رؤية – حروب هيمنة إرهابية بذريعة الحرب ضد الإرهاب

بدأت الحروب الإرهابية لنشر الهيمنة الأمريكية قبل ١١/ ٩/ ٢٠٠١م بزمن طويل وما زالت مستمرة

42

 

 

(من مقالة بعنوان "آثار يوم التفجير اقتصاديا" نشرت في موقع إسلام أون لاين):

نتجاوز ردود الفعل العاطفية المحضة لا سيما تلك التي تجعل ضحايا القهر الأمريكي الهمجي والمستفحل في أنحاء العالم يهتفون ويرحّبون، ونقتصر بالحديث على الجانب الموضوعي في محاولة تقويم الحصيلة المالية والاقتصادية لتوجيه "ضربة مسلحة موضعية" -بغضّ النظر عن حقيقة المخطّطين والمنفذين لها- من قبيل ما أدّى إلى سقوط مركز التجارة العالمي في نيويورك، ولن نحتاج إلى بحث طويل لنصل إلى تأكيد خواء الأوهام القائمة على تصوير القضاء على "الهيمنة الاقتصادية والمالية" أمرا ممكنا من خلال مثل تلك الضربات، حتى وإن بلغ حجمها وعنفوانها وعدد ضحاياها ما يثير الفزع داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعالميا، وضاهت مشاهد الدمار فيها مشاهدَ خيالية من "أفلام الرعب الأمريكية" وأخرى حقيقيّة من مشاهد دمار حروب عايشناها، وكان بعضها بإخراج أمريكي، من فييتنام إلى أفغانستان ومن فلسطين إلى الشاشان ومن كشمير إلى البلقان.

 

إنّ عصب حياة الهيمنة الأمريكية اقتصاديا وماليا هو العلاقات العالمية العاملة على تشغيل شرايين ضخّ المال، وسحبه عالميا، تحت عناوين استثمارات وقروض ومساعدات وهبات وتجارة بالأسهم والنقد وغير ذلك من أشكال حركة الأموال عالميا.. وكذلك العلاقات العالمية العاملة على تشغيل حركة الواردات والصادرات في ظلّ لعبة أسعار العملات والسلع ارتفاعا وانخفاضا وتحت عناوين حرية التجارة، وإلغاء الجمارك، ومكافحة قوانين الحماية التجارية، وحقوق حماية "الطرق" التجارية.. وغير ذلك. وهذه "الشرايين" التي تحميها شبكات العلاقات السياسية والنشاطات التجسسيّة والقوة العسكريّة، قائمة وفعالة منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يعد دورها يقتصر على مجرّد ضمان استمراريّة عملية الضخّ والحركة المالية بصورة تجعل محصلتها النهائية في صالح الطرف الأمريكي المهيمن، بل يشمل هذا الدور أيضا ما يمكن وصفه بالضخّ المعاكس، أي أنّ كل ضعف يصيب الشبكة المالية والاقتصادية الأمريكية، لأسباب داخليّة أو خارجيّة، يجري تعويضه على حساب الجهات الأخرى المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية، سيّان هل كانت من الحلفاء أو الأصدقاء أو التابعين، وبالتالي فإنّ أي ضربة "موضعية" يمكن أن تسبب أثرا مؤقتا ولكنه لا يمكن أن يدوم طويلا. 

* * *

(من مقالة بعنوان "العدوان مجددا بعد دور الضحية" نشرت في مجلة المجتمع الكويتية):

صحيح أن عدد القتلى الأمريكيين في أحداث التفجير الأخيرة لا يتجاوز نسبة عشرة في المائة فقط من ضحايا حوادث السير سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية، بل ومن عدد القتلى في حوادث "الإجرام" اليومي في الشوارع الأمريكية وذلك بمعدل قتيل كل بضعة دقائق.. ولكن الزعامة الأمريكية تريد أن يعتاد العالم كله -إلا الأمريكيين- على تعداد الضحايا بالألوف وعشرات الألوف.. 

لهذا.. ومع تجاوز ما يقال بشأن تدبير الضربة عن طريق أيد خفية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانت أو صوّرت على أنّها ضربة جاءت على غير انتظار.. وحيث لم يتوقعها أحد من المخابرات وغير المخابرات، فسببت ما ينبغي وصفه بأنه لوثة من الجنون عند صانعي القرار الأمريكي، وعندما يلتقي جنون القهر مع جنون العظمة لا يمكن انتظار أي درجة من التعقّل في القرارات والخطوات التالية. أما وقد اجتمع إلى ذلك وجود السلاح المدمّر الفتاك لارتكاب عملية انتقامية.. فهذا بالذات ما جعل كثيرا من حلفاء واشنطون يخشون من عواقبه ويحذرون في الأيام القليلة التالية لأحداث التفجير، ويحاولون تهدئة هياج الآلة الحربية الأشبه بثور مطعون بين قرنيه. 

* * *

(من مقالة بعنوان "الحرب الأبعد من الحرب ضد الإرهاب" نشرت في مجلة المجتمع الكويتية):

إن الحملة الأمريكية الراهنة لا تمثل في حصيلتها سوى مرحلة جديدة  على طريق نشر حلقة الحصار العسكري وغير العسكري حول العالم الإسلامي..

