مطالعة – سوزانه شميدت – أسواق بلا أخلاق

ما وراء هيمنة الطبقة المالية عالميا

سوزانه شميدت: شبكة الضغوط المالية العالمية، أكبر قوة ومفعولا من جماعات الضغط الأخرى

126
لم تعد الحركة المالية مرتبطة بالاقتصاد العيني، وتجاوزت الحدود الطبيعية منذ فترة طويلة
٧:٢٠ دقيقة
التسجيل الصوتي للموضوع

النص الكامل للموضوع

أسواق بلا أخلاق بقلم سوزانه شميدت
أسواق بلا أخلاق بقلم سوزانه شميدت

 عنوان الكتاب: أسواق بلا أخلاق – إخفاق النخبة المالية الدولية

المؤلفة: سوزانه شميدت / Suzanne Schmidt

الناشر: دار درومر- ميونيخ

الكتاب: ٢٠٨ صفحة / صدر ٢٠١٠م

المحتوى:

شهادة من الداخل – عالم المشتقات المالية – ألوف المليارات دون رقابة – المعايير الأخلاقية المغيّبة – هل فات الأوان؟

يقول المستشار الألماني السابق هلموت شميدت: “لا أتفق في الرأي مع ابنتنا على الدوام، إلا أنني أتعلم المزيد كلما تبادلنا الحديث أثناء تناول الطعام حول عالم المصارف المالية”. وليس صاحب هذه الكلمات الذي تجاوز التسعين من عمره (توفي ٢٠١٥م) ضعيف الدراية بعالم المال، بل بقي يحتفظ لمدة طويلة بمكانة دولية مرموقة من حيث عمق رؤاه الاستراتيجية وسداد رأيه في الشؤون المالية الدولية. كما تتمتع شهادته هذه بالمصداقية وإن كانت عن ابنته “سوزانه شميدت”، المتخصصة الاقتصادية التي تجاوزت الستين عاما قضت أكثر من نصفها في مواقع متعددة في قلب السوق المالية اللندنية، وهو ما يعطي أهمية إضافية لكتابها الصادر عام ٢٠١٠م تحت عنوان “أسواق بلا أخلاق” والذي تبدؤه بوصف الوضع الراهن في ظل أزمة مالية عالمية نشبت سنة ٢٠٠٨م، وتختمه بتساؤلات أقرب إلى التشاؤم حول ما يمكن أن يقع من تطورات تالية، فالأزمة لم تنتهِ، ما زالت مستمرة كما تقول.

شهادة من الداخل

يضم الكتاب مقدمة وعشرة فصول وخاتمة، موزعة على زهاء ٢٠٠ صفحة، وتنطلق الكاتبة في الفصل الأول من لندن باعتبارها مسرحا رئيسيا للمعاملات المالية الدولية، ثم تشرح في الفصل الثاني كيفية عمل المصرفيين من مستثمرين ومضاربين، وتستعرض في الفصل الثالث “أطراف اللعبة” الآخرين كالمصارف المركزية وهيئات الرقابة والتصنيف والمستثمرين والسياسيين، وتنتقل إلى جذور المشكلة في ثلاثة فصول فتستعرض في الرابع تأثير “عقود المشتقات المالية”، وفي الخامس مفعول العولمة والمنافسة، وفي السادس أساليب التعامل التي تسبب اندلاع شرارة الأزمات. وتنتقد بشدة “الحلول” التي طُرحت لمواجهة أزمة ٢٠٠٨م، لا سيما في بريطانيا وألمانيا كأمثلة، إذ اعتبرتها في الفصل السابع دون معيار خلقي أيضا وأكدت في الفصل التالي أنها حلول لم تؤدّ إلى “الخروج” من الأزمة على نقيض ما يقال حاليا، فهي مستمرة، وفق ما تستعرضه في الفصل التاسع عبر تعداد ما ينبغي صنعه لمواجهة الخلل المالي القائم عالميا، إنما لا ترى أن ذلك قد أخذ مجراه بالفعل، وبالتالي لا تزال المخاطر كبيرة، وتعددها في الفصل العاشر والأخير من الكتاب.

تطرح الكاتبة في مقدمة الكتاب تساؤلات راودتها أثناء عملها زمنا طويلا في الأسواق المالية في لندن، عن الأسباب التي جعلت المصرفيين يبتكرون ما بات يعرف بالمشتقات المالية وتطلق هي عليه وصف “النفايات المالية” حتى أصبحت مسيطرة على جلّ معاملاتهم العابرة للحدود، وبالتالي أصبحنا وكأننا ننتظر وقوع كارثة ظهرت مقدماتها، ولم يُصنع شيء لمنع وقوعها.

