مقالة – رمضان قبل الثورات.. ومع الثورات
رمضان شهر الثورة على الظلم.. وقد خاطب الله عزّ وجل الناس جميعا في الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"
قبل الثورات (٢٠ / ٨/ ٢٠٠٩م)
يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.
ولا يتحول من خلال الشعور بيأس أو أمل، بل يتحول من خلال ما تقتضيه دواعي اليأس وتقتضيه دواعي الأمل على السواء، فيكون شهر رمضان في الحالتين نبعا لا ينضب من طاقات العمل والعطاء.
يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.
ولا يتحول بصيام يفتقر إلى الصيام عن الفواحش واللغو وإن من الفواحش واللغو الكسل والاستخذاء حيثما يستدعي الواقع القائم حول الفرد العمل والصبر والمجاهدة والجهاد.
يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.
ولا يتحول دون أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى العبادة كما قررها الإسلام فلا تكون مجرد عادة، ولا تقتصر على ميدان دون ميدان، ولا نحبسها في تمتمة باللسان وحركات بالجوارح وعزوف عن بعض المباحات في شهر من شهور السنة أو أكثر.
فلنكن في رمضان وفي سائر الأيام والشهور والأعوام كما يريد رب الأكوان والأزمان، ولن نجد آنذاك في أعماق القلب وفي واقع الحياة مكانا لأمل يجعل من التوكل تواكلا يمنع تحقيقه ولا لقنوط محبط يجعل من التشبث به ذريعة للبقاء في قفصه.
رمضان شهر فضيل عظيم بذاته، ورمضان شهر الخير والمغفرة، شهر مبارك نعيش في بركاته بقدر ما يكون فيه من عمل يغير ما بأنفسنا ليغير الله ما بنا، ويباركه الله تعالى فيتحقق التغيير بإذنه، وهو العزيز القدير، الأرض في قبضته والسموات مطويات بيمينه.. نسأله المغفرة والهداية والعون، ونسأله النصر الذي وعد به عباده المؤمنين الصادقين القانتين العاملين المخلصين المجاهدين، إنه على كل شيء قدير.
أول رمضان بعد اندلاع الثورات
(٢٢/ ١١/ ٢٠١١م)
رمضان شهر الصبر حقا.. عندما نحوّل الصبر إلى طاقة تتفجّر بالعمل كما ينبغي أن يصنع رمضان بالصابرين.. عندما ندرك أنّ الصبر على التخلّف منقصة، وعلى الاستبداد ذلّ، وعلى الاستغلال ضعف، وعلى الإجرام جريمة، وعلى نشر الفاحشة والانحلال والإباحية عدوانٌ على إنسانية الإنسان.. وأن الصبر على ظلم المعتقلين الأبرياء، وقهر الرجال والنساء، وعلى تسليم البلاد والمقدسات، وعلى استعباد الشعوب ونشر الفقر والبؤس فيها عارٌ وشنار على كلّ من يزعم الصبر لنفسه تغطيةً على قنوطه ويأسه وذلّه!
رمضان شهر الجهاد حقا.. عندما يكون جهادنا حقا لا زعما، وعملا لا قولا، وحركة لا سكونا، وتغييرا لا خلودا إلى الأرض.. والأرض كلّ الأرض، والإنسان جنس الإنسان، والمقدّسات بكل مقياس وبمختلف الأعراف، تنادي للجهاد.. ولا تكاد تجد استجابة إلاّ من ثلّة قليلة نشارك في حصارها بالسكوت على حصارها، ونزعم أن الجهاد كما أراده الإسلام جهادا بالقلم واللسان والمال والنفس، ثمّ لا نجاهد بقلم.. ولا لسان.. ولا مال.. ناهيك عن الجهاد بالنفس وبذل الروح في ساحات الجهاد الحقّ!)
(٢٧/ ١١/ ٢٠١١م)
من أعظم ما ظهر في رمضان الثورة الشعبية في سورية هذا العام.. أنّه شهر المسلمين وغير المسلمين معا، ممّن يتطلعون إلى حرية الإنسان.. وكرامة الإنسان.. وسيادة الإنسان في أرضه في سورية.. وفي كل مكان.
