رأي – تغييب التمثيل السياسي لشعب سورية الثائر
كل مشروعية لأي طرف مشارك في محفل دولي حول سورية، مشروطة بعدم التعدي على الحقوق الأصيلة للشعب نفسه
يحتاج تعامل السوريين مع ما يجري خارج نطاقهم، ويتحدث باسمهم، ويصنفهم، ويقتلهم أو يدعمهم.. إلى قدر كبير من التفكير والضبط والتصحيح، فقد أصبحنا سياسيا على هامش الهامش من قضيتنا، ولم يعد ما يجري بشأن سورية ومستقبلها يختلف عما كان يسري على "وعد بلفور" مع بدء مسار النكبة في فلسطين: هناك من يتصرف وهو لا يملك الحق والأرض، على حساب صاحب الحق والأرض، لصالح من ينتهك الحق ويغتصب السيادة على الأرض.
من يمثل الشعب؟
إذا وصلت "لقاءات فيينا" وأمثالها إلى نتائج، ستكون بمثابة حكم غيابي جائر على شعب سورية الثائر، مؤداه حرمان الشعب من تحرير إرادته تحريرا ناجزا من مختلف أشكال الاستبداد المحلي وأشكال الوصاية والهيمنة الأجنبية.
بمفهوم القانون الدولي: هذا اغتيال حق تقرير المصير الثابت، الذي تعبر الثورة الشعبية عن المطالبة به.
أصبح فينا من لا يرى لنفسه ولسيادة شعبه مشروعية إلا ما يأتي عبر "اعتراف" العدو والصديق دوليا به!
كلا.. الصحيح هو العكس تمام:
كل لقاء دولي حول سورية ومستقبلها، لا يستمد "مشروعية" انعقاده ومجراه ونتائجه إلا ممن "يمثل" الشعب السوري.
تمثيل الشعب مرتبط بالمرحلة التاريخية التي يعيشها.. ومعالمها معالم مرحلة تغييرية:
ليس في سورية نظام يمثل الشعب.. بل استبداد إجرامي غير مشروع منذ نشأته..
وليس في سورية نزاع بين فريقين.. بل ثورة شعب "هو مصدر السلطات" ضد فئة متسلطة مستبدة..
أما العدوان الأجنبي فليس تقليديا، بل هو عدوان على الشعب نفسه وإرادته المتجسدة في ثورته..
الشعب السوري هو مصدر إعطاء المشروعية لكل ما يتعلق به، وكل مشروعية يعطيها لطرف مشارك في محفل دولي، مشروطة بعدم التعدي على الحقوق الأصيلة للشعب نفسه
الخضوع جريمة
مقابل ذلك نجد مهزلة المهازل بمعايير القانون الدولي فيما نشهده حاليا، إذ تزعم أطراف أجنبية لنفسها -دولا كانت أم منظمات- حق إعطاء "مشروعية" تمثيل شعب سورية، لفريق ما، أي فريق..
بل تزيد على ذلك وهي تتحكم بمعايير القوة عالميا، فتزعم أنها تملك حق تصنيف من يعمل من السوريين أنفسهم، لتحرير شعبهم وبلدهم، إلى "إرهابيين" و"معتدلين" وإلى معارضة مقبولة ومرفوضة، فتقتل من تشاء وتستقبل من تشاء وتحاصر من تشاء وتتعاون مع من تشاء!
هذا منتهى "الهراء" سياسيا وقانونيا، ولكنه خطير لاستناده إلى شرعة الغاب.
أخطر منه ما يصنع بعضنا حاليا وجوابه:
بإمكانك في حالة ضعفك وعجزك أو انحرافك أن تخضع لظلم من يملك القوة أكثر منك..
أنت ترتكب بذلك إثما بحق نفسك..
ولكن لا تعطِ خضوعك هذا وصف "المشروعية" باسم شعبك..
أنت تورث آنذاك تبعات إثمك لمن بعدك..
واحذر من درب الخيانة عبر توظيف نفسك أو قبول توظيفك من جانب عدوك لفرض تلك المشروعية الزائفة على من يأبى الخضوع مثلك.
مشروعية مزورة
عندما يعين فريق نفسه متحدثا باسم شعب سورية لا يكتسب "مشروعية" ذلك التمثيل بأن يعترف به عدد من الدول والمنظمات.. هذا يعني استعداد تلك الجهات للتعامل معه، انطلاقا من مصالحها وما تمليه أهدافها الذاتية، سواء وجدت في مسار الثورة نقاط تقاطع مصلحية أم لا؟
كانت تلك الجهات نفسها تتعامل مع النظام الإرهابي الدموي غير الشرعي القائم في سورية منذ عشرات السنين، فهل أصبح "مشروعا" عبر ذلك التعامل؟
ولئن تحدثت تلك الجهات الآن أنه "فقد شرعيته" فهذا يعني: فقد "صلاحيته" للتعامل معها هي.. أما الشرعية المرتبطة بالإرادة الشعبية فلم تكن له من قبل أصلا ليفقدها.