ويتبين من استعراض مواقع عملها في صلب المعاملات المالية الدولية في لندن أنها لا تتحدث في هذا الكتاب حديث المراقب الخارجي، بل هو -كما تقول- حصيلة خبرات مباشرة على امتداد ثلاثين عاما. وتختم مقدمتها بقولها إن “استمرار ضياع الثقة ما بين المصرفيين من جهة وعامة المواطنين وزبائن المصارف المالية من جهة أخرى يستدعي مطالبة القطاع السياسي بأن يضاعف حدة إجراءاته ولا يكتفي بما يبدو ظاهريا وكأنه حدّ الضرورة للتدخل”.

عالم المشتقات المالية

الفصول الأولى أقرب إلى عملية “تفكيك” لما تعنيه “شبكة العلاقات المالية العالمية، وقد أصبحت على درجة من التعقيد تُرهب القارئ العادي” عن الخوض فيها، فتعمد الكاتبة إلى وصف مبسط -لا يخلو من تثبيت الأحكام-للمتصرفين الفاعلين في تلك الشبكة، وما يتصرفون به، وكيفية أدائهم، على خلفية حرصها على بيان أن الأزمة المالية العالمية لم تنشأ اعتباطا، بل كانت لها أسبابها المرئية، بما في ذلك إهمال التعامل مع تلك الأسباب في الوقت المناسب، وكذلك عدم التعامل مع العواقب بعد ظهورها بالشكل الواجب.

تشير الكاتبة أولا إلى أن ما يقوم حاليا على المضاربات والمراهنات لم يكن موجودا قبل جيل واحد، إنما كانت البداية في فترة الاقتصار على المعاملات المصرفية والاستثمارية “الاعتيادية” فمنذ ذلك الحين ظهر تحكم عدد محدود من العوائل في التصرف بالثروات المالية المصرفية، ولكن لم تعد الحركة المالية مرتبطة بالاقتصاد العيني، وتجاوزت الحدود الطبيعية منذ فترة طويلة، ولكن لندن -التي انطلق الحديث منها كمثال- بلغت في الوقت نفسه المرتبة الثانية في تسيير المعاملات المالية الدولية والمرتبة الأولى أوروبيا، وبالتالي لم تعد أي حكومة بريطانية ترغب في اتخاذ إجراء يمكن أن يعرض هذه المكانة للخطر.

ثم تبدأ في رسم مخطط بياني توضيحي للقوى التي حركت وتحرك خيوط المعاملات المالية بما في ذلك ما يسبب الأزمات، فتتحدث عن “المصرفيين” كتسمية تُعمَّم على كل من يعمل في المصارف والمؤسسات المالية، فتميز العاملين منهم في مداولات السوق -كما في الأسهم والسندات- وبين فريق “البائعين” ودورهم الأقرب إلى “إدارة ثروات الآخرين”، وفريق “المشترين” الأقدر على التحكم بتوجيه الاستثمارات المالية. وهذا ما يختلف عن فئة المضاربين والمراهنين، فهؤلاء يستخدمون الأسواق المالية عبر ما يحركونه فيها من ثروات مالية، أما أنشطتهم الحقيقية الأهم فتتركز على ما يسمى عقود المشتقات المالية، وهذه محاطة بالغموض والسرية، وهي خارج نطاق الرقابة والمحاسبة، تجري بسرعة متصاعدة، ولا تقف عند أية حدود، وتعتمد اعتمادا كبيرا على نشر التكهنات المؤثرة على مجرى المعاملات في الأسواق المالية. 

الجدير بالذكر أن المشتقات المالية -أو عقود المشتقات- مصطلح حديث نسبيا، يصف أشكالا عديدة مبتكرة للمراهنات المالية، من ذلك ما يمس الاقتصاد العيني، ومثاله بيع “السلعة المالية” كالأسهم والسندات والنقدية كالدولار واليورو، بسعر ثابت على أن يكون التسليم في موعد ثابت آجل، ولا يملك البائع تلك السلعة أصلا لحظة توقيع العقد، إنما يراهن على تمكّنه من شرائها بسعر منخفض في الوقت المناسب قبل حلول موعد التسليم، بينما يراهن الشاري على أن تكون قيمتها يوم التسليم أعلى من القيمة المتفق عليها في العقد، ويمكن لكل من الطرفين أن يستخدم ما يملك من ثروة مالية للتأثير على سعر تلك “السلعة” في الأسواق المالية، بيعا أو شراء.

على أن الأشكال الأخطر والأكثر انتشارا، هي المراهنة المحضة على “أمر أو حدث” ما في عالم الاقتصاد والمال، يمكن أن يرتبط بمصير شركة، أو قطاع صناعي، أو حتى دولة، أو عملة نقدية، وهل سيقع خلال فترة زمنية معينة نجاح أو خسارة، بما في ذلك الإفلاس مثلا، وهنا يتضاعف مفعول المنفعة الذاتية للمراهن، فيمكن أن يدفع بإمكاناته المالية أو من خلال قدرته على التأثير على السوق بالمعلومات والتكهنات التي تُطرح يوميا، في الاتجاه الذي يجعله لا يخسر الرهان.

ويزداد تعقيد هذه الصيغ وأمثالها من خلال قابلية تعدد عمليات البيع لحالة “الرهان” الواحدة أكثر من مرة، مع أنها لا تقوم على أي مضمون عينيّ، أي لا يلعب المال فيها دور الوسيلة لتحديد قيمة سلعة عينية اقتصادية، بل يصبح المال بحد ذاته هو السلعة لكسب مزيد من المال، كما في حالة “القمار” المعروفة.

أصبحت هذه المعاملات تمثل على أرجح التقديرات أكثر من ٩٥ في المائة من مجمل الحركة المالية العالمية بمجموعها.

تحدد الكاتبة المواصفات المميزة لهذه المعاملات فتطلق على أول ما يميزها تعبير “الإدمان على القمار”، وعلى الميزة الثانية تعبير “حركة القطيع”، المتداولة في عالم المال، فكل خبر ذي قيمة -أو توقع عن معرفة وخبرة- يمكن أن يدفع جهة لها وزنها إلى عملية شراء أو بيع، وسرعان ما تتحرك وراءها جهات عديدة أخرى في ذات الاتجاه، كما يصنع الأغنام في القطيع عندما يتحرك “قائد القطيع” في اتجاه معين. وتعدد مواصفات أخرى لها مفعولها مثل النظام المتبع في تحديد الرواتب والمكافآت الإضافية بما في ذلك الحصول على حصص من أرباح الصفقات المالية، ونوعية العلاقة ما بين القطاعين السياسي والمالي، وغير ذلك من عناصر حولت مجرى المعاملات المالية إلى سباق محموم على تجميع الثروات الضخمة.

ألوف المليارات دون رقابة

تفنّد الكاتبة قول من يقول بوجود رقابة حقيقية على المعاملات المالية الدولية، فتستعرض:

١- دور المصارف المركزية، وتبين ضعفها لقيامها -لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية- على العقيدة الرأسمالية القائلة بالحرص المطلق على عدم تدخل الدولة بدعوى أن “السوق قادرة على الشفاء من السلبيات والتجاوزات ذاتيا”، وهو ما لم يمكن التخلص منه حتى ما بعد أزمة الرهون العقارية كشرارة أشعلت فتيل الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨م.

٢- بينما تكمن نقطة الضعف في “هيئات الرقابة المالية” في تخلف أساليبها التقليدية المثقلة بالبيروقراطية عن مواكبة ما يبتدعه المضاربون والمراهنون باستمرار من وسائل وأساليب مبتكرة لتحقيق أغراضهم.

٣- وفقدت هيئات “التصنيف” مفعولها ما بين مصالح المقترضين الحريصين على ارتفاع درجة تصنيفهم للحصول على قروض بفوائد أدنى، وبين المقرضين، فرغم أهمية التصنيف، أصبح بالمقابل من أسباب الأزمات أو زيادة حدتها، ويضاف إلى ذلك أن هيئات التصنيف (الأمريكية الثلاثة) دأبت على منح صناديق المراهنات والمضاربات درجة تصنيف عالية، مما دعم مواقعها المهيمنة في الأسواق المالية.

٤- وساهم الاقتصاد العيني في الأزمات بعد إعطاء ارتفاع أسعار الأسهم مكانة الصدارة في تقويم أوضاع الشركات، على حساب عوامل أخرى كجودة المنتجات والحاجة الحقيقية لها، فأصبحت الغاية القصوى لدى مدراء الأعمال وأصحاب الشركات هي تحقيق الأرباح المالية والحصول على مزيد من القروض الاستثمارية.

