مطالعة – عالم من دمشق – بقلم عدنان وحود
نموذج للإنسان الفرد، القادر أن يصعد صعودا طبيعيا، معتمدا على نفسه وجهده الذاتي، وعطائه المتواصل في مختلف مراحل الحياة
ــــــــــ
لعلّ ممّا يعبّر عن عدنان الإنسان، ما ورد في نص الإهداء الذي تصدّر كتابه، حيث يقول:
(إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما صغر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان ببيع الخضراوات، ليكسب بذلك قوت أبنائه..
إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما كبر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان بإدارة شؤون البلاد..
إلى كلّ إنسان يُدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن يُسلب بائع الخضراوات خضراواته..
إلى كلّ إنسان يدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن تُسلب أرض، أو يُهدم بيت..)
عدنان الإنسان طالبا وعالما
هذه الكلمات تعبّر عن روح كاتبها د. عدنان وحّود، وبعض الجوانب العميقة في شخصيته، كما عرفها محبّوه الأقربون. وقد عرفت عدنان طالبا، يجدّ في دراسته، ويكدّ في عمله، ويكتفي مع أسرته الصغيرة بضرورات الحياة، ويتميّز بدماثة خلقه وطيب معشره ورضاه بما هو عليه، ولولا روح التواضع الغالبة عليه، لظهر شعور الفخر أيضا ممتزجا مع الإحساس العميق بالرضى.
وعرفت عدنان وقد أصبح “الدكتور عدنان وحّود” مهندسا متخصصا في صناعة آلات النسيج في علم “الميكانيك”، ورئيسا لقسم الأبحاث والتطوير في واحدة من كبريات الشركات الصناعية، وباحثا علميا ومخترعا بإنجازات عالمية رفيعة، ومحاضرا على أعلى المستويات العلمية ما بين الأمريكتين واليابان، وبقي كما عرفتُه عندما كان طالبا، لا ينسى أحبته ومحبيه من عهد الدراسة، ولا يختلف لقاؤه بهم اليوم، عن لقائه بهم لديه في المنزل، أو حيث يزورهم، عما كان عليه اللقاء بالأمس البعيد.
كان وما يزال عدنان الأخ، وعدنان الإنسان، وعدنان العالم المتواضع، يألف ويؤلف، ولا ينقطع عن التواصل مع أحبابه، فيحار المرء كيف لا يضيق به الوقت عن إنجاز جديد، حتى بلغ معدل براءات الاختراعات المسجّلة باسمه عالميا، زهاء ٤٥ في عشرين عاما (ثم زادت إلى أكثر من ٧٠).. وكثير منها يستحق بمفرده التكريم والتقدير الكبيرين ولو لم يوجد سواه، فكيف وقد اجتمع الكمّ إلى النوعية!
كتاب موجز وسيرة نموذجية
وكان لي شرف الاطلاع على كتاب “عالم من دمشق” أثناء إعداده، وترددت – خشية تأخير صدوره – عن النصح لكاتبه بزيادة بعض محتوياته، لا سيما وأن كثيرا من الإيجاز كان فيما أحسب نتيجة تواضع كاتبه وهو يكتب عن نفسه، ويجمع في الحديث بين الجوانب الإنسانية المعيشية اليومية ومسيرة الإنجاز العلمية، جمعا يكشف – دون تكلّف أو عناء – العلاقةَ الوثيقة بين هذا وذاك، ويجعل القارئ – لا سيّما إذا كان يعرف المؤلف العالِم من قبل – يتمنى لو يقرأ المزيد، فقد بقي المحتوى مكثفا، يتناول محطات فاصلة معدودة من الجانبين الإنساني والعلمي، يمكن تأليف كتاب على حدة عن كل منها وعن بعض ما كان فيما بينها. وأتمنى عليه وأعلم أنني لا أنفرد بهذا التمني، أن يجد الوقت لطبعة ثانية، يزيد فيها الحديث عن تلك العلاقة الوثيقة ما بين الجانب الإنساني والإنجاز العلمي، وهي – على أهميتها وأهمية تأثيرها – من نوادر ما سبق وكتبت عنه الأقلام، لا سيما بذلك الأسلوب التلقائي، والمتميز بصورة مزدوجة، إذ يدفع القارئ من العلماء إلى تلمس لفتات إنسانية قد تمرّ به في حياته أو في الوسط الذي يعيش فيها ولا يستشعر عادةً مدى عمقها وتأثيرها على أرض الواقع، كما أنّه يعطي القارئ من العامّة رؤية موضوعية لإمكانية الصعود إلى القمة، من خلال متابعة مراحل التطور التي واكبها الدكتور عدنان مذ كان طفلا ناشئا، إلى أن أصبح في مجال تخصصه أحد كبار صناع التطور العلمي النظري والصناعي التطبيقي في العالم المعاصر.
