رؤية – مدخل للسؤال: أين نحن.. وإلى أين نريد الوصول؟
أصبحنا نصنع بأنفسنا "الضباب" الذي يحول دون أي رؤية قريبة لواقعنا أو استشرافية بعيدة لأهدافنا
الشرط الأول لمتابعة طريق التغيير بعد أن فتحت الثورات بوابته، هي إدراك أن عجلة التاريخ لا تتوقف، بل تشهد تغييرا مطردا (انظر: مدخل للسؤال: كيف نعمل لإنقاذ سورية وثورتها).
يتضمن ذلك: إدراك وجود عمل ضخم مضاد للثورات، تمارسه قوى كبرى قادرة على صناعة القرار والحدث، ومعيار النجاح هو التقدم رغم وجودها وليس التراجع أمام ضغوطها بدعوى "فن الممكن" وقد أصبح واقعيا: "فن التسليم عبر الحفاظ على القيود".
. . .
كل حركة تتطلب معرفة مكان وجودك ومعرفة هدفك.. وهذا ما يسبق اختيار الآلية التي تستخدمها للحركة، وقد قلبنا هذه البدهية رأسا على عقب بالتسابق على صناعة "الآليات" في صيغة تجمعات من كل نوع، قبل توافر الشرط الأولي للتحرك.
المطلوب رؤية تحدد (الهدف البعيد) واعتباره ثابتا حتى الوصول إليه، وتقدير موضوعي للإمكانات الذاتية في اللحظة الحاضرة (المنطلق) للتحرك مع العمل تنميتها باتجاه الهدف البعيد.
بدهية ثانية غيّبناها وراء التهوين من شأن إمكاناتنا لدرجة "العجز" عن الحركة أصلا، أو التهويل من شأنها لدرجة "الوهم" الانتحاري منطلقا لحركة عشوائية.
إن رؤية الهدف البعيد تعني التوافق عليه ورؤية الإمكانات الفعلية وسبل تنميتها تعني الدراسة الموضوعية وتطبيق مبدأ "التخصص والتكامل".
. . .
رغم التسهيلات الكبيرة التي نجمت عن انتشار وسائل التواصل في العالم الافتراضي، فقد كان من "أسوأ" ما تمخضت عنه هو كثرة الأطروحات والرد عليها، ومشاركة عدد لا يحصى في ذلك، مع انفراد كل "شخص" غالبا أو كل تجمع أحيانا بما يطرحه ويروّج له، ويعني هذا استحالة الجدوى من وراء أي "حوار" يجري.
لهذا نجد بين أيدينا على سبيل المثال دون الحصر، وفي ميدان واحد هو الميدان المسلح للثورة في سورية من بين ميادين هامة عديدة أخرى:
دعوات لا تنقطع لتوحيد الصفوف والرايات.. تواضع بعض تلك الدعوات للتنسيق في غرف عمليات.. حملات تخوين في مختلف الاتجاهات.. تحليلات من جانب كل ما هبّ ودبّ من الأقلام لكل تطور عسكري أو ذي علاقة بالجانب العسكري.. تنبؤات تخلط الحابل بالنابل فلا يكاد يستفيد منها أحدا ممّن تصفهم "أقلام النخب" بالعوام.. استهداف كل الرموز تعميما أو استهدافا محددا، فلا يسلم من ذلك عالم أو فئة العلماء، ولا طلبة علم أو قادة كتائب، ولا ساسة مبتدئون ولا بعض ذوي الخبرة ممّن انحاز من ساسة وعسكريين إلى الثورة..
بتعبير موجز:
أصبحنا نصنع بأنفسنا "الضباب" الذي يحول دون أي رؤية قريبة لواقعنا أو استشرافية بعيدة لأهدافنا، ناهيك عن واقع القوى المضادة وأهدافها وما تصنع وما تخطط لصنعه.
. . .
للتذكير مع تثبيت الشروط الأولية لاستئناف تحرك هادف:
لا يفوت الأوان على متابعة خوض عملية التغيير بدلا من الجري وراء تغيير تصنعه القوى المضادة للثورات وتحرر إرادة الشعوب:
١- عملية التغيير انطلقت بعون من الله تعالى الذي جعل للتاريخ سننا لا تتبدل في جوهرها، وإن تبدلت مظاهرها أو تبدلت سرعتها كما تعطي مقارنة العصور الماضية مع عصرنا هذا
٢- قد يستغرق التغيير الجذري الكبير جيلا من الزمن، ولكن لا يعني أن يشهد طوال تلك الفترة سيلا من الدماء (المعاناة) وإن شهد كما هائلا من المؤامرات المضادة (التدافع) كما هو الحال في اللحظة التاريخية الراهنة من عمر هذا التحول
٣- التحول التاريخي طويل الأمد، ولكن سيحقق آمال الجيل الثائر ويجلب الأمن والحرية والاستقرار والرخاء حقا.. وتساهم التطورات التقنية والتواصلية الحديثة في تسريع عجلة التحول التاريخية والاجتماعية الكبرى، وتجعل نتائج الربيع العربي أسرع مما شهدته أوروبا واستغرق ثلاثة قرون، أو ما كان عبر الثورة الفرنسية واستغرق قرنا من الزمن
. . .
نحن أقدر على التحرك الهادف عند رؤية الآفاق البعيدة من التحرك العشوائي المحصور ضمن أسوار نتصوّرها سدودا منيعة لا تنهدّ، رغم أن سقوط أمثالها لم ينقطع عبر التاريخ.
إنما لا نرى الآفاق البعيدة دون التخلص من "الضباب" المشار إليه، وهذا ما يمكن أن يبدأ بجهد "الفرد" ومن خلال "حملات" هادفة وإن كانت صغيرة فستنمو عبر المشاركة فيها.
في مقدمة الجهود الفردية الواجبة:
الامتناع عن المشاركة في خوض الخائضين فيما سبق ذكره كأمثلة، بما في ذلك "الردّ" عليه وإنكاره، فهذا أيضا يزيده انتشارا ويشغل بالجدال عن الحوار.
في مقدمة الجهود الممكنة جماعيا:
تطوير الحملات الهادفة التي انتشرت فعلا على مستوى جيل الثورة من الشباب والشابات، ومعظمها بقصد التأهيل الذاتي، وبوسائل متطورة بعيدة عن الأساليب التقليدية التي تجاوزتها التطورات التقنية والإدارية والعلمية والاجتماعية والفكرية.
إن بدأنا بذلك حقا أمكن أن نضيف إليه في خطوة أخرى جهودا هادفة باتجاه تطوير إمكاناتنا وإبداع آليات مناسبة للمرحلة التي نحن فيها من طريق التغيير التاريخي الكبير.
(وللحديث تتمة)
نبيل شبيب