تحليل – مشروعية ما يصنع دوليا لسورية
كل سوري يفاوض أو يوقع أو يتبادل الوعود مع طرف أجنبي، مقيد بالعمل لأهداف الثورة.. فإن لم يفعل، يكون ما صنع باطلا، لا قيمة له
كل سوري يشارك اليوم في مفاوضات حول مستقبل سورية، سواء كانت في جنيف أو فيينا أو نيويورك أو أي مكان آخر من العالم..
كل سوري يشارك في التوقيع على وثيقة مكتوبة بأيد أجنبية، معادية أو صديقة، أو بأيد سورية، غير مخولة بتمثيل الشعب تخويلا مشروعا..
كل سوري يجلس على كرسي "تمثيلي" لشعب سورية، ويتحدث أو يستمع، ويتبادل الوعود مع طرف آخر، حول أمر يتعلق بحقوق شعب سورية ومصيره وبلده ومستقبله..
كل سوري يرى أنه يتحرك باسم الثورة عندما يفاوض أو يوقع أو يتبادل الوعود مع طرف أجنبي، يجب أن يعلم أن تمثيل الثورة مقيد بالوصول عبر ما يصنع إلى تحقيق أهداف الثورة.. فإن لم يفعل، يكون ما يوافق عليه باطلا، لا قيمة له، وتطويه ثورة الشعب، عاجلا أو آجلا، كما تطوي في الوقت الحاضر صفحة العهد الأسدي الباطل منذ نشأته، ذاتيا وبسائر علاقاته الباطلة الخارجية أيضا.
. . .
من الأهمية بمكان أن نعلم أن التقيد بتحقيق أهداف الثورة هو عينه التقيد بأحكام القانون الدولي، عبر مبدأ لا يقبل التبديل ولا التأويل: حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها حق أصيل وثابت.
ما المقصود بذلك؟
إن التصرف بمصائر الشعوب خلال عشرات السنين الماضية احتلالا وعدوانا وانقلابات عسكرية وتزويرا للانتخابات واستغلالا للفساد، جميع ذلك يمثل "جزءا من الواقع"، نتقبله طوعا أو كرها ونتخاذل عن تغييره أو نثور عليه، ولكن نعلم في سائر الأحوال أن ما نتعايش معه هو "أحداث" يقع معظمها وفق موازين "القوة" وليس وفق مبادئ القانون الدولي العام.
هذا الوضع الدولي جائر، يناسب من يملك القوة الآنية بطبيعة الحال.. ولهذا لجأت القوى الدولية المهيمنة على أسباب القوة في عالمنا المعاصر، إلى محاولة إعطاء تعاملها مع بعضها ومع الدول الأضعف "صبغة مشروعية قانونية دولية" مزورة، تواري عورة استخدام القوة في فرض الحدث، فابتكر ساستها وعلماؤها حديثا نسبيا، أي خلال العقود القليلة الماضية، تعبير "القانون الدولي التطبيقي" -هكذا ترجمها بعض أبناء جلدتنا، والترجمة الصحيحة: القانون الدولي الواقعي- وأعطوه تدريجيا الأولوية على "القانون الدولي العام"..
الحصيلة: ما يتم التوافق عليه وتوقيعه من اتفاقيات ومعاهدات وما يجري من معاملات له صبغة مشروعية الأمر الواقع، حتى وإن خالف النصوص المقررة في "المبادئ" الثابتة في القانون الدولي العام، مثل حق تقرير المصير، وعدم جواز اغتصاب الأراضي بالقوة، وما شابه ذلك.
بهذه الطريقة جرى التعامل مع قضية فلسطين.. وبدأ بالفعل مع قضية سورية.
نحن لسنا جزءا من "القوى المهيمنة عالميا" وليس من مصلحتنا سريان مفعول مشروعية الأمر الواقع، فلا ينبغي لبعض أهلنا من سورية.. أن يطلع علينا بالقول مثلا:
إن المعارضة شرعية.. عندما تكتسب اعتراف القوى الدولية بشرعيتها..
كلا.. إنما تصبح شرعية بمفهوم القانون الدولي، عندما تنجح في تمثيل أهداف الثورة الشعبية، ثم تحصل لاحقا على تخويل رسمي من الشعب لصناعة مستقبله.
أو يطلع علينا بعض أهلنا بالقول للأسف أيضا:
إن ما يسمى "النظام" في سورية.. غير شرعي لأن القوى الدولية سحبت اعترافها به..
كلا.. النظام غير شرعي منذ نشأ نشأته الانقلابية الأولى وحتى يكتمل سقوطه..
في الحالتين:
هم يتحدثون عن "مشروعية الأمر الواقع" الباطلة، وليس عن "مشروعية القانون الدولي".. ولا يوجد حاليا، أثناء الثورة، من يمثل شعب سورية حقا، فثورته تعني أنه انتزع بدمائه حقه في صناعة "البديل" الذي سيمثله، ولم تكتمل هذه الثورة بعد، ومن يتصدى -رغم ذلك- للحديث والتصرف باسم الشعب وثورته، فهو مقيد تلقائيا بتحقيق أهداف الثورة.. فشرعيته "مكتسبة" عبر إنجازاته وليست "أصيلة" بمجرد تسميته.
. . .
هذه مقدمة.. للدخول بالحديث في واقع ما ينتظر صنعه تحت تأثير "موازين القوة" في سورية، فمن يملك القوة يملك صنع القرار أو المشاركة فيه وتنفيذه، ومن لا يملك القوة يضيع "حقه"، سيان كم يردد الجميع على أسماعنا أنّ "الشعب مصدر السلطات".
نحن منذ سنوات في مرحلة ثورة شعبية على قبضة سلطة باطلة لم يعد الشعب يحتمل بقاءها، وكان منتظرا من البداية أن يصدر تحرك مضاد من صنع المصالح غير المشروعة لأركان تلك السلطة، ولحلفائها داخليا وخارجيا، وبالتالي أن تصبح "عملية التغيير" عبر الإرادة الشعبية معركة تحسمها موازين القوة.
على المدى البعيد لا بد أن ينتصر الشعب، فهو الطرف الأصيل والأقوى.. وهو الطرف الذي يملك حق تمثيل نفسه وإرادته ووطنه وحاضره ومستقبله.
ولكننا أمام مرحلة يلتقي فيها بدرجات متفاوتة، معظم قوى الأرض، لفرض حالة "غير مشروعة" بمختلف المعايير المعتبرة، سواء ما نستمده من الوحي الرباني أو "القانون الدولي العام" المعاصر، أو ما يستمده سوانا من مصادر أخرى، فلا يوجد اختلاف حول المشروعية على هذا الصعيد.. والسؤال:
ما الذي يمكن صنعه في هذه المرحلة؟
. . .
إن الوسائل المنتظرة في التعامل مع قضية سورية هي عينها التي يستخدمها غالبا من يملكون قوة الباطل لفرض أوضاع غير مشروعة في عالم "أسرتنا البشرية".. منها:
١- استصدار "قرار دولي" من جهاز ما كمجلس الأمن تخصيصا، وإن كان باطل المضمون بسبب مخالفته نصوص ميثاق الأمم المتحدة نفسه.
٢- صناعة "جهاز وطني" باسم معارضة أو اسم آخر للتوقيع باسم الشعب على وثيقة ما، رغم إدراك الشعب أولا وإدراك أفراد ذلك الجهاز وصانعيه ثانيا، أن تمثيل الشعب بمفهوم القانون الدولي لا يتم إلا عبر آليات معينة مقررة في القانون الدولي لمشروعية التمثيل.
٣- فرض "وصاية" خارجية على بلد أو شعب لفترة زمنية ما، تصنع القوة الغالبة خلالها معطيات أخرى، ثم إعلان استقلال ذلك البلد لإعطاء الوضع المصنوع الجديد صفة "المشروعية"، وهذه طريقة باطلة أيضا، فبنود المواثيق الدولية التي تتحدث عن وصاية" أو "انتداب" أو حتى "احتلال" تقرر بوضوح عدم مشروعية أي "تغيير" على واقع تركيبة الأرض أو الشعب.. عبر إجراءات تقنينية أو التشريد أو استملاك الأراضي أو ما شبه ذلك.
. . .
الجواب على السؤال عما ينبغي أن نصنع في هذه المرحلة يبدأ بالتأكيد مرة أخرى:
كل سوري يفاوض أو يوقع أو يتبادل الوعود مع طرف أجنبي، يجب أن يعلم أنه مقيد بالوصول عبر ذلك إلى تحقيق أهداف الثورة.. فإن لم يفعل، يكون ما صنع باطلا، لا قيمة له.. هكذا ينبغي أن ينظر إلى نفسه، وهذا ما ينبغي أن نكون جميعا واعين به. وهذا موقف "الرفض السلبي"، ولا يكفي، فمفعول قيمته على أرض الواقع ترتفع أو تنخفض على حسب ما نعطيه من جهد لفرض الأمر الواقع، الآن.. وحتى يتحقق التغيير المطلوب عبر الثورة الشعبية والصدق مع ما تعنيه تضحيات شعبها وبطولاته وإنجازاته.
نبيل شبيب