ولئن صدرت طبعة ثانية فقد تُضاف إليها بعض الإسهامات بأقلام أخرى، فكثيرون، من العرب والألمان، من فئات متعددة، عبروا على الفور مشافهة وكتابة عن بعض مشاعرهم وأفكارهم عند اطلاعهم على كتاب “عالم من دمشق”، منهم المحبون والأصدقاء، ومنهم أفراد لهم مواقعهم في الوسط العلمي والصناعي، ففي الكتاب جوانب إضافية عن شخصية من عرفوا له مكانته العلمية من قبل، ومنهم أيضا بعض من عرف الكاتب من أهل بلدة “لينداو” على أكثر من صعيد اجتماعي وفكري وثقافي، وليس من خلال إنجازاته العلمية فقط.
* * *
“عالم من دمشق”.. يمكن اعتباره نموذجا للإحساس بالمسؤولية وهو في حياة الغربة، ليقدّم بصورة عملية ما يجعل قائمة محبّيه وأصدقائه طويلة دون حاجة إلى تملّق، متنوعة دون أن يشوبها تزلّف، من عهد نشأته طالبا عاملا، إلى عهد إنجازاته عالما باحثا، من أهل بلده الأول سورية، وممن عرفهم من العرب والمسلمين خلال بضعة وثلاثين عاما مضت، وممّن عرفهم أيضا من الألمان، ما بين المعهد العالي للتقنية في آخن، وشركة “دورنييه” في لينداو.
و”عالم من دمشق” يمكن اعتباره نموذجا للإنسان الفرد، القادر أن يصعد صعودا طبيعيا، معتمدا على نفسه وجهده الذاتي، وعطائه المتواصل في مختلف مراحل الحياة وعبر تقلب ظروفها، إنجازا بعد إنجاز، لا تحمله إلى المكانة المرموقة علاقات مصالح أو منافع وقتية ممّا شاع في عالمنا وعصرنا، وهو – من خلال هذه المسيرة – منارٌ لمن يريد أن يرى في واقع الحياة، كيف تصنع الحياة إنسانا فيكون هو ممن يساهمون إسهاما كبيرا في صناعة الحياة الأفضل للإنسان.
* * *
حوار مع الكاتب
سؤال: الأخ عدنان.. عرفناك طالبا، وعرفناك عالما، ولم تتبدل صورتك لدينا، ولم تتبدل علاقتنا بك، فقبل الحديث عن كتابك “عالم من دمشق” هل لك أن تحدثنا عن نفسك، أن تحدثنا بكلمات بسيطة عن “عدنان وحود” وسر نجاحه إنسانا وعالما؟
جواب: أحب الخير لي ولكل الناس، وأؤمن بأن الناس كلهم إخوة لي، وكما أن الله قد أعطى الأنبياء المعجزات، ومنها أن منح نبيه داوود القدرة على تشكيل الحديد بيديه وأصابعه، أؤمن بأن الله قد منح كل إنسان قدرات خاصة به، وعليه أن يكتشفها، ويسعى لتطويرها، ليؤدي دوره المميز في هذه الحياة.
