تحليل – صراع نفوذ إيراني إسرائيلي

نظام الملّة الأسدية يلعب من موقع خادم للمشروعين المتناقضين للهيمنة الإقليمية، الإيراني والصهيوأمريكي

54

 

قبل الحديث حول تصعيد لغة السلاح على المثلث الإيراني السوري الإسرائيلي، يجدر التخلص من ضباب مضلّل نُشر حول ماهية العلاقات الإيرانية الإسرائيلية على خلفية التعامل مع الثورة الشعبية في سورية وما شهد من تناقضات:

ليس صحيحا ما شاع القول به فترة من الزمن بشأن توافق أو تعاون أو تنسيق إيراني – إسرائيلي في المنطقة، والأصح أن هناك صراعا بين مشروعين للهيمنة، يتلاقى بعض العوامل بينهما حينا ويفترقان على عوامل أخرى هي الغالبة، فتبدو العلاقات عبر استقراء الأحداث وكأنها تعبر عن تفاهم ضمني أو تطفو في صورة صدام مباشر وغير مباشر، ترتكز جبهته الإيرانية على الميليشيات والتسلح، وترتكز جبهته الإسرائيلية على أتباع إقليميين منهم نظام الملّة الأسدية منذ نشأته الأولى، حيث اختلف عن سواه من الأتباع إقليميا، أنه كان أقدر على اللعب على الحبلين، أحدهما بعنوان الممانعة اندماجا في المشروع الإيراني، والثاني بعنوان التفاهمات السرية والخدمات العلنية اندماجا في المشروع الصهيوأمريكي.

أمثلة:

– خدمة المشروع الإيراني تحت عنوان "ممانعة" مزعومة، وذلك عبر دعم منظمة حزب الله في لبنان على حساب المقاومة الفلسطينية من قبل، وعلى حساب أطراف لبنانية أخرى.

– خدمة المشروع الإسرائيلي عبر "تفاهمات" جعلت الجولان المحتلة أرضا منسية لم تشهد طلقة واحدة لعقود عديدة.

– من "الخدمات العلنية" للمشروع الإسرائيلي أيضا توجيه ضربات متوالية للمقاومة الفلسطينية منذ مجزرة تل الزعتر، وترحيلها عن أرض لبنان المجاورة لفلسطين.

 

سورية بنظر المشروعين المعاديين لشعوب المنطقة مجرد "حلبة" جغرافية لصراع الهيمنة الثنائي، وقد دقت أجراس الخطر فيهما منذ أصبحت الثورة الشعبية تهدد بسقوط الربيب المشترك، وهنا أصبحت عوامل الالتقاء بين المشروعين العدوين فيما بينهما، المعاديين للشعوب، عوامل قوية وواضحة للعيان في محاولة إنقاذ بقايا نظامه. الهدف مشترك والغايات البعيدة متناقضة، أما الوسائل فمختلفة، فتتعانق "وسيلة" الضربات الهمجية الإيرانية عبر الميليشيات مع " وسيلة" توظيف العلاقات الصهيونية الدولية للحيلولة دون تحقيق هدف الثورة وتحرير إرادة الشعب.  

هذه معادلة عدوانية رسمت "حدود" ما كان من "غارات إسرائيلية" على أهداف معينة في الأرض السورية فلم تتجاوزها، كذلك فإن جميع ما صنعته الميليشيات الإيرانية بما فيها منظمة حزب الله من تدمير وتقتيل على حساب شعب سورية، لم يجد ردود فعل إسرائيلية.. ولن يجد، أما عندما يتجاوز الطرف الإيراني حدود "دعم الربيب الأسدي المشترك ومحاولة إنقاذ بقايا سلطته" ويعمل لإيجاد مرتكزات عسكرية إضافية، قريبة من الأرض الفلسطينية المحتلة، فسرعان ما تتحرك الآلات العسكرية الإسرائيلية تحركا مدروسا بقدر ذلك التجاوز.

 

السؤال:

هل تنهار هذه المعادلة الثلاثية نتيجة تسارع الفعل وردود الفعل مؤخرا؟

الجدير بالتأكيد هنا أن من الشطط بمكان وصف ما يجري في سورية بأنه حرب بالنيابة، وقد يتحول إلى حرب بالأصالة، نتيجة للتصعيد المشار إليه.

هذا افتراء على ثورة شعبية، لا يزال صمود أهلها في الغوطة الشرقية تخصيصا أحد الأدلة القوية على نقاء شعبيتها، رغم كل أشكال التدخل الخارجي، الهمجي في كثير من الحالات.

لئن وجدت "حرب بالنيابة" فهي حرب بقايا النظام الأسدي المدعومة إقليميا ودوليا، إسرائيليا وإيرانيا، روسيا بشكل مباشر وأمريكيا بشكل غير مباشر، ضد شعب.. يريد "التحرر بالأصالة" عن نفسه، يقاتله الجميع ولا أحد يقاتل على أرضه بالنيابة عنه.

إن التصعيد بين مشروعي الهيمنة الإيراني والإسرائيلي يمكن أن يشكل نقطة تطور في طبيعة الصراع الثنائي، إنما لا علاقة لذلك بجوهر الثورة الشعبية التي عجزت القوى الإقليمية والدولية حتى الآن من تحويل مسارها نحو التسليم ببقاء بقايا النظام، خادم هذين المشروعين في وقت واحد.

إنما الأرجح هو "احتواء" هذا التصعيد والعودة إلى حالة التوازن السابقة ما بين سدنة هذين المشروعين، والقوى الدولية ذات العلاقة بهما.. أما الثورة فلا يزال مستقبلها رهنا بما يصنعه أهلها، وفي مقدمة شروط الآمال الراسخة بانتصارها شرط التقاء الكلمة والسلاح والهدف على "المشروع الشعبي".. مشروع التحرر من الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية في وقت واحد.

نبيل شبيب