تحليل – ألمانيا وأوضاع حديثي الإسلام فيها

الشبيبة تبحث بنفسها عن سبل لمعرفة المزيد عن دينها "الجديد" وتتميز بالحرص على تطبيق ما تتعرف عليه، وقد لا يكون صوابا بالضرورة

38

نحتاج إلى فترة من الزمن للإحاطة بمعطيات جديدة بدأت تتكون في الوقت الحاضر بشأن وجود الإسلام والمسلمين في الغرب عموما، ومن ذلك ألمانيا، فالأحداث ذات العلاقة، ومنها الهجرة الجماعية، لا تزال في سيولة مستمرة، والنظر استشرافيا في نتائجها يتطلب جهودا مركزة مكثفة. إنما المؤكد مبدئيا أن الوجود الإسلامي في ألمانيا لم يعد كما كان قبل عقود، في فترة جلب عمال أجانب -لا سيما من تركيا- ساهموا في بناء الاقتصاد الألماني، وأصبحوا يمثلون النسبة الأعظم من المسلمين في ألمانيا. في الوقت الحاضر تبدل المشهد نتيجة تطورات عديدة، منها أن حيازة الجنسية الألمانية جعل المواليد من الجيل الثاني والثالث -وأسرهم- يمثلون نسبة عالية من المسلمين الذين تمثل ألمانيا "موطنهم الأصلي"، ويعيشون وفق ذلك، كما أن نسبة معتنقي الإسلام من جيل الشبيبة ارتفعت بصورة ملحوظة لا سيما مع مطلع الألفية الميلادية الثالثة.

رغم هذا التحول لا توجد إحصاءات رسمية ولا حتى تقديرات ترتكز لدراسات منهجية بصدد عدد ذوي الأصل الألماني من المسلمين، ويؤخذ من دراسات شبه رسمية -من عام ٢٠١٢م- أن عدد المسلمين جميعا بلغ ما لا يقل عن أربعة ملايين أو خمسة في المائة من السكان، نصفهم يحمل الجنسية الألمانية، وقدرت دراسة نشرها في مطلع عام ٢٠١٦م معهد كونراد أديناور -المقرب من حزب المسيحيين الديمقراطيين الحاكم- أن العدد ناهز خمسة ملايين نتيجة موجة الهجرة الكبرى في العام السابق، كما تقول دراسة مستقبلية أمريكية من عام ٢٠١٥م إن الإسلام أسرع الأديان انتشارا في العالم، ويسري ذلك على ألمانيا، حيث يمكن أن تبلغ نسبة المسلمين أكثر من عشرة في المائة في العقود القادمة، أما على صعيد معتنقي الإسلام فتذكر متابعات متفرقة دون مستوى الدراسة الموثقة أن النسبة الأكبر منهم من فئة الشبيبة، لا سيما النساء، ما بين ١٨ و٢٧ عاما، وهو ما يسمح بتوقع ارتفاع تعدادهم باطراد نظرا إلى ارتفاع نسبة الإقبال على الزواج والإنجاب في أوساطهم بالمقارنة مع الفئات السكانية الأخرى في ألمانيا.

اعتناق الإسلام لا يجد طريقه إلى التوثيق الرسمي إلا نادرا، وكما تمتنع الجهات الرسمية عن إجراء دراسات منهجية أو إحصاءات موثقة بصدد المسلمين ذوي الأصل الألماني، نجد أن التنظيمات الإسلامية أيضا لا تصنع ذلك، وأهم من يوجه اهتماما خاصا لفئة ذوي الأصل الألماني تحت عنوان "الناطقين بالألمانية" مركز "دار الإسلام" في لوتسلباخ ويركز اهتمامه على مجالات عقدية وتعبدية واجتماعية، ثم "مركز وملتقى تدريب النساء المسلمات" في كولونيا، ويركز أنشطته على النساء والناشئة لا سيما في ميادين التعليم والثقافة والرعاية الاجتماعية.

أما في نطاق التنظيمات الإسلامية التقليدية والمصليات فيغلب استخدام التركية والعربية، ولا تكفي أنشطتها  لتغطية احتياجات ذوي الأصل الألماني في ميادين الدعوة والتوعية الدينية، إنما انتشرت في الآونة الأخيرة أنشطة يقوم الشبيبة عليها، وتتميز باستخدام الألمانية وبتنوع الأنشطة الأقرب إلى استيعاب احتياجات معتنقي الإسلام عموما وحديثي العهد منهم بالإسلام تخصيصا، وتشمل الميادين الاجتماعية والثقافية والأدبية باللغة الألمانية وشهدت أنشطتها زيادة ملحوظة في الأعوام القليلة الماضية بفضل جهود الشبيبة الناشئة، إنما لا يزال الاهتمام الرسمي والإعلامي متركزا على التنظيمات التقليدية، وقد يجد تحولا في المستقبل نتيجة جهود بدأت حديثا على المستوى الجامعي.