٥- كما ساهم صغار المساهمين في الأزمات من خلال التركيز الأعظم على تحصيل النسبة الأعلى من الفوائد المالية، دون التأكد من القيمة العينية الحقيقية لما يجري شراؤه.

٦- ولعب “جهل” غالبية السياسيين بالخلفيات الاقتصادية والمالية على السواء في عدم القدرة على استيعاب ما تصنعه مراكز القوى المالية، والتأثر بجماعات الضغط، والتردّد عن اتخاذ إجراءات حازمة.

المعايير الأخلاقية المغيبة

القاسم المشترك من وراء ذلك هو ما يعرف في عالم المال بالقاعدة الأخلاقية -أو اللاأخلاقية- القائمة على التعامل مع أي إجراء يُتخذ لتحقيق مصلحة عامة، بالالتفاف حوله لتحقيق المنافع الذاتية.

وتخصص الكاتبة فصلا كاملا لهذه القاعدة، التي تراها “مصدر الشر الأكبر”، وهذا في مقدمة ما جعلها تعطي كتابها عنوان “أسواق بلا أخلاق” المعبر عن مضمونه وعن القصد من نشره، مع ملاحظة أن مفهوم كلمة “أخلاق” في الوعي المعرفي الغربي يرتكز على “المعايير والضوابط” التي ينبغي أن تسري في المعاملات لتحقيق “مغزى مفيد” في حدود ما يُعتبر “مفيدا” للفرد والجماعة وفق الرؤى الثقافية الحضارية السائدة.

تكمن هذه القاعدة مثلا من وراء إنقاذ الحكومات للشركات التي تتعرض للإفلاس، من خلال دعمها من واردات الضرائب، بحجة الحفاظ على أماكن العمل، وتكمن مثلا آخر من وراء التعامل من جانب المصارف والمؤسسات المالية مع “المشتقات المالية” رغم إدراك فسادها، طلبا لكسب المال خارج نطاق إنجاز اقتصادي عيني، وتكمن مثلا ثالثا في الاندفاع للتصرف بالثروات المالية استنادا إلى تكهنات ومضاربات وليس إلى معايير اقتصادية وتجارية مستقرة.

وتضيف الكاتبة فصلا آخر تخصصه لمفعول العولمة والمنافسة المتصاعدة في إطارها وإعطاء الأولوية لتحقيق الربح المالي المحض معيارا وحيدا للنمو الاقتصادي. ومن السلبيات التي تعددها بهذا الصدد أن العولمة ضاعفت حرص المصارف المالية على “التضخم” من حيث حجمها والنطاق الجغرافي الذي تتحرك فيه، مع تأثير التنافس فيما بينها للحصول على القدر الأكبر مما أضافته العولمة في ساحة التنافس عالميا.

وتستعرض الكاتبة مجرى الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٨م انطلاقا من أزمة الرهون العقارية الأمريكية، لتصل إلى الغاية من نشر كتابها، حيث تؤكد أن ثمن الحيلولة دون ما تسميه “ذوبان نواة الاقتصاد العيني” -على غرار ذوبان نواة مفاعل نووي- يتمثل في تراكم ديون هائلة على الدول، وبالتالي على دافعي الضرائب، بعواقب مستقبلية يستحيل تقدير مداها في الوقت الحاضر. فما يوصف حاليا بالخروج من الأزمة يقتصر -فقط- على استعادة المؤسسات المالية -على اختلافها- القدرة على التصرف من جديد، ولكن لم يشمل ذلك “تبديل قواعد اللعبة” التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية. وتقول الكاتبة تبعا لذلك إن “جماعات الضغط” من وراء الشبكة المالية العالمية، أكبر قوة ومفعولا من مختلف جماعات الضغط الأخرى المعروفة، في اقتصاد الطاقة مثلا أو في صناعة السلاح.