بل إن طاقم الحكومة الأمريكية الحالية هو عينه طاقم الحكومة الأمريكية الذي قام بالحملة السابقة .. كذلك فمقولة "الإسلام عدو بديل"انطلقت لأول مرة في المصطلحات السياسية الغربية على لسان تشيني نائب الرئيس حاليا ووزير الدفاع الأمريكي يومذاك، وذلك أثناء المؤتمر السنوي للشؤون الأمنية العالمية في مدينة ميونيخ قبل عشرة أعوام (١٩٩١م)..

الحملة الأمريكية الجديدة تستهدف في الدرجة الأولى استكمال ما بدأته الحملة الأولى على مستويين، ضرب الطاقات العسكرية في البلدان العربية والإسلامية، بمنع الأسلحة والتقنيات المتطورة عن أي بلد منها، وبالتدمير المباشر لبعضها كما في العراق، وما قد يصيب باكستان قريبا بحجة مكافحة الإرهاب، ثم عبر التغلغل المباشر عن طريق القواعد والخبراء في البلدان الإسلامية الأثقل وزنا من سواها، وأخيرا بنشر القوات العسكرية مجددا حول المنطقة لتضرب طوقا من الحصار، عبر الأسطول الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط إضافة إلى القاعدة العسكرية الأمريكية المتمثلة في الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين، وعبر الوجود العسكري في الخليج، والآن بالعودة عسكريا إلى جنوب آسيا والذي سبق أن قضت عليه حرب فييتنام منذ أربعة عقود.

* * *

من مقالة بعنوان "ضد من تقرع طبول الحرب الإرهابية؟" نشرت في موقع "الجريدة الإلكترونية"):

 

شعار "الحرب ضدّ الإرهاب" لم يعد يموّه على أحد ولا يدفع أحدا إلى التمويه على التاريخ الإرهابي الأمريكي نفسه، ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل في كل مكان من العالم وصلت إليه المطامع الأمريكية.. منذ زمن بعيد، وليس من خلال ما هو معروف في العصر الحديث عبر محطات استخدام السلاح النووي في اليابان، والكيمياوي في فييتنام، ثمّ مسلسلات الإرهاب وما سبّب من ضحايا بالألوف وعشرات الألوف في الدول الأمريكية الجنوبية، وما اتخذ شكل مؤامرات واغتيالات وانقلابات..

أليس من يصفق لذلك، أو يقبل به، أو يدعمه، أو يسير تحت لوائه، أو يحاول تبريره وتسويقه.. أليس يدعم بنفسه بذلك "مسيرة الإرهاب الأكبر" في حياة البشرية وفي واقعها ومستقبلها دعما مباشرا..

لن تأخذ مكافحة الإرهاب طريقها القويم في الأسرة البشرية، دون أن تنشأ جهة قادرة على الجمع بين إعداد أسباب القوة التي تُرهب أعداء الله والبشرية، وبين القيم المشتركة لدى البشرية، دفاعا عن كل روح بريئة، وإنسان مظلوم، وشعب مضطهد ، وبلد مستضعف.. ومعظم تلك القيم المشتركة يلتقي مع ما أقرّه الإسلام الذي انطلقت واشنطون في حملتها الهجومية العالمية المعاصرة، من أجل الحرب عليه وعلى أهله وبلدانه.

* * *

(من مقالة بعنوان "عولمة الإرهاب الأمريكي بدعوى مكافحة الإرهاب الدولي" نشرت في موقع إسلام أون لاين):

إنّ ما جرى في أفغانستان وما تبعه ويتبعه من أحداث، يرتبط أولا وأخيرا بمسيرة عولمة "الهيمنة الأمريكية" نفسها، وشمولها للجانب العسكري إلى جانب الميادين الاقتصادية والمالية والسياسية والفكرية، وهنا لا تمثّل التفجيرات في نيويورك وواشنطون -على ضخامتها- سوى عنصر من عناصر عديدة يجري توظيفها لخدمة الهدف الأوسع نطاقا.

إنّ مجرّد "الانتماء" إلى الإسلام أو إلى المنطقة الحضارية الإسلامية بات كافيا لتشمل صاحبَه نظرةُ الاتّهام، أو العداء، أو عمليّة التطويع والتوظيف في تطبيق الأهداف الثابتة من وراء الشعار الحاضر دوما وإن لم يتكرّر ذكره نصّاً بصورة مباشرة: "العدو البديل".

وهذا الاستهداف بالذات هو ما بدأ الإعداد له على امتداد سنوات عديدة سابقة، ووصل الآن إلى مرحلة أولى للتنفيذ، قد تليها مراحل أخطر وأوسع نطاقا، مع تأكيد الوجه العسكريّ لها، حربا أو تهديدا بالحرب، أو تجريداً للبلدان الإسلامية من أسلحة رادعة للعدوان الخارجي، وكذلك من تقنيات متطوّرة بذريعة قابلية استخدامها عسكريا.

ولا يبالغ الأمريكيون في الحديث عن حرب يمكن أن تمتدّ سنوات، أو عشرات السنين كما قال مسؤولون بريطانيون فيما يشبه المزايدة على واشنطون، فقد أيقنت القوى المتحكّمة في صناعة القرار في الغرب، بأنّ ميلاد حقبة نهوض إسلامية جديدة باتت أقرب بكثير مما توحي به الأحداث المأساوية والحروب الدامية على حساب المسلمين، ما بين فلسطين والشاشان، وبين أفغانستان والصومال.

نبيل شبيب