أحد أهم محكات هذه المسئولية التاريخية الداعية للاصطفاف بين الجميع -إسلاميين وعلمانيين- في مواجهة قوى الثورة المضادة. فإن الخروج من هذه الأزمة سيكون فرصة لبيان حرص كل من الأغلبية والأقلية البرلمانية على توافق وطني رشيد دون مزايدة من طرف على آخر، سواء لوزنه النسبي أو لمرجعيته الإسلامية.
وإذا كان قرار القضاء بشأن تجميد الجمعية التأسيسية يجب احترامه والوقوف عند دلالته السياسية بعمق، إلا أنه يجب التذكرة بأن جهود اللجنة الفرعية المنبثقة عن الجمعية التأسيسية (والمنوط بها الحوار مع المنسحبين) في أول اجتماعاتها لم تكف طوال ثلاثة أسابيع عن محاولة استكمال النواقص في تشكيل الجمعية. ولابد أن تستمر هذه الجهود لتجاوز مرحلة تجميد عمل الجمعية إلى مرحلة المبادرة لإعادة تشكليها وتفعيل دورها لوضع الدستور، لأن التأخير في هذا الوضع ليس في مصلحة مصر الثورة بقدر ما سيصب في مصالح المتلاعبين بالانتخابات الرئاسية من قوى الثورة المضادة والفلول.
والمقترح بهذا الصدد، واستكمالا لما سبق واقترحته هذه اللجنة الفرعية، وكان مفترضا مناقشته في اجتماع الجمعية الأربعاء ١١ / ٤ / ٢٠١٢ ما يلي:
١) العودة إلى اجتماع مشترك لأعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين للنظر في إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية.
٢) تشكيل لجنة منتخبة تتولى الآتي:
أ- مخاطبة الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية الممثلة لكافة قطاعات الشعب لاستكمال وتحديد مرشحيهم للجمعية.
ب- مراجعة المشروعات المعدة من جانب مراكز بحثية واستراتيجية عن طبيعية المعايير وكيفية تطبيقها.
ت- المطالبة بحوار مجتمعي حول المعايير المقترحة وتحديدها بدقة تجاوزاً للشخصنة أو العمومية المفرطة التي سادت النقاشات طوال الأسابيع الثلاثة الماضية وهي النقاشات التي غلب عليها الاتهام والتشكيك والرفض فيمن قاموا على انتخاب أعضاء الجمعية أكثر من اقتراح معايير محددة لعملية انتخاب حرة وشفافة .
ث- في موعد غايته شهر تجري الانتخابات وذلك بعد الإعلان عن قائمة المرشحين من كافة الهيئات وعن المعايير التي سيتم الانتخاب وفقا لها من هذه القوائم، على أن يتوافر لكافة أعضاء مجلس الشعب والشورى قبل وقت كاف من الانتخابات قوائم تفصيلية بأسماء وصفات وخبرات المرشحين الواجب الانتخاب من بينهم وفقا لمعايير محددة (على سبيل المثال: كم عضو يتم انتخابه من كل هيئة أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية، أو عدد المنتخبين من كل هيئة مقارنة بالأخرى).
ج- إجراء انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية قبل الانتخابات الرئاسية وبداية عملها والتقدم على صعيده بقدر الإمكان بالتوازي مع حملة الانتخابات الرئاسية.
إننا نؤكد بكل وضوح أن أزمة الجمعية التأسيسية إنما هي جزء من الأزمة الوطنية الشاملة؛ والتي يقف الاستقطاب الإسلامي-العلماني ثم المدني-العسكري على رأسها، ومن ثم فلا مخرج منها إلا بالانتقال من الصراع إلى الاصطفاف من أجل الوطن العزيز.