تحليل – اغتيال السيادة الشعبية الثورية.. باطل ومرفوض
الشرعية الدولية أساس القانون الدولي العام، وليست نصوص القانون الدولي التطبيقي. وتحكم على مشروعية القرارات والسياسات وليس العكس
هل "المضادات الجوية" هي السلاح الأهم فيما ينقص الثورة الشعبية في سورية لتنتصر؟
هل "الاعتراف الدولي" بساسة الثورة هو العنصر الأهم فيما ينقص الثورة لتفرض أهدافها؟
قد يصح هذا وذاك.. إنما قد يتحقق الحصول عليهما ولا يتحقق هدف "تحرير إرادة الشعب"، فأين الخلل فيما يصنعون أم فيما لا نصنع؟
تبدلت "الشخوص والأسماء وبعض الديكورات على المسرح.." ولكن مشهد التعامل الدولي مع قضية سورية اليوم يكرر بمعظم تفاصيله، من حيث الجوهر والأهداف، مشهد التعامل الدولي مع عدد من قضايانا المصيرية من قبل، في فلسطين.. البلقان.. العراق.. الشاشان.. السودان.. أفغانستان، وغيرها. وليس المقصود "تفاصيل" القتل والتهجير والإجرام الهمجي فقط، بل يضاف إلى ذلك توظيف شرعة الغاب لإنقاذ بقايا واقع باطل أو فرض واقع باطل بديل.. وهذا ما نشارك فيه، ومن ذلك كأمثلة:
(١) مشاركتنا في شيطنة تعابير من قبيل "التنظير" و"التخطيط".. بينما ينظّر العدو المحلي والدولي ويفكر، ويخطط وينفذ.
(٢) مشاركتنا في نشر الوهم بأن الوضع الطبيعي لنا هو "عدم القراءة أو قراءة سطور فقط".. وعكس ذلك ما يصنعه العدو الدولي من خلال مناهج ومراكز ومدارس ومعاهد وجامعات وإعلام.
(٣) مشاركتنا في التيئيس من تحقيق أهداف بعينها مثل "الرؤية المشتركة" و"خارطة الطريق السورية الذاتية" إلى درجة انقطاع حبل التفكير بتلك الأهداف أو الاهتمام بها، وانقطاع جهود توحيد المسار أو استهداف تلك الجهود بالسخرية والتشكيك.
(٤) قلب قضايانا رأسا على عقب عبر توظيف كلمات محبطة، مثل "هذا واقعنا.." بحيث أصبحت أغلالا تمنع المحاولة الجادة لتغيير ما فسد في هذا الواقع وبطل مفعوله، في الوقت المناسب، أي قبل أن يفرض علينا واقع آخر أشد سوءا وضررا.
محور ذلك وسواه هو تشويه مصطلحاتنا، ومثال على ذلك تعبير "الشرعية الدولية".. وقد عايشنا ما يعنيه ذلك في التعامل مع قضية فلسطين، ومع احتلال العراق، ونعايشه الآن في مسار قضية سورية.
أصبحنا نستخدم تعبير "الشرعية الدولية" لوصف "قرارات مجلس الأمن الدولي" ومن يتحكم فيه، وهذا ما لا نجد مثيله خارج بلادنا أو خارج نطاق قضايانا، بل أصبحنا نترجم إلى العربية ما يذكره آخرون بلغاتهم المختلفة بتعبير "قرارات مجلس الأمن" فنقول "قرارات الشرعية الدولية"، فنوهم أنفسنا بأن العدوان على قضايانا في سورية وفلسطين وسواها وكأنه من صنع "شرعية" لا مندوحة من "الخضوع" لها، أي نقنع أنفسنا زورا بأن مكافحة هذه السياسة العدوانية سلوك متخلّف ينتهك الشرعية الدولية.
هذا وهم خطير بمفعول خطير لا يقتصر على الجانب النظري بل أصبح على أرض الواقع منبعا لتعليل قرارات سياسية تنفيذية، انهزامية، ذات عواقب إجراميّة، تعليلا مخادعا.
قد نفهم -وإن لم نقبل- دوافع القوى الدولية المعادية وهي تمارس الازدواجية المعتادة من جانبها، فتستخدم هذا التعبير على صعيد تعاملها مع قضايانا تعاملا يخدم أهدافها العدوانية ومطامع الهيمنة..
وقد نفهم -وإن لم نقبل- أن تنطلق سياسات انهزامية رسمية في بلادنا من موقع العجز الناجم عن سيطرة استبدادية داخل الحدود وتبعية أجنبية خارجها، فتلجأ إلى تسويغ ما تفعله عبر التشبّث بالسلطة، بالترويج لتعبير الشرعية الدولية بعد تزييفه، مثلما يجري بمصطلحات أخرى مثل السلام العادل والسياسة الواقعية وما شابهها.
ولكن لا يمكن أن نفهم ولا يمكن أن نقبل أن يشارك في ذلك أهلنا من المثقفين والمفكرين -أو كثير منهم- ومن المتخصصين من علماء السياسة والقانون الدولي والأساتذة الجامعيين والمعاهد المتخصصة -أو كثير منهم- ناهيك عما يصنعه أيضا "السياسيون" المتصرفون بقضايانا، في سورية وغيرها.
إنّ الشرعية الدولية هي أساس القانون الدولي العام، وليست هي نصوص القانون الدولي التطبيقي. هي التي تحكم على مشروعية النصوص وسلوك الدول والأفراد والمنظمات، وليس العكس.
قرارات مجلس الأمن وقرارات لقاءات مسؤولين أجانب في جنيف وفيينا وسواهما، مشروعة عند توافقها مع القانون الدولي العام، وباطلة عند مخالفته، وهذا ما يسري على كثير مما يجري الآن تحت عنوان إيجاد حل لما يسمونه الأزمة في سورية، فينتهكون به مبادئ القانون الدولي من حيث سيادة الشعوب وحق تقرير مصيرها بنفسها وبطلان الاستبداد بجميع أشكاله وبطلان سائر ما يصنع وبطلان دعمه.. وهذا ما يسري على أي اتفاقية جائرة، تنبثق عن قرارات دولية من هذا القبيل.
إنّ قرارات مجلس الأمن الدولي وسواه من الأجهزة الدولية، ذات العلاقة بقضية فلسطين مثلا، وإنّ الاتفاقات والمعاهدات المختلفة كاتفاقات كامب ديفيد وما انبثق عنها، ومسيرة مدريد إلى وادي عربة أو اتفاقات أوسلو، جميع ذلك "أُقحم" على القانون الدولي التطبيقي، بتأثير عوامل القوة وليس الشرعية الدولية، على المستوى الدولي، أو الإقليمي، أو الاستبداد المحلي.. والآن يمكن أن يتكرر شبيه ذلك مع سورية، ويستحيل أن يصبح "شرعيا" ولو وقع عليه جميع الزعماء السياسيين من الغرب والشرق ومن العرب والعجم ومن السوريين وغير السوريين.
لا يتبدّل "الوضع الشرعي الدولي" بصدور قرارات وتصرفات وفق موازين القوة المهيمنة في عالمنا المعاصر أو في قضية مشروعة من قضايانا المعاصرة، كقضية تحرير إرادة شعب سورية من الطغيان الاستبدادي وجميع ما يدعمه ويستبقيه أو يستبقي أثرا من آثاره.
وتبقى "الثورة المستمرة" للتحرر الكامل، هي الحدث المتوافق مع الشرعية الدولية وإن أبى ذلك من أبى واستكبر من استكبر.
وليست مشكلة انتصار ثورة مشروعة على مشاريع باطلة غير مشروعة مشكلة عجز، بل هي مشكلة قصورنا عن توظيف ما نملك من إمكانات "أضعف حاليا" وفق إعداد مدروس ونظرة بعيدة الأمد، لتنمو ويتم من خلال ذلك إعداد القوة اللازمة لتحصيل الحق المشروع، فالحق يؤخذ ولا يُعطى.. ذاك ممّا تفرضه قيمنا الإسلامية عقديا وقيمنا الحضارية المشتركة كما وضع الإسلام عمودها الفقري، وذاك أيضا ما تشهد عليه سنن التاريخ ووقائعه عبر العصور، وهو أيضا من صميم السياسة الواقعية بمفهومها الأصلي، ومن صميم ما يتفق مع الشرعية الدولية.
نبيل شبيب