سؤال: يكشف الكتاب عما عرفناه عنك إنسانا عصاميا، وأشرت في الكتاب إلى بعض “ما” و”من” كان لهم أثر في حياتك، ولكن لو أردت التركيز على نقطة معينة، ما الذي جعلك عصاميا من جهة، وأعطاك القدرة على الإنجاز العلمي من جهة أخرى؟
جواب: أحب عملي مهما كان بشكل منقطع النظير، لأني أكسب من هذا الطريق معاشي، ولقد يسرّ الله لي سبلا للعمل، وكانت هذه السبل – بنفس الوقت – منهلا للعلم والمعرفة والخبرة، وأرجو بذلك أن أتمكن من أن أضع لبنات جديدة لعمل الأجيال من بعدي.
سؤال: اقتصرت في كتابك على ذكر عناوين براءات الاختراعات التي سُجّلت باسمك عالميا، هل يمكن أن تختار منها نموذجا أو أكثر وتحدثنا بلغة مبسطة عما كان يعنيه من الناحية العلمية والتطبيقية؟
جواب: إن الحديث عن الاختراعات لعامة الناس ليس بالأمر السهل، فلا بدّ أولا أن أضع القارئ بصورة الحاجة إلى فعالية ما في آلة ما، ثانيا أن أعرض جميع الوسائل المعروفة لإجراء هذه الفعالية، ثالثا أن أشرح مختلف المساوئ التي نواجهها عند استخدام هذه الوسائل عند إجراء الفعالية المطلوبة، بعدها يلي طرح الحل الجديد – الاختراع – وشرح فعالية الاختراع من الناحية التكنولوجية والفيزيائية وطرح الفوائد التي سوف تُجنى عند استخدام هذه الوسيلة المبتكرة.
سؤال: عنوان كتابك “عالم من دمشق”، لمَ لمْ يكن “عالم من ألمانيا” مثلا وقد كانت إنجازاتك خلال وجودك فيها، ما الذي يستهدفه العنوان تجاه القارئ العربي، أو الألماني وقد صدر باللغتين معا؟
جواب: في بداية الأمر كان قصدي أن أضع تجربتي بين يدي القارئ العربي، واخترت لهذا العمل عنوانا: “طريق إلى الإبداع”، ومع إصرار أبنائي وأصدقائي على أن تكون هذه التجربة ميسرة للقراءة أيضا للناطقين بالألمانية ابتدأت بالبحث عن عنوان جديد يجمع الإشارة إلى حضارتي الشرق والغرب.
سؤال: “عالم من دمشق”، إنجازات كبيرة وما زلت في خضم العمل، هل ننتظر مزيدا من الإنجازات العلمية في ميدان تخصصك، أم لديك مخططات إضافية؟
جواب: سيبقى عملي متواصلا وصلتي بالمؤسسات العلمية والصناعية حثيثة ليستمر إنجازي في المبتكرات الحديثة. ولقد كانت سعادتي كبيرة عندما كان ابتكاري الحديث “نول نسيج لإنتاج قماش الشبيكة” من ضمن معروضات المعرض العالمي لآلات النسيج ITMA 2003″” المنعقد في مدينة برمنجهام في بريطانيا. فلإنتاج أقمشة الشبيكة تُستخدم حتى الآن أنوال نسيج معقدة بطيئة الإنتاج. باستخدام اختراعي ازدادت سرعة آلة النسيج من الضعف إلى الضعفين، وتبسطت وسائلها، وأصبح عمرها مديدا. كان الأخصائيون يقفون أمام آلتي مذهولين: ما هذا السهل الممتنع؟ لماذا لم تأتِ من قبل وتبسّط لنا الأمور، لماذا تركتنا والوسائل المعقدة طيلة الخمسين عاما الماضية؟ وتتوّج ذلك عندما قَدِم “ملك النسيج” السيد روديجر ميليكين لمعاينة آلتي الحديثة، فقدم لي بهذه المناسبة تهانيه القلبية على هذا الإنجاز الكبير.
– الأخ د عدنان وحود، لك جزيل الشكر على هذه الكلمات ولك أصدق التمنيات بتحقيق ما تصبو إليه.
نبيل شبيب