من يقبل رغم ذلك أن يكون "الاعتراف الأجنبي" مصدرا للمشروعية.. قد يجد نفسه غدا في موضع مشابه، فكيف سيتصرف آنذاك؟
ليست المعارضة السورية معارضة
المعارضة -كالحكومة- مصطلح بمفهوم محدد، لا وجود لها إلا بوجود دولة دستورية قائمة على تداول السلطة وتشكيل الأحزاب، التي تأتلف في حكومة أو تكون معارضة، ولكل منهما صلاحيات دستورية محددة.. فأين هذا من أوضاع سورية منذ عشرات السنين؟
اندلاع الثورة تحرك شعبي للقضاء على تلك الأوضاع الشاذة المنحرفة، أي عدم وجود من يمثل الشعب في حكومة ولا معارضة.. فانتزع الشعب الثائر، صاحب الحق الأصيل، صلاحية تمثيل نفسه بنفسه.. بدمائه، والسؤال:
أين الأسس السياسية المنطقية التي تقوم عليها -أثناء الثورة التغييرية- "معارضة سياسية"؟
أين القواعد التي تتحرك بموجبها في غياب نصوص دستورية وقانونية لعملها؟
لا يوجد.. ولهذا تحتم إخفاق من قبل بوصف "المعارضة السياسية" في عهد الثورة.
وزاد على ذلك:
من حملوا تسمية "معارضة" بلا قواعد، يريدون تطبيق "القوة..تتبع للسياسة"، وهي قاعدة "ذهبية" ولكن في حالة الاستقرار الدستوري.. فأين هو؟
الثورة تحتاج إلى "جناح سياسي" يعبر عنها وعن الشعب الثائر وليس إلى "معارضة" بمفهومها التقليدي، ولا إلى جهة تربط وجودها وعملها السياسي باعتراف جهة أو جهات أجنبية بها أو سحب اعترافها.
تمثيل الثورة والشعب سياسيا
ما تحتاج إليه الثورة الآن في مواجهة ما تصنعه المحافل الدولية، هو عين ما كانت تحتاج إليه منذ اندلاعها، سواء فيما سمي الفترة السلمية أو عندما تحولت ردا على العنف القمعي الهمجي إلى مسلحة.
الثورة تحتاج إلى "جناح سياسي ثوري" يمارس "سياسة ثورية مشروعة" لينهض بأعباءعملية سياسية تغييرية كبرى تنقل الشعب والوطن من حالة الثورة إلى حالة الدولة.
لقد اشتغل فريق من السوريين عندما فاجأتهم الثورة وهم خارج حدودها الجغرافية، فتسمرت أبصارهم وأعمالهم على "آليات" تمثيل أهلهم في الثورة والوطن، أكثر مما اشتغلوا على المضامين، حتى أصبحت "المحاصصة" علامة تميز تحركهم "السياسي".. وكذلك جولاتهم مع فصائل الثورة لتمرير مطالب دولية من أجل الحصول على "اعتراف" دولي.
ليس هذا عملية سياسية ثورية تغييرية.. قطعا، ولكن:
هل الفصائل هي البديل "الشرعي" عنهم لتمثيل الثورة سياسيا؟.. هذا ما يقول به المنطق الثوري.
وهل الفصائل هي البديل "العملي" عنهم لتمثيل الثورة سياسيا؟.. هذا ما ينفيه الواقع الثوري.
لا بد من الجمع بين متطلبات مشروعية تمثيل الثورة، ومتطلبات واقعية العمل السياسي لها، لنرتفع إلى مستوى ما تحتاج إليه "عملية سياسية" تنقل سورية الوطن والشعب من حالة الثورة إلى حالة الدولة.
آنذاك تنتصر الثورة.. وليس "من" يعمل باسم الثورة.
وإن لم نفعل فالبديل:
الطريق المرفوضة.. المؤدية عبر محطات جنيف وفيينا وما بعدها إلى "فرض وصاية أجنبية" بدلا من حق تقرير المصير، المصدر الحقيقي بمفهوم القانون الدولي لمشروعية أي تمثيل سياسي لشعب سورية "مستقبلا" عبر حكومة ومعارضة في دولة دستورية.
نبيل شبيب