مقالة – ياسر الزعاترة وإخوانه (٢٢/ ١١/ ١٩٩٩م)

لا تزال مواقفه في قضية سورية كما في قضية فلسطين تستدعي الإشادة كمواقف الباحث الفلسطيني إبراهيم حمامي وشيخ المجاهدين رائد صلاح

32

 

مقدمة (٢٢/ ١١/ ٢٠١٧م)

أثارت تحركات سياسية سابقة وتصريحات إعلامية حديثة، صدرت عن منظمة حماس، وعن بعض القياديين فيها، بشأن العلاقة مع إيران، وبشأن منظمة حزب الله، ردود فعل من جانب كثير من إخوانهم من سورية، تعبر عن الألم وخيبة الأمل.. فأما الألم فيعود إلى أن النكبة الحالية التي تواجهها في سورية تجعلها وتجعل أهلها جزءا عضويا لا ينفصل عن النكبة التي تعرضت وتتعرض لها فلسطين، فالقضية في واقعها التاريخي وفيما نتطلع إلى من مستقبل آخر لأهلنا في سورية وفلسطين وأخواتهما، قضية واحدة.

وأما خيبة الأمل فليست في مكانها، بل تعود إلى أمور عديدة، وهذه بعض عناوينها:

١- من يرصد أخطاءنا في مسار قضيتنا في فلسطين ويرصد أخطاءنا في مسار قضيتنا في سورية، ويتعامل معها بمنطق (نحن.. وأنتم) يرتكب هو الخطأ الأعظم من تلك الأخطاء، فما يضير فلسطين يضير سورية وأخواتها وما يضير سورية يضير فلسطين وأخواتها.

٢- من يرصد ما يصنعه أفراد أو تنظيمات، وكأنهم هم "القضية" بل وينفعل إلى درجة "التذكير والمنّ بما "فعلنا لقضيتكم" يرتكب خطأ أخطر من أخطائهم، فالقضية فوق الجميع دون استثناء.

٣- من يرصد الأخطاء خارج نطاق الظروف التي تمر بها أي قضية يرتكب خطأ أكبر منها إذ تصبح مواقفه من قبيل التنفيس عن ألم وغضب، وليس مواقف البحث عن سبل عملية لتصويب الخطأ والمسار.

٤- من يعمّم من السوريين الأخطاء على جميع الفلسطينيين، أو على جميع من يعمل لفلسطين تحت مظلة اتجاه أو تنظيم، يرتكب خطأ جسيما، ويعلم أنه هو نفسه لا يعمم الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها بعض السوريين باسم الثورة وشعبها، على جميع من يعمل للثورة والتغيير.

 

هذا بعض ما يدفع إلى نشر السطور التالية مجددا عن أحد أعمدة العمل والإخلاص لقضية فلسطين، الأخ الكبير ياسر الزعاترة، الذي لا تزال مواقفه في قضية سورية كما في قضية فلسطين إلى اليوم تستدعي الإشادة كمواقف كثيرين سواه، مثل الأخ الإعلامي والباحث الفلسطيني إبراهيم حمامي وشيخ المجاهدين رائد صلاح.. وكان نشر هذه السطور في مجلة "فلسطين المسلمة" آنذاك عقب اعتقال الأخ ياسر للتحقيق معه لفترة وجيزة من الزمن نسبيا.

 

٢٢/ ١١/ ١٩٩٩م

في اي عصر نعيش.. وأي محنة هذه التي تصيب الصادقين المخلصين فيه..

سبق أن تلقيت منك يا أخا الإسلام وأخا القضية المصيرية، رسالة أولى قبل زهاء عشرين عاما لأساهم في بعض ما تنشره "فلسطين المسـلمة".. أفلا تذكر آنذاك كيف كان أحدنا إذا تحدّث عن عمل إسلامي لفلسطين وقضيتها العادلة المصيرية، كان أدعياء النضال لتحريرها يواجهوننا ساخرين: وأين العمل الإسلامي لفلسطين؟ أتعودون إلى يوم الفتح في عهد الفاروق أو التحرير الأول في عهد صلاح الدين أو المقاومة قبل اسـتكمال الاحتلال الاسـتيطاني الصهيوني؟

