يوم التضامن مع شعب فلسطين
٢٩ تشرين الثاني / نوفمبر يوم التقسيم سابقا
تحليل – شعب فلسطين يقدم عبر مقاومته البطولية ما يحيي روح العمل من أجل تحرير أنفسنا وتحرير إرادتنا وبلادنا
كان يوم التقسيم في الأصل يذكر بقرار التقسيم غير المشروع، الصادر عن الأمم المتحدة يوم ٢٩ / ١١/ ١٩٤٧م، وأعلن عام ١٩٧٧م عن تسميته بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي هذا العنوان رغم ما يستهدفه ويوجبه من تضامن، جوانب لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان وراء ما قد توحي به كلمة تضامن، من أنّه موقف أو عمل يصدر عن فريق تجاه فريق آخر.
ليست قضية فلسطين قضية الفلسطينيين فقط.. ليست قضية لتوزيع الأدوار بين فريقين، فريق يقدّم دمه، وآخر يتضامن معه، فريق يعيش الجهاد والمعاناة، والتضحية والبذل والعطاء، وفريق آخر، خارج فلسطين، يقتصر دوره على التضامن، على تقديم العون.
إنّ إحساس التضامن إحساس كريم نعزّزه ونعتزّ به، ولكن يجب أن نعزّز معه إحساسا وتصورا آخر في قضية فلسطين، فهي قضية مصيرية محورية مشتركة، قضيتنا جميعا، عربا ومسلمين، وقضية تضامن نطالب به أحرار الأرض، فوق ما نطالب به أنفسنا على صعيد قضيتنا.
عندما نتحرّك في عمل من الأعمال لصالح قضية فلسطين، إنما نؤدّي واجبا مفروضا وحاسما بالنسبة إلى مستقبلنا جميعا، وعندما ندافع عن أهلينا وأرضنا بفلسطين، إنما ندافع عن أنفسنا، عن وجودنا، عن مستقبلنا، وإنما نعمل على تحرير إرادتنا، تحرير الإنسان العربي والمسلم، وتحرير قرارنا السياسي في جميع بلادنا، تحرير إمكاناتنا من التبعية الأجنبية، تحرير بلادنا وأجيالنا القادمة، بل ونعمل أيضا لتحرير الإنسان في أنحاء الأرض من مخاطر الصهيونية وأفاعيلها.
لم يغب هذا المعنى من تلقاء نفسه مع مرور الزمن، بل جرى تغييبه، وتغييب أمثاله، ممّا ينطلق من حقيقة وحدة تاريخنا، وارتباط وجودنا في حاضرنا بوحدتنا، وارتباط مصيرنا في مستقبلنا بوحدتنا، في قضية فلسطين وسواها.. إنّما جرى تغييب ذلك فكان ترسيخ النكبات والهزائم والتجزئة والضعف على كلّ صعيد.
كان تغييبه عبر عمليات غسيل دماغ جماعية، ويجب أن نتحرك في طريق معاكسة، على كل صعيد فكري وإعلامي وعملي.
كان تغييبه بمواقف الاستخذاء تجاه عمليات الإبادة الجماعية، للشعب مع اغتصاب الأرض، وكذلك لإبادة الأفكار والتصورات القويمة في ميادين عديدة، داخل فلسطين وخارجها، وهذا ما ينبغي تغييره من الاستخذاء إلى الارتفاع بأنفسنا إلى مستوى القضية.
لا يكفي مجرد التضامن، مع تحويل معنى التضامن نفسه، إلى كلمة تقال باللسان، في مهرجان احتفالي، أو مقال إعلامي، وكفى، بدلا من ممارسة التضامن، بمعنى المشاركة المباشرة في تقديم ما نستطيع تقديمه، لقضيتنا المشتركة، ومن أجل أنفسنا، من أجلنا جميعا، في مستقبلنا ومصيرنا المشترك.
. . .
نستطيع أن نبدّل هذا الواقع الذليل، بقدر ما نضاعف رفضنا للمشاريع والمواقف الانهزامية سواء صدرت عن مؤتمرات قمّة، أو عبر سياسات انفرادية، وبمقدار مواجهة الحرب الفكرية والنفسانية والاجتماعية، التي تريد أن تعوّدنا على التسليم لواقع مرفوض، مهين ذليل، وعلى التمكين من ذلك عبر تمييع شخصية الفرد في بلادنا الإسلامية، إلى جانب تمييع حقيقة ارتباطه بقضايانا المصيرية.
لسنا نحن الذين نتضامن حقيقة مع شعب فلسطين، بل هو الذي يتضامن معنا في واقعنا الراهن. لسنا نحن الذي نقدّم الدعم لشعب فلسطين، بل هو الذي يقدّم إلينا جميعا، عربا ومسلمين، في كل أرض وتحت كل سماء، ما نحتاج إليه نحن من دعم، عبر مقاومته البطولية، وصموده وتضحياته، التي يتحرّك بها، بنسائه ورجاله، وصغاره وكباره، فهو الذي يحيي فينا روح العمل من أجل تحرير أنفسنا، فإذا تحركنا تحت عنوان التضامن معه، إنما نتحرك من أجل تحرير أنفسنا، تحرير الإنسان في بلادنا وعالمنا وعصرنا.
نحن الذين يجب أن نواجه خارج فلسطين أسلوب التعامل الانهزامي مع الأحداث الدامية، والتعامل الانهزامي مع صناعة القرار على كل صعيد، حتى بات محصورا في ألوان من التسوّل السياسي، والتسوّل الأمني، والتسوّل الاقتصادي.. وكذلك مع تشبث من يمارسون هذا التسوّل بأنواعه، بكراسي صناعة القرار ومواقعه في أنحاء بلادنا.
إن الرسالة التي يجب أن نحملها في يوم التضامن مع شعب فلسطين، هي رسالة الالتقاء من وراء الحدود والحواجز، كافة الحدود والحواجز، على قضية مشتركة رغم ألوان التجزئة والتخاذل والاستخذاء، محورها الأول في فلسطين، ولا حدّ لامتدادها ما بين المحيطات الثلاث.
لا بد من التضامن مع الجيل الجديد الذي نعايش ولادته وتحرّكه في مختلف أنحاء بلادنا، من العراق ومصر إلى سورية ولبنان ومن الصومال واليمن إلى أفغانستان والشاشان، وإلى ساحات مواجهة الاستبداد، متمرّدا على الروح الانهزامية، وألوان الخضوع والعبودية، وممارسة التبعيات بمختلف أشكالها السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية.
وهو الجيل القادر على أن يسير مع أهل فلسطين على طريق العمل والجهاد والتحرير، تحرير الأرض وتحرير الإرادة، تحرير الشعوب وتحرير السواعد القادرة على بناء مستقبل كريم عزيز.
ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه المهمة الجليلة، وأن يكون أبناؤنا وبناتنا خيرا منّا في حملهم لهذه المهمة وأقدر منّا على أدائها.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب