فلسطين وعبث سياسي خارج مسارات التاريخ

وقفة قصيرة عند تصريحات بن سلمان حول فلسطين

خواطر – الخشية الأوجب هي من يوم الحساب الأكبر لمن لا يضمنون لأنفسهم ساعة واحدة من أعمارهم

75
محمد بن سلمان ودونالد ترامب

خواطر

لئن بدأ آخرون بالانحدار في مسار التعامل السياسي مع قضية فلسطين فذلك لا يبرئ أحدا من مسؤوليته وهو يتابع طريق الانحدار بنفسه إلى الحضيض، سيان في ذلك هل يتحرك نتيجة مخاوف من هيمنة إقليمية إيرانية أو نتيجة رؤية ذاتية منحرفة، وسيان أيضا هل غرّ من يسلك هذا الطريق ازدياد الملأ من حوله أم نظر وأبصر واعتبر من التناقض الصارخ مع شعب لا يزال يواجه الموت والحصار بمسيرات حق العودة، ومع أمة مهما قيل عن فقدان ذاكرتها التاريخية يكفي ذكر المسجد الأقصى الأسير لتستعيد عافية ذاكرتها من جديد.

إن ما أدلى به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن فلسطين هو جزء من منحدر كان من محطاته الرسمية السعودية المفصلية مشروع فاس الذي قدمه ولي العهد السعودي فهد بن عبد العزيز آنذاك وجمع عليه الأنظمة العربية دون الشعوب في قمة فاس عام ١٩٨٢م، ومشروع مبادرة بيروت التي قدمها ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز آنذاك وجمع عليها الأنظمة العربية دون الشعوب في قمة بيروت عام ٢٠٠٢م.

وكان من المحطات الرسمية العربية الأخرى “اللاءات الثلاث” المضللة في قمة الخرطوم عام ١٩٦٧م حيث تحول هدف التحرير إلى إزالة آثار العدوان، ثم أول تنويه من جانب ياسر عرفات عام ١٩٧١م في قطر بالاستعداد للتخلي عن الأرض المغتصبة عام ١٩٤٨م، ثم سقوط السادات في كامب ديفيد بعد زيارة القدس المحتلة عام ١٩٧٧م، ثم السقوط الرسمي العربي الجماعي في مدريد عام ١٩٩١م، ثم ما عُقد بليل تحت عنوان اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣م.

رغم محطات السقوط المتتالية، لم يتغير شيء من الحقائق في جغرافية فلسطين، وتاريخ فلسطين، ومكانة فلسطين، بل إن الوعي الشعبي الجمعي بالقضية وموقعها المحوري المركزي من قضايانا المصيرية ارتفع إلى أعلى مستوياته في مصر والأردن حيث عقدت معاهدات تطبيع رسمية، وبلغ الذروة في غزة رغم الحصار وما هو أبشع من الحصار، ويبدو أن ما صنعته مناهج التدريس المنحرفة في بعض دول الخليج من تهميش لقضية فلسطين في الوعي الشعبي الجمعي بات يحتاج إلى طاقة جديدة لإحيائه.

* * *

كم ذا نردد لأنفسنا ولسوانا أن جولة الباطل ساعة، وجولة الحق إلى قيام الساعة، ونحن في ذلك على يقين، فلا نخشى على القضية ومستقبلها، وهو مستقبل مرتبط بجيل يؤمن ويعمل وينجز الشروط الموضوعية للنصر والتمكين، ولكن الخشية الحقيقية هي من يوم الحساب الأكبر على من يصنعون ما يصنعون وهم لا يضمنون لأنفسهم ساعة واحدة من أعمارهم، ثم على من يسمع ويرى ما يُصنع بقضايانا المصيرية وبمقدساتنا العقدية وبأرواح الأبرياء من شعوبنا المنكوبة، وبثروات بلادنا المغتصبة، ثم يخشى على نفسه من اعتراض ورفض ومقاومة وصمود، أكثر مما يخشى ما ينتظرنا جميعا من حساب يوم قيام الساعة {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد}.

وأستودعكم الله وأستودعه قضية فلسطين ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب