الثوابت وقضية فلسطين

السياسة غير مخوّلة بتمييع المصطلحات والمفاهيم

مفهوم – الثوابت لا تسقط بالتقادم، ولا تتغير بتوقيع من لا يملك حق التوقيع، وتصريح من لا يملك حق التصريح

442
٣:٢٥ دقيقة

مفهوم

ليست ثوابت القضية الفلسطينية تلك التي بات الحديث يدور عنها تحت عناوين مدريد وأوسلو وأخواتها،  فهذا يقول عودة اللاجئين، وذاك يؤكد مسألة القدس الشرقية، وثالث يضع فرعا آخر مثل  تفكيك المستعمرات اليهودية الحديثة في موضع الثوابت، بل هبط من هبط بعنوان الثوابت ليربط مصير القضية ببعض الأشخاص أو بعض المنظمات، بدلا من أن تكون الثوابت هي مصدر المعايير  للحكم على الأشخاص وإنجازاتهم والمنظمات وسياساتها ، وتقويمهم وفق ما تخدم الثوابت أو تنتقص منها

ليست الثوابت شعارات قابلة لتغيير مضامينها وصياغاتها حسب الظروف، وليست ملكا لفريق من الساسة أو المنظمات يكيفونها على حسب اتجاهاتهم أو ظروفهم هم. ثم يرحلون،  فهذا ما يتناقض مع ما تعنيه هذه الكلمة تاريخيا وسياسيا ومنطقيا، بل ولغويا أيضا.

التحرير مفهوم لا ينقلب بمفعول حبر وورق إلى خطوط تفصل بين مقاطعات ألف وباء وجيم

تقرير المصير مفهوم لا ينقلب إلى وصاية زعيم عربي أو منظمة فلسطينية

ك ذلك الحقوق التاريخية المشروعة مفهوم فلا تنقلب إلى بنود في اتفاقية أو قرار مختزل

الشعب لا ينقلب إلى بقية شعب ممن استطاع البقاء في الأرض

الأرض لا تنقلب في أي مؤتمر أو مفاوضات إلى دويلة ممسوخة كهدف

هذه الثوابت وأمثالها لا تنقلب بجرة قلم أو زلة لسان أو انحراف إنسان أو منظمة من الحالة  الأصلية، إلى أشكال كاريكاتورية هلامية، يتفنن في صياغتها من يشاء كيفما يشاء، ممن استجاب لما أراد بلفور يومذاك إلى من يستجيب لمن يقوم بمثل دوره هذه الأيام.

الثوابت ثوابت.. لا تسقط بالتقادم، ولا تتغير وفق إرادة ساسة محترفين وآخرين هواة، ولا تحت القصف والحصار، وبتوقيع من لا يملك حق التوقيع، وتصريح من لا يملك حق التصريح، سيّان من كان.

ومع يقيننا بأن الأرض المباركة وقف لا يملك أحد التخلي عنه، فإننا بمعايير المواثيق الدولية الحديثة أيضا ننطلق من أن الحق للشعب، والشعب وحده، والشعب يعني بكامل فئاته، من مقيمين في أرضهم ومن مشردين،  فلا يتحقق التعبير عن الشعب لتقرير مصيره، دون تصويت شامل  ، في استفتاء مضمون الإعداد والتنفيذ والنتائج، وبآليات تضمن عدم وقوع أي شكل من أشكال الإكراه والتزوير والإغراء والتزييف، كما تنص المواثيق الدولية، ولا يتحقق شيء من ذلك ما دام العدوان مستمرا، عبر  القصف والحصار والتجويع والتشريد وسائر ما يصنعه الاستعمار الاستيطاني والاحتلال التوسعي، ولا يتحقق أيضا بطريق الوصاية من جانب أي جهة من الجهات، وإن زعمت ذلك أي جهة، فإن مشروعية وصايتها تتحقق أو تضمحل بمقدار تمسكها أو عدم تمسكها  هي بتلك الثوابت، وليس بالوصاية، فهي ليست من الثوابت، لا سيما تلك المفروضة فرضا على الشعب من أجل تغيير الثوابت، مع الزعم أنّها تصنع ذلك باسم الشعب!

 جميع ذلك وأمثاله فروع، مهما بلغت أهميتها، هي فروع من جذور القضية المصيرية، وإنما أصبحوا يطلقون عليها وصف “ثوابت” لتكون بديلا عن الثوابت الأصيلة.

  إننا في حاجة إلى هزة فكرية وسياسية تقضي على ما صنعته عملية غسيل الدماغ الجماعي خارج نطاق هذه القضية المصيرية وخدمتها

 المواكبة منذ عشرات السنين لِما يسمى المسيرة السلمية، لنعود بالقضية إلى مكانتها الأصيلة:

– قضية مصيرية ليس لشعب فلسطين فقط، بل على صعيد المنطقة بأسرها

– وقضية اغتصاب استيطاني استعماري عدواني توسعي، مقابل طريق المقاومة المشروع لاسترجاع الحقوق بكاملها، تحريرا للأرض بكاملها، وللشعب المستعمَر والمشرد بكامله، وللإرادة السياسية والشعبية بكاملها.

كل ما هو دون ذلك إنما هو من صنع منحدر التنازلات ولا يمكن تسميته ثوابت، حتى وإن بلغ الأمر بالسياسة والسياسيين مبلغ التوقيع على اتفاقيات استسلامية، طواعية أو كرها.

الفارق كبير بين التصريح بالعجز ما داموا عاجزا ورغم ذلك متشبثين بموقع الزعامة، وبين تزييف القضية نفسها وتسمية القليل الذين قد يحصلون عليه نصرا أو حنكة سياسية أو سلاما عادلا أو استرجاعا للحقوق الشرعية، أو ما شابه ذلك من المسميات المخادعة شكلا ومضمونا.

وأستودعكم الله وأستودعه جهد كل من يعمل للحفاظ على الثوابت الأصيلة مع أطيب السلام من نبيل شبيب