أتذكر أولئك الذين كانوا يزعمون ألاّ طريق للتحرير سوى طريق البندقية، الشرقية أو الغربية، ويرفعون شعارات من قبيل "ثورة.. ثورة حتى النصر" أنهم هم الذين أجهض بعض زعمائهم ثورتهم وانتهوا بها إلى "سلام الخضوع".. أو أولئك الذين كانوا يتشدّقون بشيوعيتهم من هوتشي منه إلى جيفارا وبحليفهم السوفييتي الدولي الكبير، وأنهم هم الذين انتهوا وانتهت شيوعيتهم إلى السقوط وحليفهم إلى الانهيار فلم يبق سوى بقايا تسعى للحاق بركب أوسلو الصهيوني في اللحظة الأخيرة؟

 

لم يبق ثابتا في الساحة الفلسطينية ثبات الحق إلى قيام الساعة سوى من اتخذ لنفسه الإسلام دينا، ومن وعد الله عقيدة، ومن تحرير كامل التراب الفلسطيني هدفا عزيزا..

وليس ذاك هو المثال الوحيد على بزوغ فجر الإسلام من جديد، في ألف موقع وموقع من عالمنا، رغم المحن والكوارث والرزايا.. أليس في مسيرة التاريخ المعاصر وشواهده المنظورة إذن ما يبشّر بأنّ هذه الدرب المحفوفة بالمكاره ستوصل بإذن الله إلى النصر القريب، شاء من شاء وتخلّف عن درب النصر وعن طريق العزة والكرامة من تخلّف؟

 

يعتقلونك يا أخي وبعض إخوانك، أياما أو أسابيع أو أكثر أو أقل، ويشرّدون من يشرّدون، ويكمّمون أفواه من يكمّمون، ويحاولون اغتيال قلب القضية النابض في حركتها الباقية على قيد الحياة، فأي وسام شرف يمنحونه لحماس وأهلها وأنصارها وسائر المخلصين للأرض والشعب ولأجيال مقبلة.. بل حتى لأولئك الذين يحول دونهم ودون كلمة النصرة الطيبة العلنية عصر الكبت والتسلّط والاستبداد الدولي.. فلا يملكون سوى الدعاء بظهر الغيب.

يعتقلونك وإخوانك فأي وصمة عار يكتبونها على أنفسهم في سجل التاريخ الأمين.. الذي يذكر صلاح الدين وأمثاله، فهل يذكر إلا ما بين لعنات المؤرّخين ولعنات القارئين، بعض من كان يتعاون مع الصليبيين ويسلّم بلده وأهله للغزاة المستعمرين؟

يعتقلون قلما قديرا أبى إلاّ طريق الجهاد بالقلم ولو كان محفوفا بالمكاره في عصر أصبح القلم فيه في كثير من القضايا والميادين سلعة.. تباع وتشترى بسقط المتاع، يعتقلون فكرا مستقيما يلتزم درب الحق غير هيّاب، وإبداعا أدبيا كم نأمل أن يمنّ الله بالمزيد منه على أمتّنا ليساهم في إحياء وجدان تحاصره حملات التيئيس والتضليل وحميّة مخلصة يريدون وأدها في أعماق الصدور!

أي خدمة يقدّمونها لعدوّ يضنّ عليهم حتى بقطرة ماء ممّا استولى عليه من مياه أرضنا المغتصبة.. وأي ضربة يوجّهونها إلى فئة كان لها الفضل من بعد الله عز وجل وما يزال في بقاء نبض الحياة الأبيّة، وكرامة أمّة تلاقى على عدائها والكيد لها مفسدو الأرض من كل صوب.

أو لستم أنتم أيها الإخوة الأحباب الذين تنطبق عليهم كلمة ابن تيمية: وما عسى يصنع أعدائي بي.. أنا قتلي شهادة.. وسجني خلوة.. ونفيي سياحة.

ولكنها محنة.. تؤكّد اقتراب نصر الله، ولولا أنّهم يعلمون أنّ الفئة التي تمسّكت بالحق أكبر من سائر ما يصنعون، لما أصابهم ذلك الذعر الذي أوقعهم فيما وقعوا فيه، من محاولة حصار حقّ لا يحاصر، واغتيال قضية عادلة لا تموت، غير آبهين بتاريخ قريب وبعيد، تؤكّد دروسه المرة بعد المرة، أنّ الضغوط تولّد مزيدا من الطاقات، وأنّ الظلم يوجد مزيدا من الأنصار، وأن العاقبة كانت وستبقى على الدوام للمجاهدين الصادقين المخلصين المتقين.. وأنّ الله الذي له الجبروت في السماء والأرض لا يغفل عمّا يعمل الظالمون.

نبيل شبيب