هل فات الأوان؟

أول ما تطالب به المؤلفة من إجراءات هو الفصل ما بين الممارسات المالية الضرورية لخدمة الاقتصاد العيني وبالتالي الإنتاج الفعلي، وبين المضاربات والمراهنات القائمة على تشغيل المال للاستزادة منه. وهذا ما ينبغي أن يسيطر على الإجراءات العملية العديدة المطروحة على بساط البحث دون وجود ما يشير إلى التوصل إلى نتائج متفق عليها عالميا بعد، بدءا بتقنين مزيد من الإجراءات الاحتياطية لتأمين رؤوس أموال المصارف المالية، وصولا إلى تحسين مستوى الرقابة المالية والرقابة على “هيئات الرقابة” المعنية. كما ينبغي الحد من مفعول القاعدة المذكورة للالتفاف على الإجراءات التقنينية، مع السعي لتضمين الإجراءات التشريعية ما يكفي من القواعد الملزمة للمصارف والمؤسسات المالية للتمكن من الاستمرار اعتمادا على قدراتها الذاتية وليس على دعم محتمل عند تعرضها للإفلاس أو الانهيار.

وتدعو الكاتبة إلى التخلص من ظاهرة ما يسمّى “شبكة الظلّ المالية” ويُقصد به ما تشكله المصارف المالية الاعتيادية من شركات وفروع ومؤسسات للتعامل مع القطاع القائم على المضاربات والمراهنات، خارج نطاق إجراءات الرقابة على بنيتها الأساسية. كما تذكر عددا من الإجراءات الاخرى التي يجري تداولها في الوقت الحاضر في كثير من البلدان الغربية، مثل تثبيت المسؤولية المالية الشخصية لمن يتصرف عبر مؤسسة مالية على صعيد إدارة ثروات الغير، والحد من أنظمة المكافآت التي تشجع مدراء الأعمال على المخاطرة دون التعرض شخصيا لمسؤولية كبيرة، وضبط قواعد أفضل وأكثر فعالية لعمل هيئات التصنيف المالي، وتختم الكاتبة هذه المطالب بطرح التفكير بصورة جذرية حول “تقليص” حجم شبكة المعاملات المالية العالمية، إلى الحد الذي يتلاءم مع حقيقة حجم الاقتصاد العيني، من خلال إجراءات تحول دون مزيد من المغريات المالية للعمل في القطاع المالي بدلا من الاقتصادي.

على أن الكاتبة تشير في الختام إلى أمرين، أحدهما استحالة التنبؤ بحجم ما لا يزال محتملا ظهوره من عواقب للأزمة المالية العالمية، والثاني استبعاد اتخاذ إجراءات دولية مشتركة وفعالة في المستقبل المنظور للتعامل مع الأسباب من الجذور، وهو ما يدفع إلى التشاؤم في تحقيق تغيير جذري، وبالتالي يجب أن توضع المخاطر في الحسبان كاحتمالات مرجّحة، لا سيما ما يتوقع نتيجة ارتفاع حجم السيولة النقدية عالميا إلى درجة غير مسبوقة، جنبا إلى جنب مع ارتفاع العجز في موازين مدفوعات الدول إلى درجة خيالية، مما لا يتفق مع نظريات اقتصاد “السوق الحرة” إطلاقا. وتحذر الكاتبة تبعا لذلك من موجة تضخم يتصاعد بشكل لولبي حلزوني، ولئن حال دون ذلك حتى الآن الحفاظُ على نسبة الفوائد المصرفية متدنية بصورة “مصطنعة”، إنما يمكن أن تضطر المصارف المركزية إلى التراجع عنها، فلا يبقى حاجز يمنع من ارتفاع نسب التضخم على نطاق واسع وخطير. كما ترى الكاتبة الخطر كامنا في استمرارية الأخذ بالنموذج الأمريكي-الإنجليزي على صعيد الحرية المطلقة لرؤوس الأموال رغم ظهور مخاطرها على الاقتصاد العيني.

باختصار ترى الكاتبة محور الأزمة المالية العالمية كامنا في أن المعاملات الدولية أصبحت تجري في “أسواق بلا أخلاق” فهذا ما حتم “إخفاق النخبة المالية الدولية”، كما تعلل رؤيتها المستقبلية المتشائمة بصدد استمرار الأزمة بأن الإجراءات المتخذة في العواصم المالية العالمية قد انطوت بدورها على غياب مفعول العامل الأخلاقي، وإن حددت المقصود بقولها إنها لا تتهم المصرفيين بأنهم “ضد” الأخلاق من حيث الأساس، إنما تؤكد تغييب الأخذ بالمعايير الأخلاقية في المفاهيم المنتشرة وفي المعاملات المالية الجارية عن طريقهم.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب