رأي – الهدن المحلية.. بين القبول والرفض
كيف يقرر المخلصون للثورة والشعب والوطن عندما تعرض عليهم هدنة محلية ما؟
عندما تنعقد هدنة محلية على التراب السوري الثائر، سيان ما الذي يريده منها المخلصون للثورة والشعب والوطن، فلا ريب أن الطرف الآخر "العدو" متمثلا في بقايا نظام يتهاوى، أو أسياده بميليشياتهم الهمجية، وبسياساتهم وممارساتهم العدوانية الهمجية، وحتى عندما ينتدبون "وسيطا أمميا" مرتبطا بما يريده من انتدبه.. في جميع هذه الحالات إنما يريد "العدو" من أي هدنة محلية إضعاف الثورة بتفتيتها وتقطيع أوصالها، والتركيز على رقعة جغرافية من الوطن الثائر بعد أخرى وعلى فريق من الشعب الثائر بعد فريق، علاوة على تحسين شروط ما تطرحه جمهرة الأعداء من تصورات للخروج من المعضلة الدولية مع هذه الثورة المستمرة، وتحويلها من حدث تغييري إلى "حدث جزئي عابر".
ولكن ما يهمنا بمنظور الثورة:
كيف يقرر المخلصون للثورة والشعب والوطن عندما تعرض عليهم هدنة محلية ما؟
هل من معايير يعتمدون عليها وحسابات يجرونها؟
هل يستفيدون في هدنة محلية حديثة من حصيلة هدن محلية سابقة؟
المعايير تحتاج إلى بحث متعمق، وتقتصر السطور التالية على بعض الخواطر الأساسية حولها:
١- إن اتخاذ القرار الأخير بعد التشاور هو من صلاحية أهل الميدان في المنطقة المعنية تحديدا، ويعني ذلك المسؤولين عن فصائل مسلحة وعن القطاعات المدنية للثورة، أو من يجمع هذا وذاك بين يديه.. وإن كان لمثل هذا الجمع سلبيات كبيرة، وفي سائر الحالات ننطلق من أن من يحمل مسؤولية القرار، في صيغة مكانة علمية أو موقع قيادي أو وجاهة شعبية، إنما يحملها مرتكزا على رضى "غالبية أهل المنطقة"، وهو -في حدود ما تسمح به ظروف استثنائية بحكم الثورة- ما يُستقرأ ثبوته أو إنكاره من خلال مؤشرات موضوعية.
٢- يمكن أن يستعين أولئك المسؤولون بمن يرون الاستشارة بهم من خارج المنطقة، دون أن تنتقل صلاحية اتخاذ القرارات إلى أحد من الموجودين "خارج" تراب الوطن، بغض النظر عن الأسباب التي أخرجته والمهام التي يؤديها.
٣- لا يصح أن ينفرد "طرف" بمعنى فصيل أو مجلس، عسكري أو مدني، ولا بضعة أطراف دون ما يمثل غالبية عظمى وحقيقية من ورائه، في اتخاذ قرار من مستوى هدنة محلية، يؤثر بمضمونه ونتائجه عليه وعلى سواه، فمثل هذا التصرف يزيد خطورة الخلافات، ويبرز مساوئ التعددية، ويسبب مفاسد وأضرارا كبيرة بدلا من الفوائد المرجوة أو إلى جانبها على الأقل.
٤- لا يخفى أن مسوّغات الموافقة على هدنة محلية أو رفضها، لا تقتصر على جوانب عسكرية ميدانية فقط، وهي أساسية، وكذلك الآثار المحتملة بالنسبة لبقية أعضاء "جسد الثورة الواحد".. خارج المنطقة المعنية بالهدنة، وقبل ذلك وبعده لا بد من مراعاة المعاناة النفسانية والجسدية والمعيشية لأهل المنطقة، فالثورة ثورتهم، ومن أجلهم، واحتضانهم لها شرط أول من شروط انتصارها.. هذا مع الحرص الدائم على ما يكفي من بيان السلبيات والإيجابيات من كل قرار يتخذ باسم الثورة بشأن هدنة محلية أو سوى ذلك.
٥- لا بد من ربط القرار بشروط موضوعية وآليات مناسبة، لضمان تنفيذ بنوده من جانب "العدو".. وهو ما لا يتم إلا وفق معطيات كل حالة على حدة.
. . .
سؤال: ماذا لو انفرد طرف متنفذ في منطقة من المناطق باتخاذ مثل هذا القرار؟
جواب اجتهادي: هذا شأنه شأن الحاكم المتغلب بالقوة المغتصب للسلطة في فترة استقرار، فعلاوة على رفض أن يصبح ذلك "سابقة" ورفض التشجيع عليها، ورفض الركون إليها أكثر مما ينبغي، فإن الفارق الحاسم أن ظروف الثورة تجعل الأضرار الناجمة عن الانفراد بالقرار مضاعفة، وأخطارها أكبر، وعموم الابتلاء بها أوسع.. ولكن يجب عند بيان ذلك عدم الخروج عن القيم والأخلاق المفروضة في حالة التوافق وحالة الاختلاف، وكذلك دون اتخاذ إجراء أو ارتكاب عمل من شأنه أن يسبب أضرارا أكبر وأخطارا أعظم، فليس الرفض ولا البيان ولا المطالبة بالمراجعة والتصحيح، سوى وسائل لغاية، ولا يصح أن تصبح هدفا بحد ذاتها ولا أن يكون اختيار ما يسيء عبر استخدامها، متناقضا مع سلامة الهدف المطلوب منها.
والله أعلم.
نبيل شبيب