رمضان شهر الجهاد.. وأعظم الجهاد عند الله كلمة حقّ عند سلطان جائر، وما أبلغ تعبير النبي صلى الله عليه وسلّم عن سيّد الشهداء وهو يتحدّث عن رجل -أي رجل- قام في وجه حاكم جائر -أي حاكم- فأمره ونهاه فقتله..
رمضان شهر الثورة على الظلم.. ولم يحرّم الله عزّ وجل "ظلم المسلمين" فقط، بل خاطب الناس جميعا في الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"
رمضان شهر الكرامة الإنسانية.. والله عزّ وجل لم يثبّت في قرآنه الكريم كرامة "الإنسان المسلم" بل كرامة الإنسان، جنس الإنسان: " ولقد كرّمنا بني آدم"..
رمضان شهر العدالة.. والعدالة في الإسلام حق بشري، وليس حقا لأهل العقيدة الإسلامية فقط، بل حق مضمون حتى تجاه من يستحقّ البُغض/ الشنآن "ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا، اِعدلوا هو أقرب للتقوى".. "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"..
رمضان شهر الإحسان.. والإحسان لا يقف عند رابطة العقيدة الواحدة بل يشمل الناس كل الناس، ولهذا ترد لفظة الناس في الحديث الشريف عن الإمّعة: "لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم"..
رمضان شهر الدعاء.. ولم يقتصر الوعد على استجابة الدعاء فيه على دعاء الصائم حتى يفطر بل شملت دعوة المظلوم.. أي مظلوم.. فلا يحجبها شيء عن رب السماوات والأرض.
اللهم إن شعب سورية مظلوم فانتصر.. وإن الحاكم في سورية طغى وفسد وتجبّر فألحقه بفرعون وقارون والنمرود.. إنّك أنت العزيز الجبّار المقتدر.
من رمضان الرابع بعد اندلاع الثورات (٢٤/ ٦/ ٢٠١٤م)
يا من تصل إليكم هذه الكلمات من أرض الشام وخارج أرض الشام.. معذرة، فقد كان كثير منا يحسب أنه يؤدي ما عليه من عبادة، ووجدنا أنفسنا بعد حين من الدهر نتمنى لو تعود بنا عجلة الزمن سنوات وسنوات لاستدراك ما فات، واستيعاب ما ينبغي على الإنسان أن يصنعه لأخيه الإنسان، لتكون عباداته مقبولة إن كان مؤمنا بالله واليوم الآخر..
أولم يربط الحديث الشريف الصحيح بين الإيمان وبين من لا يسلم الناس من أذاه، وبينه وبين أن ينام شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم، أو ألا يأمن جاره بوائقه؟
فكيف نقبل بمهانة بني آدم وقد كرمه الله، وبالظلم كأن لا شأن لنا به وقد حرمه الله، وبحرمان من الحقوق وقد أعلن رب العزة أنها من فضله وإحسانه فهو من يمدّ "هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"؟
كيف نأمن على أنفسنا ألا نجد قبولا لصيام وصلاة وزكاة وحج وأي عبادة نمارسها، وقد رضينا ألا نكون إخوة، بعد أن بات منا المنشغل بترفه وبطره ومنا المنشغل ببؤسه وفقره، وبات منا المنشغل بمتاع دنياه ومنا من يُحرم بالحديد والنار والتقتيل والحصار من أبسط حقوقه في دنياه؟
ما أكرمه عز وجل أن يعطينا -رغم قصورنا وتقصيرنا- الفرصة بعد الفرصة، في رمضان بعد رمضان، وفي صلاة بعد صلاة، وفي سوى ذلك من العبادات المفروضة، أن نراجع أنفسنا حقا.. ولا نكون ممن يمقت الله فيهم أن يقولوا ما لا يفعلون، أو أن نلحق بمن قال فيهم إنهم قالوا سمعنا.. وعصينا.
نبيل شبيب