كما بدأ حديثا أيضا اهتمام متصاعد بتعليم الإسلام عن طريق المدارس بجهود رسمية، وهو ما يحتاج فترة زمنية كافية ليصل إلى المستوى المطلوب، لاسيما وأن بدايات التحرك على هذا الصعيد سادها الاضطراب تحت تأثير دوافعها الأولي، ومحورها مواجهة انتشار ظاهرة التشدد إلى درجة التطرف، رغم أن نسبتها المئوية ضعيفة بالمقارنة مع تعداد المسلمين في البلاد، ولكن الحملات الإعلامية السلبية بسبب ما يسمى "الإرهاب" عالميا تحت عناوين إسلامية، ضاعفت من تركيز الاهتمام عليها شعبيا ورسميا للحد من المخاطر المحتملة.

ومن مصادر التوعية والرعاية لمعتنقي الإسلام "العلاقات الخاصة" عموما وفي إطار الحياة الأسروية، ولا يستهان بتأثيرها، لا سيما أن التزاوج رفع نسبة النساء المسلمات حديثا، ولكن غالبا ما تفتقر الأسر الجديدة إلى خلفية متينة من المعرفة بالإسلام، ويقابل ذلك تزايد أعداد معتنقي الإسلام من الشبيبة كرد فعل على استهدافه عالميا، وبالتالي انتشار التساؤلات عن حقيقته، وهذا منذ تسعينات القرن الميلادي العشرين، علاوة على مفعول خيبات أمل اجتماعية ذاتية من صنع سلبيات الأوضاع الاجتماعية والعقدية في الغرب، وهذه الفئة من الشبيبة تبحث بنفسها عن سبل لمعرفة المزيد عن دينها "الجديد" وتتميز بالحرص على تطبيق ما تتعرف عليه، وقد لا يكون صوابا بالضرورة، فهنا يظهر خلل خطير لضعف جهود التنظيمات الإسلامية التقليدية عموما مقابل ازدياد نشاط المتشددين والمتطرفين سواء نتيجة اجتهادات منحرفة ذاتية أو بتأثير تنظيمات تعمل من خارج حدودٍ لم تعد عقبة في عصر الاتصالات الحديثة.

يبقى السؤال مطروحا عن السبل الأجدى للرعاية والتوعية في صفوف معتنقي الإسلام عموما وحديثي العهد به تخصيصا، وهذا ما يحتاج إلى دراسة معمقة، إنما توجد مؤشرات معدودة على سبيل التمهيد، ومنها:

١- انطلقت من بعض البلدان الإسلامية "حملات توعية" بالإسلام اعتمادا على العالم الافتراضي، واستهدفت الغرب لا سيما بعد مسلسل الإساءات المعروفة للإسلام ولمقام النبوة، ولا يرقى معظمها إلى مستوى توعية فاعلة، إذ اعتمدت ولا تزال تعتمد على "الترجمة" في الدرجة الأولى وعلى "منطق الدعوة" المنتشر داخل المجتمعات الإسلامية، فلا تراعي حاجة "المسلم الغربي" إلى أساليب أخرى لتصل إليه المعلومات المطلوبة بالفعل، وليؤثر الخطاب الإسلامي في اقتناعاته وممارساته.

٢- لا يوجد سوى القليل من وسائل التفاعل مع الإسلام والمسلمين كالوسائل الإعلامية، وحتى الندوات والمؤتمرات الدورية، ناهيك عن غياب مراكز ومعاهد تقوم على التخصص المنهجي والتكامل مع استيعاب الواقع والتفاعل مع احتياجات الفئة المستهدفة، ولا تكاد توجد مبادرات ما لتعويض النقص في هذه الميادين.

٣- "التمويل" منذ عقود عقبة أساسية في طريق الأنشطة الإسلامية المنهجية الهادفة في ألمانيا وبلدان غربية أخرى، ولا بد من جهود جهات مخلصة ومطلعة على الأوضاع الراهنة، وعلى الظروف الاجتماعية والمعرفية والمعطيات القانونية السائدة ذات العلاقة بمعتنقي الإسلام واحتياجاتهم، ليتلاقى المتخصصون على طرح دراسات ومشاريع تصلح للتخطيط لعمل مستدام، كي يحل التفاؤل الموضوعي مكان التفاؤل التعميمي إزاء مستقبل الإسلام والمسلمين في ألمانيا -وسواها- لا سيما في أوساط أهل البلاد الأصليين، الذين يجب الاعتماد عليهم أكثر من سواهم لصياغة ذلك المستقبل.

نبيل شبيب